مواهب فنية مهدرة على رأسهم بهاء سلطان وعنتر هلال .. مابين سوء الإدارة وفقدان الشغف
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
من السمات المثيرة للجدل داخل الوسط الغنائي؛أن الموهوب الحقيقي بالضرورة لا يكون الأفضل أو حتى الأشهر، تلك السمات جزء منها نابع من الفنان نفسه والآخر نابع من سوء المشهد كحالة عامة، أحيانًا لا يحسن الفنان إدارة موهبته بالشكل الذي تستحقه لكن الأكثر إثارة هو أن المشهد الغنائي لا ينتصر غالبًا للموهوب بل لمتوسط الموهبة وأحيانا معدوم الموهبة فنجده الأكثر انتشارًا وشهرة وينال أضعاف أضعاف ما يستحق.
في حياتنا الفنية مواهب لن اسميها ضائعة ولكن مهدرة، بعضها لازال يعمل حتى الأن لكن بلا أي قيمة فنية حقيقية وتظهر في أعمال لا تضيف إلى رصيدها الفني بقدر ما تنتقص منه، وبعضها فقد الشغف تمامًا تجاه الفن مفضلًا الابتعاد عن المشهد بالكامل لأسباب قد تعكسها التغييرات التي تحدث بتسارع شديد في سوق الغناء وعدم القدرة على التماهي مع العبث الحاصل فيه.
بهاء سلطان.
عندما بادرت بسؤال أحد عشاق المطرب بهاء سلطان عن أفضل عشر أغنيات في مسيرته الفنية التي دخلت عقدها الثالث، جلس يفكر كثيرًا ولم يجد إجابات واضحة مفضلًا أن يحول دفة الإجابة للحديث عن صوت بهاء وامكانياته الجبارة التي لا تضاهي أحد في جيله.
الحقيقة أن هناك حالة إنكار عامة على إهدار بهاء سلطان موهبته ويكاد يكون المثال الأكبر على فن إهدار الموهبة، منذ بدايته مع نصر محروس لم يكن له سيطرة كبيرة على مشروعه الغنائي مجرد صوت قوي يغني ما يمليه عليه منتجه حتى لو أغنية تليق بمطربة مثل “ياللي ماشي” أو يقف فرحًا متمايلًا وهو يغني “انت عارف قد ايه البعد قاسي”
لم يعرف سلطان ماذا يغني وتلك مشكلة تلخص أنه لا يمتلك مشروعًا واضحًا للجمهور أحيانا تجده صوتًا دافئًا في أغاني درامية “ياللي بايع،قلبك يا حول الله” وأحيانا تجده يغني أغاني سريعة لا تليق بصوته مثل “قوم أقف وانت بتكلمني،تعالى ادلعك”
برهنت أزمته مع نصر محروس عن مشاكله الواضحة في كيفية إدارة الموهبة لم يحسن التصرف رغم أنه ظلم في المشكلة لكنه لم يفعل مثلما فعل أبناء جيله “شيرين،تامر حسني” مع نصر محروس وبرغم تعاطف الجميع معه إلا أنه عندما خرج منها لم يدير موهبته بالشكل الذي تليق به خصوصًا مع تشوق الجمهور لسماع صوته فخرجت أغنياته الأخيرة مع روتانا ضعيفة المستوى حاول فيها أن يسير على نفس ما كان يفعله مع نصر محروس دون أن يقدم لنا شكل جديد او مختلف، باختصار لو لخصنا مشروع بهاء سلطان الممتد عبر أكثر من 100 أغنية لن تجده أكثر من عشر أغنيات جيدة المستوى.
عنتر هلال.
عندما يأتي الحديث عن الشاعر عنتر هلال، يحصره الجميع في الأغاني الخفيفة التي كتبها على نمط الشعر الحلمنتيشي مثل “كامننا،بابا أوبح” برغم صعوبة الكتابة بهذا التكنيك.
مسيرة عنتر هلال كانت تستحق أكثر من ذلك فهو شاعر أغنية قوي جدًا وله مسيرة مدهشة مع المطرب والموزع حسام حسني في أغاني لكنه توهج بشكل كبير مع محمد محي الذي صنع له أهم روائعه الغنائية في التسعينات وبعد الخلاف أو الانفصال الفني عنه لم يظهر عنتر هلال في سوق الغناء مع بداية الألفية حيث سيطر على الساحة جيل جديد من أشباه الشعراء لا يمتلكوا ربع إمكانياته الفنية، ضيف على ذلك شخصيته المرحة خفيفة الظل التي جعلته غير مهتم بأن يأخذ المكانة التي يستحقها.
الملحن شريف تاج.
قد لا يعرف الكثيرين أن الملحن شريف تاج بدأ حياته الفنية مطربًا حيث أصدر شريطًا غنائيًا بعنوان “فاكرك” عام 1993، في فترة كانت من أهم أزمات الوسط الغنائي أن أي موهبة غنائية جديدة لابد أن يساندها موزع أو ملحن مشهور.
رحيل الملحن حلمي بكر يكشف أزمة جيل فقد نجوميته سريعًا
في شريطه الوحيد اعتمد تاج على نفسه ملحنًا وموزعًا واستعان ببعض الشعراء المغمورين الذي لن تسمع عنهم ابدًا،وكان هذا سببًا في عدم نجاح التجربة وتحوله بعد ذلك إلى مضمار التلحين حيث وجد نفسه أكثر وصنع شهرته الأساسية.
بدأ مع المطرب هشام نور في شريط “حبيبي غاب” ثم كانت انطلاقته الكبرى أواخر التسعينات وبداية الألفية عندما تعاون مع عمرو دياب في أغنيات مهمة جدًا في مسيرته مثل “قمرين،قلبي،تملي معاك،سنين،قلبي أختارك،صعبان عليا،علمني هواك” وقدم لأنغام “سيدي وصالك،ليه سبتها،راحت ليالي،حبيتك ليه،أنا عندك،عمري معاك،تحب أتغير،شفت الدنيا”.
في فترة زمنية قصيرة حقق شريف تاج نجاحات ضخمة جدًا قبل أن ينهار سوق البوب انتاجيًا بعد ثورة يناير وتغير المشهد بالكامل لصالح فرق الأندرجراوند وظهور موسيقى المهرجانات، ليفقد الشغف تمامًا مفضلًا الابتعاد عن المشهد رغم الطفرة الفنية التي حققته ألحانه في بداية الألفية الجديدة.
يحيى غنام.
ظهر يحيي غنام مؤخرًا صحبة الموزع والمؤلف الموسيقي أشرف محروس في حفل موسيقي غنائي على مسرح أركان بالشيخ زايد، أشعل غنام المسرح عندما ظهر بخفه دمه المعهودة وغنى أهم أغنيات فرقته “مريم،تراحيل،أن لم أحبك أنا،على كوبري بنها”
اشتهر غنام كونه أحد أمهر عازفي الباص جيتار في مصر، وكان عضوًا في عدة فرق شهيرة مثل عمر خيرت وله بعض محاولات التوزيع في سوق البوب مع مدحت صالح، أنوشكا، وظهر في فيلم “ايس كريم في جليم” كعضو في فرقة عمرو دياب التي استمر فيها فترة طويلة وقدم برنامجًا غنائيًا مميزًا، لكنه كان يجري ويطارد عدة عصافير فنية في وقت واحد.
لو يعلم غنام مدى الحب الجارف الذي يكنه له الجمهور وظهر واضحًا في الحفل لاستمر مع فرقته حتى الأن، تلك الفرقة التي كانت تغرد وحيدة في فترة التسعينات في وقت كان الغناء الجماعي قد انتهى من المشهد تقريبًا، شكلت مسيرة الفرقة إرهاصة وإلهام كبير جدًا لفرق الأندرجراوند التي ظهرت لاحقًا مع بداية الألفية.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال