من وحي الحوار الوطني 06) خسارة المسيحيين.. وعودة الهاشميين
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
أهلًا بيكم في سادس حلقات سلسلة من وحي الحوار الوطني، واللي هنوضح فيها إزاي دور المسيحيين الشوام في خلق فكرة القومية العربية، كانت نتيجته إعادة إحياء دولة بني هاشم.
التَتّرِيك مش هو البداية
جرت العادة أن يتم تسبيب ظهور فكرة القومية العربية بإنها كانت حركة لمقاومة مشروع التتريك، اللي انتهجته الدولة العثمانية في القرن التسعتاشر. وده كلام حقيقي لكن مش دقيق كفاية.
الصراع العربي-التركي أقدم من كده بقرون، ومعاناة التُرك من العرب أقدم بكتير. فمع تمدد الإمبراطورية القرشية/العربية واحتلالها أراضي شاسعة في كل الاتجاهات، ضمت أراضي في منطقة آسيا الصغرى.
ومن هنا بدء نفور شعوب المناطق دي من العرب، حاكم مش كل الشعوب بترحب بمن يحتل أراضيهم ويستعبد رجالها وياخد أطفالها غلمان ونساوينهم جواري.
ثم بعد قرون ونتيجة تغيرات سياسية وعسكرية ومجتمعية كتيرة، قدرت بعض قبايل آسيا الصغرى تهيمن على بلاط الإمبراطورية العربية/القرشية، في صيغتها العباسية “خلال عهدها التاني”.
ثم بعد قرون تانية نجحوا في تأسيس نواة أمبراطوريتهم الخاصة وبدء الاستيلاء على ممتلكات الخلافة العباسية (في عهدها التالت) وعلى رأسها “دمشق”، العاصمة التاريخية لدولة العرب، من أيام الأب المؤسس (معاوية)، ثم توجوا توسعهم باسقاط الخلافة أصلًا والقضاء على الخليفة “الصوري” في القاهرة، بعد انتصارهم على دولة المماليك وإعدام أخر سلاطينهم طومان باي.
الاستعراب في مواجهة التتريك
بعد تفكك الإمبراطورية الرومانية ومع صعود مفهوم الدولة القومية في أوروبا، بدءت القوى السياسية الأوروبية الصاعدة تعمل على تصدير مفهومها عن الدولة الحديثة في صيغتها القومية إلى مختلف شعوب العالم. فتبنى العثمانيين فكرة قومية اللغة، التي تبناها بسمارك خلال توحيده للقبائل الناطقة بالألمانية وبداية تكون دولة ألمانيا، وكانت ركيزة تكوين عدد من الدول الأوروبية.
تتريك الإمبراطورية العثمانية، أستفز باقي القوميات الواقعة تحت حكمها، ومن سوء حظ شعوب الشرق الأوسط تبنّى أتنين من المثقفين الشوام المسيحيين، ناصيف اليازجي (1800 – 1871) وبطرس البستاني (1819 – 1883)، نفس فكرة القومية اللغوية، (ومن سخرية القدر إن أحفادهم الأيدلوجيين (القوميين) هيتحولوا لطائفيين وينادوا على أحفادهم البيلوجيين (المسحيين الناطقين بالعربية) باستخدام كلمة: “يا خواجة”).
بس بدل ما يشتغلوا ع لغات شعوب المنطقة أو حتى عَمّياتهم (زي الفكرة الأصلية ما قامت في أوروبا)، اشتغلوا ع اللغة الأكتر انتشارًا فتقدر توحد شعوب المنطقة “غير التُرك”، وصاحبة أكبر منتج ثقافي غير تركي (ومفهوم لكل نُخبها) وقتها، اللغة العربية.
مش هنطول في موضع الفرق بين التأسيس القومي في أوربا وبين القومية العربية، لإن ده محتاج كلام تفصيلي كتير هنرجعله بعدين في موضوع مستقل.
نرجع مرجوعنا لثنائي المسيحيين الشوام، الجوز أسسوا الجمعية العلمية السورية سنة 1857، بمساعدة من بعض المبعوثين الأمريكان في لبنان وقتها، وبمساهمة من المثقف يعقوب آغا الأرميني.
ثم سنة 1875 أسسوا جمعية بيروت السرية، ودي كانت سياسية أكتر منها ثقافية، بدءت تكتب وتوزع منشورات عن توحد العرب واستقلالهم عن السلطة العثمانية. تدريجيًا انتشرت الفكرة وكسبت مؤيدين جداد، غالبيتهم برضه مش عرب الأصل.
ارهاصات البعد الديني وكراهية اليهود
سنة 1904 أسس الكاتب والسياسي اللبناني نجيب عازوري جمعية عصبة الوطن العربي في العاصمة الفرنسية. وبعد سنة ألف باللغة الفرنسية كتابه يقظة الأمة العربية.
عازوري كان فعلًا من الحالمين الأوائل، تصور إن “العروبة” تنفع تكون جامع لكل الناطقين بالعربية -بمنأى عن الإسلام كدين- في مواجهة الهيمنة التركية العثمانية المؤيدة بغطاء ديني سلطوي.
فمع ظهور دعوة السلطان عبد الحميد التاني (1842- 1918) لما عرف بالجامعة الإسلامية، ألف عازوري بالفرنسية برضه كتاب بعنوان “جامعة الوطن العربي” يدعو فيه؛ لإقامة دولة حديثة يحكمها دستور يضمن لمواطنيها حقوق وفرص متساوية مهما كان دينهم أو عرقهم، دولة قومية يرتكز تماسك شعبها على وحدة اللغة والثقافة لا وحدة الدين.
رفضه الشديد للقومية الدينية ماتوقفش عند مشروع “الجامعة الإسلامية”، إنما أمتد ليشمل القومية اليهودية، اللي كان شاهد على بداياتها في نفس الزمكان. فحذر جدا منها وأكد إن وجودها هيخلق حالة عداء حتمي وتاريخي مع القومية العربية.
بس مش عارف بقى هل ده لإلمامه بالعداء الإسلامي/اليهودي وممكن يوصل بالمنطقة لحد فين؟، ولا تم ستغلاله بعد كده عشان يبقى العداء مُنطلِق من النص القرآني: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ (بداية آية 120- البقرة)؟
التحول.. أو العودة للجذور
بعد انتشار فكرة القومية العربية في منبعها بالشام، تبناها المفكر والإصلاحي الإسلامي عبد الرحمن الكواكبي (1855 – 1902) واللي بيتم إرجاع نسبه لعلي بن أبي طالب، وحسب عدة مصادر إنه كان السبب الرئيسي في نقل الفكرة إلى مصر.
يُنسب للكواكبي توجهين مختلفين عن بعض، واحد ورد على لسان حفيده، إنه كان مع مبدء فصل الدين عن الدولة، إنطلاقًا من الحفاظ على نزاهة الدين، (إن إدارة الشؤون اليومية تلوث الأيادي والنفوس والضمائر، فهل تريدون أن يتلوث الدين؟).
لكن د. محمد عمارة في كتابه عبد الرحمن الكواكبي شهيد الحرية ومجدد الإسلام قال: إن الكواكبي كان قومي عربي لكن لا يعزل عروبته وقوميته عن دائرة الجامعة الإسلامية، وإنه شدد على تمييز الأمة العربية في إطار المحيط الإسلامي الكبير.
وفي تصوري إن الكواكبي يمثل مرحلة انتقالية، من أحلام المسيحيين الشوام إلى واقع العرب المسلمين، حيث إنه في حسب عديد المصادر كان يطالب بخلافة عربية بديل للخلافة العثمانية، ونقدي هنا للتوجه ده.. إنه بيستبدل أصولية بأصولية بالتالي يبتعد عن المواطنة وتكافؤ الفرص لصالح سيادة أثنية على باقي السكان.
عزيز المصري
عبد العزيز زكريا علي، من مواليد القاهرة حوالي 1877 وتوفى سنة 1965، زامل كمال الدين أتاتورك في الجيش العثماني وفي جمعية الاتحاد والترقي، اللي أطاحت بالسلطان العثماني عبد الحميد وعينت السلطان محمد الخامس مكانه، سنة 1908. لكن العلاقة تأزمت بينهم بسبب تنصل القومجية الترك من وعودهم للقومجية العرب، باعتبار الإمبراطورية ملك للقوميتين وإن السلطان يلبس تاج يرمز للوحدة العربية التركية.
من هنا بدءت القومية العربية تاخد منحى أثني/قبلي بعيد عن المنطلق اللغوي/الثقافي، وده ظهر بوضوح في أول جماعة قومية عربية سرية شارك في تأسيسها وكانت باسم الجمعية القحطانية، وهو اسم مستمد من قبائل بنو قحطان.
بعد حل الجمعية القحطانية وإعدام عدد من قياداتها أسّس عزيز المصري جمعية العهد. ثم في باريس 1911، تأسّست جمعية العربية الفتاة، على غرار إيطاليا الفتاة، وحاول أعضاؤها بقيادة فيصل ابن الشريف حسين التعاون مع جمعية العهد لإقامة دولة عربية مستقلة في العراق والشام والحجاز لكن فشلت التجربة وتم القبض على غالبية الأعضاء. ويعتبر عزيز المصري هو الأب الروحي لتنظيم الظباط الأحرار.
الثورة العربية وأحياء إرث بنو هاشم
سنة 1918، وقبل شهر واحد من نهاية الحرب العالمية الأولى، نجحت قوات عربية بقيادة فيصل ابن الشريف حسين بن علي الهاشمي، المدعومة من الجيش البريطاني عبر الوسيط التاريخي لورانس العرب، نجحت في تحرير مكة والمدينة وباقي الحجاز من السيطرة التركية/العثمانية، لكن الاحتفال “بالنصر” تم فقط مع السيطرة على سوريا وإعلانها مملكة عربية عاصمتها “دمشق” ويجلس على عرشها ملك منسوب لسلالة بني هاشم.
خاتمة
إن ثمة حقيقة كبرى لا يتجاهلها إلا المكابرون وذوو الأغراض وهي أن علاقة الأمة العربية بالإسلام حيوية ومصيرية لها وللإسلام، فلا يمكن أن يفهم الإسلام شعب مثلما يفهمه الشعب العربي، ولا يمكن أن يشعر أحد نحو الإسلام بمثل الرابطة والمسؤولية التي يشعر بهما العرب نحوه.
مشيل عفلق
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال