مواقف الموسيقار بليغ حمدي وثومة…حكايات كوكب الشرق “أم كلثوم” (23)

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثالثة والعشرين من قصة كوكب الشرق أم كلثوم، واليوم نتحدث عن مشوارها مع المرحوم الموسيقار بليغ حمدي.

أم كلثوم وبليغ ألحان استثنائية وخلود بطعم كلثومي

نبدأ الحديث من حيث التقاء صوت الخلود، صوت أم كلثوم بألحان الموسيقار بليغ حمدي ، في أغنية حب إيه، وعنها يحكي بليغ حمدي في أحد اللقاءات

كان المرحوم محمد فوزي من أعز أصدقائي، وقد أنشأ شركة اسطوانات باسم “مصرفون”، وكان قد تعاقد مع عدد من المطربين والمطربات لتسجيل أعمالهم على اسطوانات الشركة، وعلى رأس هؤلاء كانت أم كلثوم، وفي ذات الوقت كان الشاعر عبد الوهاب محمد قد ألف أغنية” حب إيه اللي انت جي تقول عليه” وأسمعنيها، فأعجبتني الكلمات ولحنت مطلعها وروحت أردده في السهرات ومجالس الفنانين، وذات ليلة دعاني محمد فوزي لسهرة في بيت الدكتور زكي سويدان، وقال لي أن أم كلثوم ستكون ضمن الحاضرين، وذهبت للسهرة فيما عرفت بعد ذلك أن الموضوع كان قد رتب سلفا، فقد سمعت أم كلثوم بعض أعمالي للمرحوم عبد الحليم حافظ وشادية وصباح ونجاة وأرادت أن تتعرف علي، وكان من ضمن الحضور المرحوم أنور منسي عازف الكمان والمطرب المرحوم عبد الغني السيد والشاعر مأمون الشناوي والمرحوم محمد فوزي، تعرفت على أم كلثوم وكأنني أعرفها منذ وقت بعيد، وقتها طلب أحد الحضور من المرحوم أنور منسي أن يسمعنا شيئا، فإذا بأم كلثوم تطلب عودا وتعطيه إليّ طالبة مني أن أسمعها شيئا من ألحاني.

إقرأ أيضًا….

كيف تحاول أثيوبيا إفساد البعض في السودان .. إن لم تكن جزءًا من التاريخ فكن شاهدًا عليه

أسرع محمد فوزي إلى طلب أغنية حب إيه التي لحنت مطلعها، وكان أنور منسي قد حفظ اللحن من كثرة ترديده في السهرات بحضوره، وبالفعل غنينا اللحن واستعادتنا أم كلثوم مرة ومرتين وثلاثة وأعجبت به، وسألتني لماذا لم تكمل اللحن، فلم أجد إجابة سوى أنه لا داعي للاستعجال، فطلبت مني أن أزورها في بيتها، وبالفعل ذهبت ولم يخطر ببالي إلا أن أم كلثوم تريد مني أن أقوم بتلحين بعض الأغاني لابن شقيقها ابراهيم خالد الذي كان يفكر وقتئذ في احتراف الغناء، وبالفعل حين وصلت لبيتها تكلمنا في شأن إبراهيم خالد واتفقنا على أن ألحن له أغنية، وبعد قليل التفتت إلي قائلة: ما تيجي نتسلطن شوية، ثم أعطتني العود وقالت: سمعني اللي قلته ليلة امبارح، وبعد أن أسمعتها مذهب حب إيه سألتني عن المؤلف، فأجبتها شاعر صديقي اسمه عبد الوهاب محمد، فسألتني هل تحفظ باقي الكلام، فقلت للأسف لا ولكن نكلم عبد الوهاب، ونهضت واتصلت به وطلبت منه أن يحضر فورا لبيت أم كلثوم فأجاب: يا أخي بلاش هزار عالصبح، حاولت اقناعة أن الأمر جاد ولكنه لم يقتنع إلا بعد أن أخذت أم كلثوم الهاتف وقالت له: اسمع يا عبد الوهاب، أنا أم كلثوم، عندك سيارة؟، طيب خد تاكسي وتعالى حالا، وبعد أقل من ساعة كان عبد الوهاب في بيت أم كلثوم يسمعها باقي الكلمات، وهي تسمع وتنصت إليه بإعجاب.

انتهى عبد الوهاب محمد من قراءة كلمات الأغنية لأم كلثوم، وبعدها قالت أم كلثوم: اسمع يا بليغ، من غير زيطة اشتغل عالغنوة دي، فقاطعتها: هو حضرتك ناوية تغنيها؟ فقالت: أيوة بس خليك براحتك واشتغل في اللحن زي ما تحب، ونزلنا من بيت أم كلثوم ونحن في دهشة شديدة، وقررنا إنهاء العمل في أسرع وقت ممكن، وبالفعل بعد عشرة أيام فقط كان اللحن جاهزا، وقررت أم كلثوم أن تفتتح بالأغنية موسمها السنوي.

كانت أغنية حب إيه هي أول أعمال أم كلثوم مع الموسيقار بليغ حمدي، ثم تبعتها بعد ذلك أعمال أخرى منها الحب كله وألف ليله وليلة وفات الميعاد، وكلها أعمال شهد بليغ بنفسه أن سبب خلودها وارتفاعها هو معناقة الألحان فيها لصوت أم كلثوم، والحقيقة فإنني كأحد محبي الفن الكلاسيكي الذي يصفه البعض بالتقليدي قلما أميل لسماع ألحان المرحوم بليغ حمدي لأم كلثوم، ليس قدحا في قيمتها الفنية أبدا، ولكن ربما من اعتاد  شرب هذا النوع من الفن من زكريا والقصبجي والسنباطي وداوود قد لا يجد رغبة في أخذ ما جد من ألحان على يد بليغ، فطعم تلك الالحان كان حديثا نسبيا، ربما رغبة من بليغ حمدي في ترك بصمة مختلفة مع صوت أم كلثوم، في حين أن ألحان بليغ مع غير أم كلثوم قد لا توصف بهذا الكلام الذي قد يعتبره البعض نقدا، والحقيقة هو لا يعدو أن يكون وضعا للأمور في مواضعها الصحيحة من وجهة النظر التي اتبناها.

وعن علاقته بأم كلثوم يقول بليغ

لحنت للكثير من المطربين والمطربات، ولكن عملي مع أم كلثوم كان له طعم آخر، كانت منضبطة إلى أقصى حدود الانضباط، مواعيدها كانت بالدقيقة، وكانت دائما في استوديو التسجيل قبل غيرها، وكانت تذهب بعد تسجيل كل مقطع من الأغنية إلى غرفة الهندسة لتستمع إلى ما سجل، وكثيرا ما كانت تطلب الإعادة، كانت سمحة رقيقة طيبة القلب، أحبها الجميع موسيقيون وفنيون، ولن أنسى أبدا أغنية حكم علينا الهوى، وهي آخر أغنية سجلتها، فكانت مشتاقة إلى تقديمها للجمهور في حفلها التاريخي، ولكن المرض لم يسمح بذلك، فخرجت الأغنية في تسجيل عظيم سيبقى مع أغانيها الاخرى.

بليغ حمدي وقصة لحن بدأه الشيخ زكريا أحمد زكريا

كانت أغنية أنساك، هي ثاني أعمال بليغ حمدي لأم كلثوم، وهي أول تعاون بينها وبين الشاعر الكبير مأمون الشناوي، والأغنية كانت عام 1961م على الرغم من أن شهرة الشناوي كانت قد بدأت منذ الاربعينيات، إلا أن تعاونهما سويا قد تاخر إلى ذلك الوقت، على أية حال، فقد عهدت كوكب الشرق أم كلثوم بكلمات الأغنية للمرحوم الشيخ زكريا أحمد كي يلحنها لها، وبالفعل بدأ الشيخ زكريا في تلحينها ولحن الأسطر الأولى منها إلا أن المنية قد وافته في فبراير من العام 1961م، فلم يكمل التلحين، ورأت أم كلثوم أن نجاح عملها الأول مع بليغ حمدي سببا كافيا لأن تعهد إليه بما عهدت به إلى زكريا.

وعن لحن بليغ حمد لام كلثوم في أغنية أنساك تقول الدكتورة رتيبة الحفني

جاء لحن بليغ حمدي لهذه الأغنية على شكل الطقطوقة المتطورة، وقد اختار لها نفس المقام الذي كان الشيخ زكريا أحمد قد بدأ تلحين الأغنية منه وهو مقام الراست، وعلاوة على ذلك، استخدم بليغ حمدي انتقالات مقامية عديدة في الأغنية أضفت عليها جمالا وثراء، وتعتبر أغنية أنساك من أجمل ألحان بليغ حمدي لأم كلثوم.

ومن ألحان المرحوم بليغ حمدي لكوكب الشرق

أغنية حب إيه من كلمات المرحوم عبد الوهاب محمد 1960

أغنية أنساك من كلمات مأمون الشناوي 1961م

أغنية أنا وانت ظلمنا الحب من كلمات عبد الوهاب محمد 1962م

أغنية كل ليلة وكل يوم من كلمات مأمون الشناوي 1964م

أغنية الحب كله من كلمات المرحوم أحمد شفيق كامل 1971م

أغنية حكم علينا الهوى من تأليف عبد الوهاب محمد 1973م.

وصف البعض ومنهم المرحوم كمال النجمي لقاء الموسيقار بليغ حمدي بأم كلثوم بأنه ضربة مهمة من ضربات الحظ التي حظى بها بليغ، ففي أحد كتاباته يقول المؤرخ الموسيقي الكبير كمال النجمي في حوار بدأه بوصف مشوار بليغ مع أم كلثوم من حيث أغنية حب إيه: هكذا التقى بليغ بأم كلثوم في ضربة من ضربات الحظ، وكان قبل أن يلاقيها في بداية الستينات قد بدأ طريقه كملحن ناشيء، يبحث عن النجاح في عالم التلحين بعدما جرب الفشل كمطرب محترف في عالم الغناء.