مواقف منسية في تاريخ المشير طنطاوي “حل أزمات ما بعد الكوارث الطبيعية”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جاء تاريخ 21 سبتمبر 2021 ليكتب آخر سطر في تاريخ المشير طنطاوي وحياته، بصفته مقاتلاً في القوات المسلحة ثم قائدًا لها ليكون هو الوحيد صاحب أطول مدة لقيادة القوات المسلحة في قائمة قادة الجيش المصري، ويترجل فارس جيل نصر حرب أكتوبر قبل حلول ذكراها.
المشير طنطاوي مقاتلاً وقائدًا
حَفِل تاريخ المشير محمد حسين طنطاوي مقاتلاً بالملاحم، فقد انتهت طفولته مع بداية الصراع العربي الإسرائيلي، وبدأ شبابه القتالي في ثاني الجولات مع الصهاينة خلال العدوان الثلاثي عام 1956 ثم حضر كافة المواجهات العسكرية حتى نصر 1973 م.
اقرأ أيضًا
قصة شهيد في حرب أكتوبر نفذت شيخ الأزهر وصيته “لا زالت تُنَفّذ حتى الآن”
بعد انتصار أكتوبر 1973 عمل ملحقًا حربيًا لمصر في باكستان وأفغانستان من عام 1975 حتى 1978 م كما تم تعيينه عضوًا ببعثة التدريس العسكرية الجزائرية، وفي يونيو 1987 تسلم قيادة الجيش الثاني وبعد عام تم تعيينه قائدًا للحرس الجمهوري، ثم تولى رئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة وتزامنت مع حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت.
مع حلول شمس 20 مايو 1991 تولى محمد حسين طنطاوي منصب وزير الدفاع الذي بقي فيه حتى عام 2012م، وحضر كافة الأحداث السياسية التي مرت على مصر وكان أشدها صعوبة حين تولى رئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة في عامٍ كان شديد الخطورة والحرج على مصر.
تاريخ المشير طنطاوي في أحلك سنوات التسعينات
يزخر تاريخ المشير طنطاوي بالتفاصيل الطويلة والهامة لوقائع تاريخية وعسكرية وسياسية مرت على مصر وأثبت فيها جدارةً كبيرة وسيظل الكلام فيها مستمرًا، غير أن فترة التسعينيات كانت تحديًا له على مستوى الداخل المصري بسبب دوره في حل آثار الأزمات الطبيعية التي لا تقل في خطورتها عن الأزمات السياسية، ذلك الدور الذي لم يلقى حظه من التوثيق.
بعد أقل من شهرين على توليه مهام منصبه تولت القوات المسلحة في عهد المشير محمد حسين طنطاوي مهمة انتشال ضحايا العبارة سالم اكسبريس التي غرقت في 15 ديسمبر 1991 م، ونجحت القوات المسلحة عبر القوات الجوية والبحرية والضفادع البشرية في انتشال جثث الغرقى وإنقاذ مالا يقل عن 200 شخص من الموت؛ وقد سببت تلك الحادثة حرجًا بالغًا لكافة مؤسسات الدولة عدا القوات المسلحة التي منعت ثورة أهالي المفقودين الذين لم يستدل عليهم بعدما تقاعست وزارة النقل عن مهامها الأمر الذي أدى إلى ارتفاع عدد الضحايا.
بعد كارثة العبارة سالم اكسبريس بأقل من 10 أشهر وبعد عام من تولي المشير طنطاوي مهام منصبه كوزير للدفاع تعرضت مصر لزلزال 12 أكتوبر 1992 م والذي أنهى حياة 545 شخص وأصاب مالا يقل عن 6 آلاف وتسبب في تشريد 50 ألف أسرة، وحينها أعطى المشير محمد حسين طنطاوي توجيهاته للقوات المسلحة بالمساهمة بمبلغ 2 مليون جنيه لمنكوبي الزلزال تكون تحت تصرف الجهات المسؤولة.
لكن كارثة طبيعية أخرى لم تكن الجهات المسئولة في الدولة تحسب لها وهي كارثة سيول 2 نوفمبر 1994 م التي قتلت مالا يقل عن 400 شخص غرقًا وحرقًا في القاهرة وأسيوط وعدد من المحافظات وأدت إلى غمر قرى بأكملها في الصعيد وانهيار 9 منازل في الجمالية وتدمير 230 كشك في الموسكي إلى جانب موت العشرات في حوادث مرورية.
منذ بدء الأزمة أعطى المشير محمد حسين طنطاوي توجيهاته إلى هيئة الإمداد والتموين بالقوات المسلحة بتوفير مخيمات إيواء عاجلة وصل عددها إلى 500 خيمة، مع توفير وسائل المواصلات لأصحابها إلى حين توفير وزارة الإسكان مساكن لهم ، وتوزيع 1000 بطانية و 500 مرتبة و 500 سرير لأهالي قنا.
التوجيه الآخر الذي أعطاه طنطاوي هو نقل مواد تموينية وإغاثة لتوزيعها على المنكوبين في سوهاج وقنا، إلى جانب ذلك أصدر أوامره بتخصيص 6 عربات إسعاف لنقل المصابين في القاهرة إلى المستشفيات العسكرية وعلاجهم بالمجان، وتخصيص طائرة عسكرية لنقل المصابين في الصعيد إلى مستشفيات القوات المسلحة بالقاهرة وعلاجهم مجانًا، ثم ازدادت مساهمات القوات المسلحة إلى 2000 خيمة و 500 طن دقيق وأرز و 27 ألف بطانيه لحل توفير وزارة المجتمعات العمرانية مساكن للمنكوبين.
كارثة السيول أظهرت مدى حنق أهالي الصعيد على كافة مؤسسات الدولة باستثناء القوات المسلحة، فطوال أيام السيول ساهمت القوات المسلحة في إنقاذ حياة 94 شخص منهم 6 مصريين والبقية سائحين في وديان جنوب سيناء، كما أنقذ 6 مهندسين مصريين في الصحراء الغربية إلى جانب 7 من العاملين بإحدى شركات البترول، فضلاً عن إنقاذ مهندس هيئة السكة الحديد على طريق قنا سفاجا.
لم يتوقف الأمر عند حد الإنقاذ بل أعطى المشير طنطاوي تعليماته للقوات الجوية بعمل طلعات استكشافية لتحديد اتجاهات وحجم الحرائق وتقدير الخسائر وتوفير سبل تقدم المساعدات للمنكوبين، وخصصت القوات المسلحة طائرتي نقل عسكريتين لنقل مواد الإغاثة مع تخصيص طائرات أخرى لنقل المعونات القادمة من الدول الأخرى.
ومنذ بدء كارثة السيول وحتى يوم 9 نوفمبر قدمت القوات المسلحة 1800 خيمة و 29 ألف بطانية و 1000 سرير و 1000 مرتبة مع 282 طن دقيق و 10 طن أرز و 9 طن مكرونة و 4500 قطعة صابون و 3 طن سكر ونصف طن زيت طعام.
وخصصت القوات المسلحة قطارًا حربيًا وعددًا من البدوزرات والجرارات لإزالة المخلفات مع مد القرى المنكوبة بـ 50 موقد بوتجاز و 30 مقطورة مطبخ و16 ألف قطعة من أدوات المطبخ و 4200 جلباب شتوي و 200 جركن بلاستيك و 16 مولد كهربائي، مع تخصيص سيارات عسكرية لنقل مواد الإغاثة برًا إلى الصعيد، وتخصبص عربات لوري وجيب للطوارئ والاستخدامات الإدارية وتزويد محافظة قنا بـ 300 تعيين من الخبز اعتبارًا من 6 نوفمبر حتى 17 نوفمبر.
مما يُذكْر في تاريخ المشير طنطاوي خلال كارثة سيول نوفمبر 94 أنه أنهى حصار السيول لمنطقتي المحجر وزاوية عبدالقادر في الإسكندرية بعدما قرر نقل كميات كبيرة من الرمال والحصى إليهما منعًا لتجمع الأمطار والسيول، فضلاً عن قراره، ببقاء معدات القوات المسلحة فيهما حتى انتهاء موسم الشتاء.
وُصِف دور القوات المسلحة في تلك الأزمة بأنه نقطة الضوء الوحيدة الجادة لحل الأزمة بالجدية والإخلاص خاصةً في الصعيد مقارنةً ببقية مؤسسات الدولة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال