من وحي الحوار الوطني 02) إحنا ولاد مين يا دادة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحوار حول الهوية من أكتر الحوارات الكاشفة للمرجعية الفكرية لأي إنسان، إن لم يكن أكترها، كاشف كمان لمنطلقات كل مرجعية فكرية.. وللتقاطعات بين المرجعيات المختلفة، بالتالي نقدر عن طريق متابعته نكتشف مدى التباعد أو التقارب بين المرجعيات الفكرية المتنوعة.
الحلقة اللي فاتت من سلسلة الحوار الوطني استعرضنا فكرة السلسلة والأسباب اللي أدت لكتابتها، ومن الحلقة دي هنمشي بشويش مع الحدوتة من نشأتها لدلوقتي، ونحاول نرصد سوا حالة التماهي بين العروبي والإسلامي، وتجلياتها إن كان عند القومجية أو الإسلامجية إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر.. كمان أكيد هنستعرض مضار التوجه ده علينا كأفارقة ناطقين بالعربية غالبيتهم يدينوا بالإسلام.
الحلقة دي من الحوار هنبدء رحلة البحث عن إجابة لسؤالين يقدروا يوضحوا العلاقة بين العروبة والإسلام:
- هل “العروبة” كقومية يمكن أن تقوم لها قائمة في معزل عن الإسلام؟
- هل “الإسلام” أسس لدولة عالمية أم لفاشية عروبية… مقدسة؟
أول خطوة في طريق الوصول لإجابة السؤال الأولاني، هل “العروبة” كقومية يمكن أن تقوم لها قائمة في معزل عن الإسلام؟، هي تحديد معنى مصطلح “القومية”.
تعريف القومية
القومية، بشكل مبسط، هي: نظام سياسي واجتماعي واقتصادي يعمل على إعلاء مصالح “أمة”، ويهتم النظام جدًا بالحفاظ على ثقافتها، كما يعمل بشكل رئيس على تأجيج الشعور بالفخر بإنجازاتها. عادة تكون الأنظمة القومية ضد “العولمة” من ناحية.. وتعلي من شأن “الأمة” في مقابل الفرد من ناحية أخرى، ويؤمن القوميون بتفوقهم عن باقي الشعوب “فقط لكونهم أبناء هذه القومية”، يؤدي هذا الشعور غالبا لتوهمهم الحق في السيطرة على شعوب أخرى يرونها أقل شأنًا.
القومية الألمانية قامت على أساس وحدة اللسان/اللغة، والقومية الفرنسية قامت على أساس وحدة نمط الحياة، القوميين العرب اختاروا لقوميتهم المنطق الألماني، وتم إعتماد اللغة كَلُب للقومية العربية، بمعنى أن كل من يتحدث العربية فهو عربي.
وأصلوا للقاعدة دي بحديث منسوب للنبي بيقول: من تحدّث العربية فهو عربيّ – “درجته: موضوع”.
بالرجوع للتعريف البسيط للقومية هنلاقي إن من السهل سحب كل أركان القومية على النموذج العروبي إلا بند “تأجيج الشعور بالفخر بإنجازات الأمة”. لأنه هيحطنا قدام سؤال تاريخي: إيه مُنجز “الأمة العربية”؟.
بماذا يتفشخرون؟
تاريخ العرب يشبه جغرافيتهم، صحرا وسط مناطق شديدة الخصوبة، بالتالي حواديتهم صعب تملى عين مخيال جيرانهم من فرس وفينيقيين وسوريان وأقباط ونوبيين وأمازيغ و.. و…، ملايين البشر بعشرات الثقافات الغنية بالتراث والأساطير فمستحيل يستمدوا هويتهم من حرب الباسوس مثلًا.
غالبية شعوب الشرق الأوسط عندها إرث حضاري أعرق من العرب، وكلهم عندهم لغات مختفلة، لغات أصحابها عرفوا التدوين قبل العرب بقرون طويلة، فعمليًا مافيش قدام الأنظمة العروبية، اللي حكمت المنطقة، مفر من استحضار أمجاد صدر الإسلام.
اختيار وحيد لتحقيق شرط “الفخر بمنجزات الأمة”، نفس الحل الوحيد للإسلاميين لما يحبوا يشغلوا وضع الفخر، فيتفاخروا بالمنجز الحربي التوسعي للقبائل العربية، يتفاخروا بتحول مجموعة من القبايل العربية “الجاهلة” إلى أمبراطورية تفرد سطوتها من حدود الصين إلى “الأندلس”، حسب كلام شيخ الأزهر خلال مداخلته اللي هاجم فيها د. محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة، خلال مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامي.
الأسطورة هي الحل
عشان العرب سردياتهم بسيطة مقارنة بسرديات وأساطير باقي شعوب المنطقة، شديدة التعقيد، فكانت القدسية هي الحل الوحيد، من ناحية فرض الأسطورة العربية بصبغها بألوان الدين، فيبقى كل ما ينتمي للعرب والعروبة مقدس لإنه يخص الإسلام… بما فيه التاريخ واللغة، بل وحتى “الرجال”. ومن الناحية التانية شيطنة الأسطورة المحلية ومنع تداولها.
التفوق العسكري وارد يتغير.. والهيمنة السياسية معتمدة على ميزان القوة، لكن لو الشعب لفظ أسمه وأسطورته وأتبنى الاسم اللي أطلقه عليه المحتل الأجنبي وكمان أتبنى الأسطورة الوافدة معاه، كده خلاص.. السيطرة التامة حصلت وهتستمر لأجيال كتير.
إشكالية منهج التاريخ
أحد أهم الإشكاليات التي واجهت الأنظمة العروبية، إن شعوب الشرق الأوسط صاحبة الثقافات العريقة وخلال فترة المجد الملهمة للعرب كانت هي الضحية، فأزاي هيتم تلقين الأحفاد الفخر بهزيمة الأجداد؟!
فلتاني مرة يظهر الدين في دور المحلل، عشان يفك ارتباط الأحفاد بأجدادهم المهزومين أو المسترقين، ويتم تأهيل وجدانهم لرفض مصطلح “الغزو العربي” وتبني مصطلح “الفتوحات الإسلامية” كخطوة أولى للتماهي مع المنتصر، فيشيطن الأحفاد أجدادهم ويضعوهم في خانة الأخر من منظور ديني.. فيصيروا كفارًا ملاعين.
إحنا ولاد مين يا دادة
إحنا أكتر شعب حصل معاه الحكاية دي، خصوصًا مع تسمية حضارتنا في اللغة العربية باسم مشتق من اسم شخصية رمز الكفر الأكبر في الإسلام.. فرعون/الفراعنة.
أهم وأخطر تتجليات الإشكالية دي هو امتناع غالبية المسلمين المصريين عن تسمية عيالهم بأسماء شخصيات من دولتنا القديمة. فبقت الأسماء دي تكاد تكون مقتصرة على الأقباط.
تسمية أقباط نفسها في أصلها كانت تطلق على كل أجدادنا، بس اللي أسلموا منهم وخلال رحلة التماهي مع المنتصر.. تخلو عن الاسم ده وسابوه مقتصر على اللي فضلوا مسيحيين، فبقينا النهارده ينفع نقرا تصريحات رسمية من نوع “إن مؤسسة كذا الرسمية تهنئ الأخوة الأقباط بمناسبة عيد كذا”.
في إقرار ضمني إن المصريين حاجة والأقباط حاجة غيرها، إننا أتنازلنا عن اسمنا ونسبنا نفسنا للفاتح أو الغازي العربي/المسلم، وحتى لغينا اسم بلدنا اللي اختاروه أجدادنا.. وتبنينا الاسم اللي أطلقه علينا العرب/المسلمين.
فكان من الطبيعي إن يظهر أي حد معدي، أفرو سنتريك بقى أو غيره، يطلع يقول إنه صاحب حضارة أجدادنا.. اللي أتبرينا منهم، حضارة بنقول بلسانا إنها ماتخصناش وتخص المسيحيين بس، أيوه.. زي ما فهمتوا كده، المسيحيين دلوقتي لو تبنوا خطاب الأفرو سنترك هيخلصوا الكلام، بوصفهم هنه بس اللي “أقباط”. فتعملوهم كويس بدل ما يركبونا كلنا الحلزونة.
ويا كبدي العيل في المدرسة يقرأ منهج التاريخ فمايشوفش نفسه مكان جده وهو بيدفع الجزية عن يد وهو صاغر أو مكان جدته اللي تم استرقاقها لزوم الخدمة أو الترفيه، إنما بيشوف نفسه مكان الجندي العربي المنتصر.
فعادي وطبيعي إنه لما يتخرج ينفع يحلم باستعادة دولة الخلافة.. وفي أقرب ماريكاتو يمضي مع داعش ويتصور بالتيشيرت الجديد بمنتهى الفخر.
شرح معنى “عن يد وهم صاغرون” من 6.15 إلى 13.35ق (لاحظوا استخدام الضميرين إحنا وهمه)
بناء على ما سبق شايف إن الرد بالنفي على سؤال هل “العروبة” كقومية يمكن أن تقوم لها قائمة في معزل عن الإسلام؟ مش صعب. تعريف القومية قال لازم توفر فخر بعظمة ما لزوم تغذية الحس القومي، وفي نفس الوقت مافيش عظمة أو ذكر للعرب في غياب الإسلام.
(الكلام هنا عن العرب بالمعنى الأثني من عرب الحجاز وشبه الجزيرة عمومًا، مش بالمعنى القومي الحديث المبني على أساس اللغة، فالمرجعيات التاريخية لصراعات المنطقة خارجة من رحم عروبي عرقي وعلى رأسها الصراع المذهبي بين السُنة والشيعة، ولهذا حديث أخر).
ختامة
حتى الآن كان يُنظر لحياة الرسول من الخارج، كصورة رائعة وُجِدت لنعجب بها ونقدسها، فعلينا أن نبدء النظر لها من الداخل لنحياها.. كل عربي في الوقت الحاضر يستطيع أن يحيا حياة الرسول العربي ولو بنسبة الحصاة إلى الجبل أو القطرة إلى البحر.. في وقت مضى تلخصت في رجل حياة أمة كلها، واليوم يجب أن تصبح كل حياة هذه الأمة، في نهضتها الجديدة، تفصيلًا لحياة رجلها العظيم.. كان محمد كل العرب فليكن كل العرب الآن محمدًا.
الحلقة الجاية في سلسلة الحوار الوطني بقى نرد على السؤال التاني:
هل “الإسلام” أسس لدولة عالمية أم لفاشية عروبية… مقدسة؟
وبعد انتهاء سلسلة الحوار الوطني نرجع تاني للمماليك
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال