همتك نعدل الكفة
434   مشاهدة  

من نحن؟.. سؤال صعب يطرح كل قرن مرة

الهوية المصرية
  • شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



الهوية.. أو السؤال المربك للمواطن المصري: إحنا مين؟

دخول العرب المسلمين لبلادنا بقيادة عمرو بن العاص في 641م، كان بالنسبة لأجدادنا مجرد أنتقال من سلطة محتل روماني أطلق على بلادنا Egypt إلى سلطة محتل عربي أسماها مصر.

اقرأ أيضًا
ماذا لو فشل عمرو بن العاص في فتح مصر

عدم الاعتراف بالسطرين السابقين يسبب أزمة رهيبة في تعريفنا لذاتنا، العرب حين استولوا على دولتنا من قبضة الرومان لم يختلف أدائهم عن سلوك أي محتل، بالطبع سنسمع كلام مثل “العدل العُمري” وحكايات من هذا القبيل، أنا هنا لا أتحدث عن القوانيين التفصيلية إنما عن السياق العام في العلاقة بين الشعب والسلطة، بين السلطة المركزية في مقر الخلافة/الأمبراطورية وبين البلد/الولاية.

الاحتلال العربي-الإسلامي للمنطقة استمر طويلا جدًا، وشهدت الأمبراطورية الإسلامية إنشقاقات وإنقلابات كثيرة للغاية، لتصبح دولتنا ولاية يتلقفها خلفاء المسلمين فيما بينهم عبر عدة دول: خلافة راشدة.. أموية.. عباسية.. فاطمية.. أيوبيين.. مماليك وأخيرًا خلافة عثمانية، خلال تلك المراحل خرج الحكم من يد العرب، وإن بقى على الحاكم أن يدعي لنفسه نسب عربي، قُرَّشي بالأخص، وأن يعلن إنه خليفة رسول الله ويستند إلى الإسلام، أو يحكم كأمير يخضع ولو أسميًا للخليفة العربي القرشي أينما كان، وهو ما حدث أغلب فترات الدولة العباسية الثانية، ولم يستثنى من شرط العروبة إلا العثمانيين.

خلال هذا الكم من الصراعات الإسلامية-الإسلامية تنقلت بلادنا بين أكثر من “دولة” رفعت كلها شعار الإسلام، وفي كل مرة كان الحاكم ينتمي لجغرافية وثقافة مختلفتين، اتفقوا فقط في الحكم باسم دولة الخلافة.. وإنهم ليسو من أبناء وادي النيل.

الهوية

ظل شعبنا خارج حسابات لعبة العروش، قرون طويلة نسوا خلالها أنهم أحفاد بناة الأهرام وصدقوا أنهم فقط مصريين تابعين لدولة الخلافة، تماهى مع المُحتل وصار يتعامل مع إنجازاته بوصفها تخصنا نحن كشعب، لدرجة أن مع صعود دولة المماليك تحت لواء الخلافة العباسية لم ينتبه أحد أننا شعب يعيش حالة من الاحتلال المزدوج.

حتى مع انهيار المماليك أمام الفرنسيس، لم ننتبه للحظة أننا نعاني احتلال مُركب، مماليك فاسدين يحكمون باسم خليفة تركي ضعيف وجيش فرنسي قوى له اليد العليا، من جانبه ساعد الدين في هذه الربكة بشكل كبير، فأستكان الشعب لكل هذا التعقيد وثار فقط ضد الفرنسيين بوصفهم كفار يحاربون الإسلام، أي أن هبتهم لم تكن دفاعا عن النفس بقدر ما هي دفاعًا عن الإسلام.

الأمر الذي انتبه له نابليون مبكرًا فحرص على الإعلان عن احترامه للإسلام ولنبيه عبر رسائله وبيانات وجهها للعوام ولقيادات الأزهر، كما أشرف بنفسه على إقامة العديد من المناسبات الدينية، مثلما ورد في مذكرات نابليون. وفيما يبدو أن هذه الأزمة الهوياتية ضربت أغلب شعوب منطقة الشرق الأوسط، فحسبما أورد المؤرخ الفرنسي هنري لورانس في بونابرت والإسلام فأن القائد الفرنسي أفصح عن نواياه إنه (في حالة استسلام عكا على أن أُلبس جنودي الزي الشرقي وأن يتبعوا، في الظاهر على الأقل، ديانة البلد، الأمر الذي سيروق للجنود كثيرا).

نابليون في مصر
نابليون في مصر

قد يبدو سؤال الهوية بالنسبة للكثيرين أحد أشكال الترف الفكري، لكن ما حدث في القاهرة عام 1805م يثبت عكس ذلك تمامًا، حيث قامت ثورة شعبية أطاحت بالوالي العثماني، خورشيد باشا، لكن في تلك اللحظة لم نستقل عن الاحتلال التركي العثماني، بل أكتفت النخبة المصرية بقيادة نقيب الأشراف، عمر مكرم، بعزل ممثل سلطة الاحتلال مع الإبقاء عليها، واشتراط أن من حق المصريين اختيار الوالي/ممثل الاحتلال التركي بنفسهم، وفعلًا اختاروا محمد علي باشا ليحكم ولاية مصر التابعة للدولة العثمانية.

كان الأزهر الحاضنة الرئيسية للنخبة المصرية، فبطبيعة الحال كان هو رأس الحربة في أغلب التحركات الشعبية، ولأنه رغم كل شئ مؤسسة دينية تم تأسيسها على يد أحد من حملوا لقب الخليفة، كان من الطبيعي أن تفكير النخبة المصرية بذاك الشكل، لأن إعلان الاستقلال كان يعني الخروج من سلطة الدولة الدينية المتمثلة في الخليفة العثماني وهو قرار مستحيل ينتج عن نخبة متدينة. بالإضافة طبعًا لانقطاع الصلة الثقافية والوجدانية مع أصولنا الحقيقية.. إلى أن جاءت الحملة الفرنسية وأعاد الفرنسيين اكتشافها خلال فترة احتلالهم القصيرة.

نعود لوصول محمد علي للسلطة، والذي كان يحمل مشروع طموح لتقويض حكم الدولة العثمانية وتأسيس دولة حديثة على أنقاضها، دولة بالمفهوم الصاعد في أوروبا، وأعتمد هذا المشروع على عدة نقاط أهمها مركزية مصر وموقعها من ناحية وترهل الدولة العثمانية من ناحية أخرى، وهو ما وضح من تأسيسه لعدد من المؤسسات الهامة لبناء دولة حديثة.. مثل التعليم والصحة وعلى رأسها جيش نظامي يدين بالولاء لمؤسسه محمد علي باشا، بدء بمقاتلين أوربيين وأسياويين ثم حاول تجنيد السودانيين لكن بائت محاولته بالفشل، ليتم تجنيد المصريين لأول مرة طوال تاريخ حكم الدولة الإسلامية بمختلف مسمياتها، ذلك عن طريق فرض التجنيد الإجباري، الذي مازال ساريًا حتى يومنا هذا.

الهوية

فشل مشروع محمد علي بعد تدخل الدول العظمى دفاعًا عن الخلافة العثمانية المتهالكة، وأجبروه على التفاوض مع الخلافة العثمانية، ليتم ترسيم حدود دولتنا بوصفها ولاية تابعة للدولة العثمانية اسمها مصر، لكن تتمتع بالكثير من الاستقلالية، وتورث لأبناء محمد علي من بعده، لكن تظل تابعة للخلافة العثمانية في الآستانة.

مع الوقت بدء تجنيد المصريين وتعليمهم علوم حديثة يجني ثماره، فتكونت تدريجيًا نخبة مصرية بعيدة عن أحضان الأزهر، ما مهد الطريق للثورة العرابية أو ما عرف شعبيًا بـ هوجة عرابي،  فحين ضعف ورثة محمد علي، كولاة تابعين للخلافة العثمانية، وضعف جيشهم التابع للجيش العثماني، وتحرك الإنجليز لغزو مصر، قاد أحمد عرابي المقاومة رغم أنف السرايا بل وأنف الخليفة العثماني شخصيًا.

صحيح ظهرت بوادر نخبة مختلفة عن نخبة 1805م، إلا أن بِضع عقود من الإصلاح والبناء المُتقطع لا يمكنها أن تمحو أثر قرون طويلة من التجهيل المتواصل، لذلك جاء فرمان الخليفة بتخوين عرابي ومن والاه ووصفهم بالعصاة، ليكسر شوكة المقاومة وتراجع الكثير من الداعمين لها، بل وإنقسامها على نفسها، في تأكيد لأستمرار سيطرة الدين على الذهنية المصرية حتى تلك اللحظة من سنة 1882م.

الهوية

الهوية

أكثر من 30 عام أخرى مليئة بالأحداث والتغيرات السياسية والمجتمعية احتاجها مجتمعنا حتى ينتج ثورة شعبية تنادي بالاستقلال التام، ففي نهاية 1914م اندلعت الحرب العالمية الأولى وأعلن الإنجليز الحماية البريطانية على مصر.. لتنتهي رسميًا فترة الاحتلال التركي أخر مراحل الاحتلال الإسلامي الذي دام أكثر من 13 قرن، ويبقى الاحتلال البريطاني قائمًا بشكل منفرد.

إقرأ أيضا
أحمد الجندي

الهوية

عام 1919م خرج المصريين بوعي أكبر من وعيهم في 1805م، وكان السؤال مطروحًا بشكل أكثر وضوحًا: من نحن؟ واختلفت الإجابات باختلاف التوجهات والرؤى. السنوات التالية للثورة شهدت استمرت النخبة المصرية في البحث عن إجابة السؤال الصعب، خاصة مع نهاية الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم وفشل مشروع الجامعة الإسلامية.. والأهم نهاية الحماية البريطانية بحلول عام 1922م، لتطفو على السطح أخيرا فكرة الهوية المصرية مواكبة لاقتراب حلم الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، لأول مرة منذ نهاية عصر الأسرات.

الهوية

كان العالم يعيش عصر القوميات، الذي أفضى إلى أسوأ الحروب على مر العصور، الحرب العالمية الثانية، خلال تلك الفترة ارتفع هنا صوت المتأثرين بالتيار القومي الألماني (النازية)، وتسيدت إجباتهم على سؤال الهوية المشهد المصري، وتم اعتماد اللغة كمصدر رئيسي للهوية.

الضباط الأحرار
الضباط الأحرار

سنة 1952م وصل تنظيم الضباط الأحرار للسلطة وشاءت الظروف أن يكون أغلب المؤثرين في التنظيم سبق لهم النشاط في تنظيمات يمينة متأثرة بالنازية الألمانية، مثل مصر الفتاة والإخوان المسلمين، وهي نفسها التنظيمات التي تبنت المفهوم الألماني للقومية، قومية اللسان.

لذلك لم يكن من الصعب على ناصر إن يتخذ قرار محو اسم مصر وتبني اسم الجمهورية العربية المتحدة، كعنوان لحلم قومي عروبي فشلت كل محاولاته، وكان من السهل على السادات لصق صفة العروبة بالاسم الرسمي للدولة في دستور 71، لهذا أيضًا وصل النضال المصري للحظة تصور فيها أن طرد الإنجليز يعني الوصول للاستقلال، وكأن عائلة محمد علي هم الأصل في بلادنا، ساعد على هذا أن لحظة انهيار الخلافة العثمانية، عام 1924م، كانت بلدنا انتقلت رسميًا لقبضة الاحتلال الإنجليزي منفردة.

بسبب كل ما سبق نجد اليوم شوارع وميادين تحمل أسماء أشخاص احتلوا يومًا ما أرضنا وقتلوا أجدادنا، مثل صلاح الدين.. سليم الأول.. عمرو بن العاص.. عقبة بن نافع.. الخليفة المأمون وغيرهم، وأظن أننا حالة فريدة بين بلدان العالم ومجتمعاته، حيث جرى العرف أن تحمل شوارع أي بلد أسماء أبطالها ومحرروها، ثم المبدعون والفنانون والعلماء والشخصيات البارزة في شتى المجالات.. ويضاف لهم الأباء المؤسسين، في منظومة المجتمع الأمريكي.

الآن وبعد مرور قرن آخر وثورة أخرى هل سنستطيع الإجابة على السؤال الصعب؟ أم سنحتاج لمئة عام أخرى من التيه في الذات.

الكاتب

  • الهوية رامي يحيى

    شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
2
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان