همتك نعدل الكفة
58   مشاهدة  

من واقع الأسر المصرية .. كيف يتم إعداد الأبطال الرياضيين ؟

أولمبياد باريس 2024
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



نعمة سعيد؛ الربّاعة المصرية الأولمبية التي حصدت عشرات الميداليات القارية والعالمية، ما هي إلا بطلة صنعتها جهود أسرتها المقيمة في قرية بسيطة بمحافظة الإسماعلية تسمى المحسمة، آمنوا بأحلام ابنتهم ذات العشر سنوات، إذ رغبت الصغيرة في الانضمام إلى مركز شباب القرية، وأن تضع أولى خطواتها في احتراف لعبة رفع الأثقال.

قالت نعمة سعيد ” للميزان” إنها بدأت بإمكانات شبه معدومة في مركز شباب القرية، لكن كان لديها حلم الوصول إلى منتخب مصر، وبالفعل حصدت العديد من البطولات المحلية، بعد تدريبات شاقة وإمكانات معدومة، انضممت لمنتخب مصر في عمر الـ15. و  مع قلة الإمكانات في تأهيلها كلاعبة محترفة كان أخوها الأكبر”عمر” الذي يعمل باليومية يتكفل بمصاريف تمارينها و غذائها دون تذمر أو شكوى، فكما تقول “نعمة” رأني أحقق إنجازًا تلو الآخر، لذلك قدم لي كل الدعم المادي رغم قلة دخله، وأحيانًا يسافر معي في البطولات، خاصة بعد مرض والدي.

لم تقتصر رحلة ” نعمة” عند تلك المرحلة بل استمرت في تقديم مجهود كبير إلى أن حصلت على عدد من الميداليات،القارية و العالمية، إذ حققت ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ بطولة العالم للناشئين بـ”لا فيجاس بالولايات الأمريكية” في العام 2019، بعد فوزها بثلاث ميداليات في نفس البطولة، كانت وقتها في الصف الثالث الإعدادي. بعد أن أكملت عامها الـ19 شاركت في بطولة العالم للكبار، وكذالك حصدت الذهبية بمجموع 233 كيلو، كما حصلت على ذهبية الخطف وفضية النتر، ثم في العام 2022 كررت نفس الإنجاز ، هذا غير إحرازها 3 ميداليات ذهبية في بطولة أفريقيا لرفع الأثقال وزن 76 كيلو التي أقيمت في مدينة الإسماعلية فبراير 2024م، لتحجز مكانًا لها في أولمبياد باريس 2024، وتنافس بقوة في حصد ميدالية أولمبية.

أولمبياد باريس 2024
الرباعة المصرية نعمة سعيد

رحلة “نعمة سعيد” هي رحلة كفاح مختصرة شبيهة برحلة كفاحنا، آمنت بنفسها وأدركت إن المساعي يمكنها أن تتوج يومًا ما، ولم تكن “نعمة سعيد” وحدها ذات قصة كفاح فهناك المئات من الرياضيين المصريين الذين تحدوا الظروف المجتمعية وقلة الإنفاق لاسيما في الرياضات الفردية، واعتمدوا بشكل مباشر على موارد أسرهم في الإنفاق على إعدادهم وتأهيلهم للوصول إلى منصات التتويج، هذا ما أكده عدد كبير من الأسر ذات الدخل المتوسط والأقل من المتوسط.

تربية الأبطال الرياضيين ليست سهلة .. ومصاريف التدريبات نبد أساسي من ميزانية البيت كالأكل والشرب

تقول :”رحاب” والدة “روضة وليد” لاعبة الكارتيه التي حصلت على بطولة الجمهورية الموسم الماضي” للميزان” إن تكاليف المادية الخاصة بالسفر، وتأهيل اللاعبة، توفرها من مصروف المنزل، فمصاريف التمرين التي تشمل ( المواصلات ـ التغذية ـ الملابس )  بند أساسي من ميزانية البيت كالأكل والشُرب تمامًا.

كما قالت”رحاب” إن تأهيل “روضة” حتى تصبح بطلة قارية عالمية تلزم مجهود كبير، ليس ماديًا فقط، فهناك أعباء أخرى كتوفير الوقت للذهاب للتمرين، مع مسؤوليتنا كالعمل و الإدارة المنزل، وهناك مسؤولية كبرى تقع على الأسرة كلها، وهي شاقة، وتتمثل المسؤولية في دعمها معنويًا، وتأهيلها نفسيًا للمشاركة في البطولات، ودعمها عند الهزيمة، هذا غير مراعاة تربيتها من خلال اللعبة، وتكوين شخصيتها، وأضافت: إن لعبة الكارتيه ليست سهلة، وتحتاج إلى مجهود كبير، وفي نفس الوقت هي  لعبة تريد ” روضة” التحقق فيها فكيف لا ندعمها بعد أن أحرزت  8 ميداليات.

أولمبياد باريس 2024
روضة وليد لاعبة كارتيه

في هذه حين قال “علي عبده” والد سباحة ناشئة، إنه كأب يرى إن ممارسة الرياضة وتأهيل اللاعبين هو جزء من التربية وإعداد إنسان سوي نفسيًا وجسمانيًا، وعقليًا وذهنيًا، مؤكدًا إن التمرين ليس مكانًا لتفريغ الطاقات والمنافسة فقط، فمن أهم أسباب دعم ابنته أنها تتعامل مع منظومة، وفريق، ومواعيد تدريبات، واحتكاك بزملائها، وهذا يشكل شخصية قوية لها هدف في الحياة تسعى إلى إنجازه.

وأضاف الأعباء التي نتحملها كأسرة كبيرة، ونحن ندرك إن تربية بطل في البيت شيء مرهق، فغير التكاليف المادية  التي تتمثل في شراء ملابس التمرين وهي مكلفة نوعًا ما، وغذائها المتنوع قبل التمرين وبعده بناءً على تعليمات المدرب، ومصروفها الشخصي، هناك عوامل أخرى ومنها توفير الوقت يوميًا لاصطحابها إلى التمرين، فوالدتها طبيبة لديها أعباء وظيفية و منزلية كبيرة ورغم تلك الأعباء لابد من توفير الوقت لاصطحاب البنت للتمرين، فنحاول أن نوفر الوقت لها إذا كنت في المنزل اصطحبها أنا للتمرين وأنتظرها وأعود بها، أو أذهب بها للتمرين ووالدتها تذهب لتأخذها حسب ظروف عملنا، لكنها مشقة كبرى علينا.

أولمبياد باريس 2024
إعداد الرياضيين

واستكمل: هذا خلاف الدعم النفسي والمعنوي المقدم لها، ففي كل مرة نذهب معها للتمرين نصورها ونتابع أرقامها وإنجازتها، وأخطائها حتى تتلافها فيمَا بعد، غير الدعم المعنوي الكبير بعد كل خسارة، إذ تكون اللاعبة في حالة انهيار تام، بسبب المجهود الكبير الذي بذلته، ففي لحظة تدرك أن كل شيء ليس له قيمة، وهنا لابد من دور الأسرة في دعمها ودفعها مرة أخرى، لاستكمال المشوار.

البطل الرياضي ليس وليد صدفة 

صناعة البطل تأتي من الساعات الطويلة في التدريب والتحسين، فالبطل لا يولد من رحم الواسطة أو المحسوبيةـ كما يُقال ـ  بل تتشكل من العمل الجاد والتدريب المكثف، والدعم غير المشروط من الأسرة سواء النفسي والمعنوي، فالأبطال الحقيقيون هم من وصلوا إلى منصات التتويج وشاركوا في بطولات العالم، واستطاعوا بأرقامهم اللعب في أولمبياد باريس 2024، ومعنى أن لاعب ما شارك في هذه البطولة، فإنه حقق إمّا بطولة عالمية أو بطولة قارية أي ليس للواسطة أو للاتحادات دخل فيها.

لماذا لا يتقبل المجتمع أبطاله الرياضيين

لكن ربما يقع بعض الأخطاء على الرياضي، ومنها ما قاله ” علي عبده” قائد دراجة كهربائية ورحّالة، حقق 5 أرقام  قياسية مسجلة باسمه في موسوعة جينس، بأن الغضب اتجاه اللاعبين المصريين المشاركين في الأولمبياد يعود إلى عدم معرفتهم بكيفية التسويق لأنفسهم ولألعابهم، وجذب المجتمع اتجاه مشاريعهم الرياضية، وأن يرتبط بالمجتمع بشكل أو بآخر، فعلى أقل التقديرات مشاركة يومياته بدءً من موعد التمرين ومرورًا بتعليمه وانتهاءً ببطولاته المشارك فيها، وبهذا ـ دون أن يشعر ـ  سيكون له عدد من الرسائل منها؛ تشجيع الشباب على ممارسة الرياضة ومعرفة أهميتها، كذلك رسالة هامة مفادها كيفية صناعة الهدف وتحقيقه.

“علي عبده” له تجربة مميزة في كيفية ربط الرياضة بخدمة المجتمعات، إذ تخرج “عبده” من كلية التربية الرياضية 2005، لكن كان له عمله الخاص في النظم والمعلومات، وفي نفس الوقت مهتم بالرياضة، استخدم  “عبده” مغامراته في القضايا المجتمعية مثل قضايا التعليم و تغير المناخ، إذ أسس عدد من المبادرات تعاون فيها مع الأمم المتحدة، و عدد من الوزارات في عدة دول لنشر قضايا مجتمعه لعل أخرها مبادرته المتصلة برحلته لعدة دول بدرجاته وسماها ” الرحلة إلى قمة المناخ” .

أولمبياد باريس 2024
الرحالة علي عبده

ومن خلال مبادرات المتعددة ونشاطه المجتمعي عُرف في عدة وزرات منهم؛ البيئة والتخطيط والإنتاج الحربي، وهنا استطاع التسويق لنفسه وأن يلقى دعم حكومي لمشاريعه، ورياضته، إذ يقول:”لدينا مشكلة كرياضيين وهي عدم تسويق أنفسنا وخلق قصة نجاح خاصة تُجبر المنظمات والمؤسسات على دعمنا، ففي مصر قرابة الخمس لاعبين مثل “هنا جودة” استطاعت خلق قصة لنفسها بالتالي نالت الدعم المؤسسي، وهو ما يجب على كل الرياضين فعله.

واستكمل: لابد أن نعرف ما الهدف من الدعم، هل الدعم للتربح من الرياضة، أم الدعم بهدف تطوير الذات، وأن يكون لدى الرياضي فرص تدريبية أفضل، مؤكدًا أن الرياضي إذا استطاع تحقيق الهدف سيستطيع خلق قصة نجاح خاصة به بالتالي ينال من خلالها الدعم.

عائد مادي ضعيف والمشاركات الدولية تعطي خبرات واحتكاك ثقافي

أمّا “آية صابر” أول مدربة للألعاب القتالية في مصر فتقول إن أبطال الألعاب الفردية ليس لها أي دعم مؤسسي أو حكومي، وأكدت أن غالبية الرياضين المشاركين في البطولات العالمية وأخرهم أولمبياد باريس 2024 وصلوا بمجهودات مادية ضئيلة مقارنة بحجم الإنفاق على منافسيهم، هذا غير العائد المادي الضعيف لتحفيزهم، مؤكدة إن المشاركة في البطولات الدولية تُعطي خبرات متنوعة وقوية بالتالي يحقق أهدافه في بطولات قادمة.

إقرأ أيضا
الموانئ المصرية
أولمبياد باريس 2024
أول مدربة ألعاب قتالية في مصر

وأضافت : بعض الألعاب الفردية مثل الملاكمة ورفع الأثقال تحتاج إلى نظام غذائي صارم، يكلف الكثير، وهي أدرى الناس بذلك فخلاف كونها مدربة، فهي أيضًا لاعبة شاركت في عدد من البطولات الدولية وحصدت البطولات، وكانت ترى أن التكاليف المادية التي كانت تتحمله أسرتها كبيرة لكنها استطاعت حصد بطولة العالم في mma  فنون قتالية مختلطة، تكريمًا لهم.

أولمبياد باريس 2024
آية صابر لاعبة في إحدى البطولات العالمية

ثم كانت لها تجربة مميزة بعد ذلك، فآية أم لطفلتين إحدهنّ تلعب كيك بوكس رغم صغر سنها، وكذلك فهي أول أول مدربة للألعاب القتالية في مصر، ورغم تلك الأعباء قررت إنشاء أكاديمة لتعليم الصغار فنون الألعاب القتالية بهدف توفير نفقات الأسر و صنعة أبطال في لعبتها المفضلة، فتعرف جيدًا حجم الإنفاق المقرر لصناعة بطل رياضي عادي فمَا بالنا بالبطل الأوليمبي.

أولمبياد باريس 2024
آية صابر مدربة على منصات التتويج

وعلقت”’آية” حول ما يطال اللاعبين في أولمبياد باريس 2024 من السخرية عبر منصات التواصل الاجتماعي، قائلة إنه يتعين على الوزرات المعنية كالرياضة والثقافة بتوعية الناس بأهمية مشاركة اللاعبين المصريين في البطولات الدولية، إلى جانب التوعية المستمرة بأسباب اختيار اللاعبين في الأولمبياد.

اختيار اللاعبين لمثيل مصر في أولمبياد باريس 2024

جدير بالذكر إن اختيار الرياضيين يتم من خلال لجانهم الأولمبية الوطنية (NOC) المسؤولة عن دعمهم وتسجيلهم في الألعاب، إذ ترسل اللجنة الأولمبية الدولية دعوات إلى جميع اللجان الأولمبية الوطنية قبل عام من حفل الافتتاح، وتقدم هذه اللجان بدورها طلب المشاركة في الألعاب إلى اللجنة الأولمبية التي تتمتع بكامل الصلاحية في قبول هذه الطلبات أو رفضها، بالمقابل، يجب على الرياضيين الالتزام بالميثاق الأولمبي الذي يتضمن الامتثال للقانون الدولي لمكافحة المنشطات وقانون الحركة الأولمبية الذي ينص على حماية المنافسات الرياضية من التلاعب بها.

إنّ التأهل والمشاركة في الألعاب الأولمبية قمة الإنجاز الرياضي للعديد من اللاعبين الذين يتم اختيارهم وفق معايير صارمة تتضمن كسر الأرقام في البطولات المحلية والدولية، وبخصوص الإنفاق فإن الدعم الذي يتلقونه من اللجان الأولمبية أو الاتحادات بما في ذلك توفير المرافق والاحتياجات الأساسية يلعب دورًا حاسمًا في تجهيزهم للأداء بأعلى مستوياتهم، كما أن الألعاب الأولمبية ليست فرصة  لإظهار المهارات الرياضية فقط بل هي فرصة لبناء جسور من التفاهم والتواصل بين الشعوب، والثقافات المختلفة.

اقرأ أيضًا : لاعبون بلا تذكرة.. الفساد يلتهم طموح شباب ألعاب القوى في مصر 

الكاتب

  • أولمبياد باريس 2024 مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان