من “نمت ننه” لـ “ننه هو” .. روبي و دوللي مش منيرة المهدية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يسود الوسط الغنائي الحالي موجة من الغناء الهابط سواء على مستوى الكلمات المسفة أو الألحان السطحية الساذجة من غناء بعض المؤديات اللواتي لا يعرفن أبسط قواعد الغناء، وبرغم الانتقادات التي طالت تلك الموجة إلا أنها وجدت من يقف بجانبها بحجة الدفاع عن الحريات وضد تحكمات سلطة الغناء الرسمي ثم لا يملوا من إعادة تذكيرنا بأن تلك الموجة تشبه الطقاطيق القديمة التي كانت منتشرة في عشرينيات القرن الماضي ولحنها وغناها كبار المطربين والمطربات إذن ” لا تعايرني ولا أعايرك” و”إن كان بيتك من إزاز”.
حجج الدفاع عن تلك الموجة من الغناء تسير وفق منهج معايرة كبار المطربين وفتح ملفاتهم الفنية المظلمة وأن لا يوجد فرق يذكر بين “نمت ننه” و“بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة” ففي النهاية التاريخ يعيد نفسه بأغاني تصنف من نفس الفئة وتسير على نفس تيار الإسفاف والابتذال.
تتجاهل تلك الآراء عدة أمور منها إغفال السياق التاريخي والاجتماعي الذي أفرز تلك الموجة من الطقاطيق في وقت كانت البلاد تتعافى من آثار الحرب العالمية الأولى وأحداث ثورة 19، ثم إنكار صناع تلك الطقاطيق لها حيث غيرت أم كلثوم كلمات طقطوقة “الخلاعة والدلاعة مذهبي ” إلي ” الخفافة واللطافة مذهبي” ثم أنشأت هيئة الرقابة على الأغاني والتي كان أول رقيب لها هو الشيخ يونس القاضي الذي أمر بمنع تلك الطقاطيق وبعضها من كلماته هو شخصيًا،ثم يأتي ذكر سلطانة الطرب “منيرة المهدية” كأشهر من غنت تلك الطقاطيق وإغفال إسهاماتها الفنية الضخمة سواء في المسرح الغنائي أو في غناء القصائد دون أن نغوص في الدور السياسي الكبير الذي لعبته وقت ثورة 19، لكن هل تستطيع روبي أو دوللي شاهين أن تغني من ألحان القصبجي قصيدة” ألا ليت لم أعرفك يوما” أو تقف أحداهما على خشبة المسرح تقارع سيد درويش أو محمد عبد الوهاب في رواية “كليوباترا” وأين إنجازاتهم الفنية الأخرى في ظل أن تاريخ روبي الغنائي يقتصر على العجلة والهوبا.
لم يسلم خالد الذكر سيد درويش من تلك الحجج ايضًا في بعض طقاطيقه التي غنى فيها للحشيش والكوكايين وإغفال السياق الدرامي الذي صيغت من أجله داخل مسرحياته بل وأغلب تلك الطقاطيق كانت توعية من مخاطر تعاطي المخدرات، ثم يفتشون في تاريخ عبد الوهاب ليجدوا الدنيا سيجارة وكاس وكأن عبد الوهاب لم يغني في حياتها سواها.
مهزلة التاريخ يعيد نفسه.
في حوار متلفز مع المطرب عبد اللطيف البنا أحد أقطاب موجة الطقاطيق أرجع انتشار تلك الطقاطيق إلا أن قوات الاحتلال كانت تضيق على الفنانين وتتحكم في بعض النصوص المغناة، وكانت تجبر بعضهم على إغلاق المسارح مبكرًا ثم استولت على أهم متنفس فني في تلك الفترة “كشك الموسيقى” في حديقة الأزبكية وانتشرت تلك الموجة التي كانت عبارة عن استراحة محارب عزز من انتشارها رخص سعر اجهزة الجرامافون التي دخلت بيوت الطبقة المتوسطة وتهافت شركات الإنتاج على إنتاج أكبر كم من الاسطوانات، لكن ماذا حدث بعد ذلك ، انتهت تلك الموجة سريعًا على وقع ثورة فنية قادها نفس من قاموا بصنع تلك الطقاطيق سواء “الشيخ زكريا أحمد” الذي ورث عرش خالد الذكر “سيد درويش” في المسرح الغنائي و”محمد القصبجي” الذي قاد ثورة الموسيقى التي ستغير ملامح الأغنية المصرية لعقود طويلة مع أم كلثوم في مونولوج “إن كنت أسامح وأنسى الأسية” الذي باع ربع مليون اسطوانة ونسف فكرة أن – الجمهور عاوز كده- فهل تعلمنا من درس إعادة التاريخ ام لازلنا مصريين على الوقوع في نفس الأخطاء التي وقع فيها السابقون وهل تملك روبي ولا دوللي المقدرة على إحداث ثورة فنية جديدة تقضي على تلك الموجة أشك في ذلك! فروبي ودوللي ليستا منيرة المهدية أو أم كلثوم.
المطرب النقاش كيف تقتل المظلومية مستقبل الموهبة؟
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال