203 مشاهدة
من فات قديمه تاه؟
على ما يبدو أن ثقافة التباكى على الماضي و من فات قديمه تاه ليست عادة مستحدثة، وتظهر فى أشكال عدة بعد كل تغييرات تطرح على الساحة المحلية أو الدولية، ويبدو أن الشكل المتداول حالياً هو الترحم على مظاهر الجمال فى عهد الملكية أو ما قبل ثورة 52 يوليو وحتى ما بعد يوليو لعقدين.
ونخص المظهر التى ظهرت به المرأة على أغلافة المجلات وبين عناوينها وأخبارها إما كعارضة أزياء أو فتاة أعلانات أو مجرد لقطة عابرة فى ضواحى القاهرة الراقية الأنيقة وقتئذ لمصور غير مصري .
إن أوجه المقارنة غير منصفة وقائمة على أدلة زائفة فالنساء اللاتى ظهرن على أغلفة المجلات والإعلانات أغلبهن لا يحملن الجنسية المصرية، وإن حملهن فأنهن من أبناء الطبقات التى تملك رفاهية التصوير الفوتوغرافى .
أما عن القاعدة العريضة للشعب المصري فيمثلها الفلاحين حيث أن مصر دولة قامت حضارتها على الزراعة، يتحدث دكتور رؤوف عباس فى دراسة بحثية عن الحياة السياسية والأجتماعية بمصر فى عهد الملكية ذاكراً انتشار المرابيين وغياب بنوك الإئتمان الزراعى مما جعل فلاحى مصر يقترضون منهم بفوائد باهظة ليتمكنوا من زراعة القطن ثم يعجزون عن ردها فتنتزع منهم الإرض، لنصل إلى عام 1937 حيث معدل المعدميين فى الريف المصرى 76% وازداد ليصل فى عام 1952 إلى 80% أما ملاك الإراضى فكانوا يشكلون 24% فقط من أهل الريف ويمثل كبار الملاك 0,5 % منهم بحيث يصل نصيب الفرد منهم الى 181 فدان .
أما عن التعليم فيذكر نبذة مختصرة تعبر عن نظرة تلك الطبقة لجموع الشعب قانون التعليم الإلزامى الذى ناقشه البرلمان فى عامى 1933-1937 وسط رفض وأستهجان النواب مدعين أن تعليم أولاد الفقراء يسبب خطر أجتماعى هائل لا يمكن تصور مداه ويؤدى إلى زيادة عدد المتعلمين العاطلين.
أما عن نظافة القاهرة ومعمارها ودور الأوبرا والمسارح فالقاهرة لم تكن سوى معقل للحاشية الملكية والمستعمر البريطانى يصرفون ببذخ يقتطعونه من أهالى الوطن أنفسهم ليحيوا فى مقاطعة خاصة بهم تعبر عن ما وصلوا إليه من ثراء فاحش فلا تحاول أقناعى أن الفلاح البسيط والعامل فى المصنع كان يمكنه الذهاب وحضور حفلات الغناء الأوبرالى.
ويبدو أن مجمل المحاولات للتغيير فى معظمها نابعة من البشاوات وأبناء البشاوات كـ” طلعت حرب باشا فى الاقتصاد، سعد زغول باشا فى الحياة السياسية، وقاسم أمين فى الحياة الاجتماعية ” لم يكن الشعب المصرى هو من سجلهم في التاريخ وفوق أغلفته وبين ثناياه، بشكل عام كانت هذه هى حياة المصريين.
أما أن نختص المرأة بالحديث فيمكن أن نستشهد بلقب طالما صاحب الرجل فى تلك الحقبة ” سي السيد “، و أنتشار العمل فى الدعارة كحل أخير للفقر المدقع الأمر الذي تطلب إن ترقد الفتاة فى حفرة طيلة اليوم ويأتيها الرجال وما أن ينتهو منها حتى تنهض لتأخذ أجرها المكون من بصل وجبن قديم، كانت هذه هى مواخير العامة أما مواخير الأجانب من المستعمر أو رجال الأعمال فكانت أكثر أدمية تقع تحت قوانين خاصة تلزم العاملات فى المواخير الخاصة بالاجانب بالكشف الدورى عليهن كما تلزم السرية الطبية موقعها أمام المواخير لتوزع على عساكرها واقى ذكرى وكتيب لملاحظات الطبية، كما أن المشاركة السياسية للمرأة والاجتماعية كعامل فعال فى المجتمع تكاد تكون صفر.
أما عن التغنى بأيام ما بعد ثورة يوليو 52 وموضة السبعينيات وسباقات السبعينيات وموضة السبعينيات ولا أنكرها فمن منا لا يملك صورة فوتغرافية لوالدته بقصة شعر انيقة وجيب قصير؟ ولكن حقيقة الأمر أنها مرحلة أنتقالية بين متناقضين سياسيين، لم يكن أختياريا من الشعب المصري فالمجتمع المصري على تاريخيه الطويل يتأرجح بين الأغراض السياسية، ما بين زمن الملكية والأختلاط بعادات غربية مختلفة وحرية مطلقة لطبقات المجتمع الحاكمة ومجونها وقهر مطلق لطبقات الشعب العاملة وبداية ظهور تحرك أسلامى كمسكن للطبقة المعدمة مشكوك فى نواياه كجماعة أنصار السنة والاخوان المسلمين، ثم ما بعد ثورة يوليو والتحول من الرأسمالية الأقطاعية الى الأشتراكية، مصر تحولت من مجتمع مفتوح لكل الجنسيات إلى مجتمع أحادى الهوية وحفاظاً على الهوية الإيمانية لمجتمع شرقي كان لابد من أزدياد الوازع الدينى لمواجهة ما وراء الاشتراكية من شيوعية.
بالنهاية لم يكن الأمر بأختيار قطاعات الشعب العريضة أنه تاريخ وصراع سياسي ينتج منه على الهامش حياة أجتماعية، بل أن المصريين يتكيفون أكثر مما يثورون نحن نجمل ونطوع ما لا نريد كى يمكننا إبتلاعه ولا نتحرك لننال ما نريد بل ننتظره كهبة وعطية لا نبدأ المسيرة بل نستكملها أياً كان لم نكن نحن من سجلهم التاريخ فوق صفحات مجلاته لم نكن نحن الفتيات المبتهجات بالجيب والفساتين لم تكن خياراتنا بل كانت متطلبات اللحظة .
الكاتب
ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide