من وحي الحوار الوطني 01) الهوية.. الحوار الكاشف
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحوار حول الهوية من أكتر الحوارات الكاشفة للمرجعية الفكرية لأي إنسان، إن لم يكن أكترها، كاشف كمان لمنطلقات كل مرجعية فكرية.. وللتقاطعات بين المرجعيات المختلفة، بالتالي نقدر عن طريق متابعته نكتشف مدى التباعد أو التقارب بين المرجعيات الفكرية المتنوعة.
عشان كده باعتبر نفسي محظوظ جدًا أني مشارك في جلسات لجنة “الثقافة والهوية الوطنية” بالحوار الوطني، وباسمع مشاركات المشايخ وممثلي حزب النور والقوميين العرب.. وكإنهم خارجين من بيوتهم مخصوص عشان يأكدوا لي إن الفروق بين الإسلامي والعروبي تكاد تكون وهمية.
الخلاف في الطرح لا يفسد في الجِذر قضية
مهما ظهرلنا إن فيه عركة بين السلفيين والأزاهرة، تفضل رؤيتهم للهوية متطابقة تمامًا، بالتالي نفهم إن الخلاف بينهم مش سياسي ولا مجتمعي، فماننتظرش إن حد منهم هيكون مع دولة المواطنة والحقوق المتساوية بين المواطنيين والكلام ده كله، فالخلاف بينهم لاهوتي بامتياز.
كمان مهما ظهر من خلاف بين القومجية العرب والإسلامجية “بكافة فروعهم”؛ هنلاقي الخلافات دي بتتراجع ويمكن بتختفي تمامًا.. لما النقاش يكون حوالين الهوية. صحيح دول بينادوا بأمة عربية ودوكهم بيحلموا بأمة إسلامية.. بس الاختلاف ده شكلي لحد كبير، ولما نغوص في عمق كل طرح من الأتنين هنلاقي الفروق بتدوب تدريجيًا.. لحد ما يتوحدوا -تقريبًا- في الأعماق/المنطلقات (بمعنى “نقاط الإنطلاق” مش “الدوافع”).
مِنْ فَمِكَ أَدِينُكَ
في الوطن العربي طائفتان أختفلتا فاتفقتا، طائفة تناهض الإسلام بالعروبة وطائفة تناهض العروبة بالإسلام. فهما مختلفتان. وتجهل كلتاهما العروبة والإسلام كليهما فهما متفقتان. وإنهما لتثيران في الوطن العربي عاصفة غبراء من الجدل تكاد تضل الشعب العربي المسلم عن سبيله القويم. وإنهما لتحرضان الشباب العربي على معارك نكراء تكاد تلهيه عن معركة تحرير أمته.
الفقرة السابقة هي أول فقرة في كتاب عن العروبة والإسلام للمفكر القومي العروبي عصمت سيف الدولة، وأنا متفق معاه تمامًا في النقطة دي، فالمشروع الإسلامي والقومية العربية وجهان لعملة واحدة، لكن أختلف معاه في رؤية العلاقة بين هذه العملة وبين صلاح حال ونهضة شعوب المنطقة.
المفكر الراحل، آمن بالقومية العربية وشاف إنها الطريق الأمثل لتحقيق رخاء شعوب المنطقة ورفعة دولها، في حين أنا شايفها عملة رديئة.. سببت بؤس شعوب المنطقة وخراب دولها وإصابة مجتمعاتها بحالة تصحر ثقافي، رغم إنها في الأصل مجتمعات ثرية جدًا ثقافيًا.
العروبة والإسلام أيد واحدة
في البداية كده هاطرح تأصيل تاريخي لحالة التزاوج الكاثوليكي بين العروبة والإسلام، وإزاي كل واحد فيهم بيدعم التاني.. عن طريق توفيره للفكرة المركزية اللي الجماهير هتلتف حواليها.
فإذا سألنا قومي عروبي عن ما يجمع “الأمة العربية”؟ هيكون الرد: (اللغة و”الدين”)، زي ما كتب الراحل عصمت سيف الدولة وهو بيشير لشعوب المنطقة بمختلف ثقافاتها ومعتقداتها ولغاتها بتعريف: (الشعب العربي المسلم).
ولو سألنا شخص إسلامي: إيه اللي يخلينا نؤمن إن اتخاذ التراث الإسلامي مرجعية؟ هيؤدي لنجاح مجتمعنا أو دولتنا؟
فورًا هتكون إجابته: (هذا التراث حمل مجموعة من القبائل العربية التي كانت متناحرة ولا تعرف يمينًا من شمال.. في ظرف ثمانين عام إلى أن يضعوا قدمهم في الأندلس وقدمهم الأخرى في الصين، لأنهم فعلا وضعوا أيديهم على مواطن القوة في هذا التراث). زي ما شيخ الأزهر، أحمد الطيب، قال خلال مداخلته في مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي، (تحديدًا من 4.10ق إلى 4.40ق).
باختصار.. لو بحثنا عن السوابق التاريخية للأمة العربية أو الإسلامية في النجاح، مش هنلاقي غير إمبراطورية العرب المعروفة إعلامية بـ”الدولة الإسلامية”.
الحلمون الأوائل
ماحدش يقدر ينكر الدور الريادي لمسيحيين الشوام في تأسيس فكرة القومية العربية بداية من التنظير مرورًا بالتنظيم المجتمعي والسياسي وصولًا للعمل العسكري. لكن الفشل كان مقدر لحلمهم الطوبوي ببناء دولة تساع جميع الناطقين بالعربية على تنوعهم، فالترابط بين العروبة والإسلام لا فكاك منه.
فالتراث الديني الإسلامي يحصر الحكم في العرب.. تحديدًا في الحجاز.. بل في قريش بالذات، إلا في حال وجود حاكم مُتغلب، والعروبة ترى أن وحدتنا في لغتنا وديننا.. بالإضافة لتاريخنا المشترك على مدار ألف وخُمسميت سنة، لإن العرب مايعرفوش أقدم من كده غير شوية روايات متفرقة مشكوك في صحة كتير منها.
(الأمر اللي عامل أزمة كبيرة في مناهج التاريخ في الدول الناطقة بالعربية زينا)
الأعراض الجانبية للقومية العربية.. تحمل النكهة الدينية
القاعدة الإسلامية في الحكم أثارها واضحة على شكل الأنظمة الحاكمة، اللي خرجت من رحم القومية العربية، خصوصًا إنها فرضت هيمنة الثقافة العربية والأنتماء للعروبة على شعوب المنطقة، خلال سعيهم لتحقيق ما يعرف بـ الوحدة العربية.
فكان من ضمن نتايجها إن مافيش أي رئيس غير مسلم في أي دولة ناطقة بالعربية عدا لبنان، وده حصل عبر تقاسم السلطة على أساس طائفي بحت، فالإسلام في تركيبته الأولية وتجلياته السياسية الحالية، لا يعرف إلا السيطرة أو القتال من اجلها. (وده موضوع تاني لوحده، ممكن نتطرق له بعدين)
كمان على المستوى المجتمعي.. فمنطقة الشرق الأوسط من أكتر المناطق المُصدرة للاجئين لأسباب عقائدية.
كمان العدو الكلاسيكي للمجتمعات دي ودولها هو العدو الكلاسيكي للمسلمين الأوائل خلال بناء دولتهم. (وده كمان موضوع تاني لوحده، غالبًا هنتطرق له بعدين).
ملحوظة تراثية غير تاريخية بالمرة
طبقًا للروايات الدينية الإسلامية، غير المدعومة تاريخيًا، فالعرب من نسل النبي إسماعيل، وإسماعيل يبقى أبن النبي إبراهيم من الجارية هاجر، يعني العرب نتاج جوازة أب كنعاني وأم مصرية.
فدلوقتي جاري السلفي.. صديقي الناصري، عرفتوا إيه الفرق بين أني أكون مصري مسلم أو مصري باعرف أقرا عربي وبين أني أكون أكون مسلم أو عربي عايش في مصر؟
ختامًا
عارف أني وعدتكم باستكمال الكتابة عن المماليك، وهاعمل ده، بس كمان الحوار حوالين الهوية مفتوح دلوقتي ومهم جدًا، فخلونا في موضوع الهوية.. ووعد كل ما يكون فيه وقت هارجع أعمل حلقة من الأتنين اللي فاضلين للحكايات المماليك.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال