موسيقار الأجيال (23) حياة محمد عبدالوهاب الفنية في عصر الملكية “النتاج والنتائج”
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الثالثة والعشرين من قصة موسيقار الأجيال وفي هذه الحلقة نستكمل الجانب القومي والوطني والسياسي في حياة محمد عبد الوهاب ، كنا قد انتهينا في الحلقة السابقة حيث ألحان الموسيقار محمد عبد الوهاب الثلاث في حقبة العشرينات واليوم نبدأ مع مرحلة الثلاثينيات.
بدأ الموسيقار محمد عبد الوهاب مرحلة الثلاثينيات بأغنية قدمها كهدية للملك فيصل الأول ملك العراق وقتها، والذى تعرف عليه عن طريق أحمد شوقي بك والذى نظم بدوره قصيدة ” يا شراعاً وراء دجلة يجرى في دموعى تجنبتك العوادى، سر على الماء كالمسيح رويدا واجر في اليم كالشعاع الهادي، وأت قاع كرفرف الخلد طيبا أو كفردوس بشاشة وادي، وتختتم هذه القصيدة الخالدة بـ : ملك الشط والفراتين والبطحاء أعظم بفيصل والبلاد.
وقد لحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب وغناها بمصاحبة عزف عوده فقط تماما كأغنية أيها النيل (أنزلت آية الهدى في جبينك) وكان محمد عبد الوهاب قد تعرف على الملك فيصل عن طريق أمير الشعراء شوقي بك على متن باخرة كانت تقلهما إلى مرسيليا في فرنسا ومن ثم إلى باريس، وفي تلك الليلة دعاه أحمد شوقي بك إلى مائدة عشاء على الباخرة، وغني له محمد عبد الوهاب، فدعاه الملك فيصل للغناء في قصره في عيد توليه مقاليد الحكم في البلاد، فكتب أحمد شوقي بك هذه القصيدة ولحنها محمد عبد الوهاب وغناها للملك في قصره، ثم في معرض بغداد الزراعي والصناعي الذي أقامته وقتها الجمعية الزراعية الملكية برعاية الملك فيصل الأول، وقد نالت القصيدة إعجاب الملك تماما حسب قول محمد عبد الوهاب، وكان ذلك في عام 1932م، وتبدو هذه القصيدة أجمل ما غني محمد عبد الوهاب على الإطلاق لملك أو رئيس شعرا ولحنا وغناء خصوصا وأنها جاءت في أوج جمال صوت محمد عبد الوهاب وفورته الموسيقية، ولم يحظ الملك فؤاد بقصيدة مثلها، فلم يغن له محمد عبد الوهاب وإن كان قد غنى في حضوره أكثر من مرة من بينها خلال انعقاد مؤتمر الموسيقى العربية الأول عام 1932م في معهد الموسيقى الشرقي.
نتاج محمد عبد الوهاب من الأغاني الوطنية في مرحلة الملكية:
غنى الموسيقار محمد عبد الوهاب ولحن خمس عشرة أغنية خلال ست وعشرين سنة تربع فيها على عرش الغناء والطرب في مصر قبل قيام ثورة 1952م، لذلك سنوردها إجمالا ثم نعلق عليها بعد ذلك:
1- حب الوطن فرض عليّ، من تأليف المرحوم أمين عزت الهجين، وقد سجلت على اسطوانة بيضافون سنة 1933م.
2- تحية العلم (أيها الخفاق) من كلمات شاعر الشباب المرحوم أحمد رامي، من فيلم دموع الحب سنة 1935م.
3- أيها النيل (أنزلت آية الهدى في جبينك فإذا الشرق كله طور سينك) من كلمات المرحوم بشارة الخوري، سنة 1936م.
4- نشيد بنك مصر، فقد كان بنك مصر يمول الكثير من الأفلام والأعمال الفنية.
5- نشيد الجهاد (هتف الداعي) من تأليف المرحوم مأمون الشناوي سنة 1941م.
6- أنشودة مصر نادتنا، من تأليف المرحوم محمد حسن إسماعيل سنة 1942م.
7- أنشودة دمشق، قصيدة (سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق) من تأليف أمير الشعراء أحمد شوقي بك وسجلت سنة 1943م، وهي من أغنيات محمد عبد الوهاب الكبيرة أو المطولة.
8- مين زيك عندي، من تأليف المرحوم عبد المنصف محمود وسجلت على اسطوانة كايروفون سنة 1943م.
9- إجر يا نيل واسبق الأشواق، من تأليف المرحوم حسين السيد، سنة 1944م.
10- قصيدة السودان (إلام الخلف بينكمو إلام) من تأليف أحمد شوقي بك وقد سجلت سنة 1945م.
11- أنشودة الفن (الدنيا ليل والنجوم طالعة تنورها) من تأليف المرحوم صالح جودت سنة 1945م، وفيها انت اللي أكرمت الفنان ورعيت فنه رديت له عزه بعد ما كان محروم منه إشارة إلى الملك فاروق الأول ملك مصر.
12- أنشودة الملك، (هلّ السلام بمواعيدك) من تأليف المرحوم صالح جودت، سنة 1945م.
13- أنشودة الشباب، (قالوا لي إيه الشباب قلت الشباب غنوة)، من تأليف المرحوم صالح جودت أيضا، سنة 1947م.
14- أنشودة التاجين (يا رفيع التاج من آل سعود يومنا أجمل أيام الوجود) من تأليف المرحوم صالح جودت سنة 1947م، وقد غناها الموسيقار محمد عبد الوهاب احتفالا بزيارة الملك عبد العزيز آل سعود للقاهرة.
15- أغنية فلسطين من تأليف المرحوم علي محمود طه سنة 1948م.
يعلق الدكتور فيكتور سحاب على تلك الحقبة( الملكية) فيقول:
إذا أحصينا هذه الأغنيات الخمس عشرة، في ست وعشرين سنة أمضاها محمد عبد الوهاب في صدارة الفن الموسيقي والغنائي قبل ثورة يوليو 1952م لتبين أن الأغنيات الوطنية والقومية بلغت إحدى عشرة أغنية، وأن الأغنيات المطرية بالملك أربع أغنيات جميعها من نظم صالح جودت( الفن، الملك، الشباب، التاجين)، وأن ثلاث أغنيات من الخمس عشرة منعت إذاعتها في العهد الملكي، وهي دمشق، والسودان وفلسطين وذلك بإيعاز من السفارات الأجنبية، ولا تكتمل الصورة إذا لم نذكر أن الملك فاروق كان يحظى بسمعة شعبية جيدة في مصر في الحقبة التي غنى له فيها محمد عبد الوهاب الأغنيات الأربع إثر حادثة تطويق لورد كليرن قصره الملكي في الرابع من فبراير 1942م، لإجباره على إقالة رئيس الوزرار علي ماهر المتهم بالميل إلى المحور وعلى تكليف مصطفى النحاس، وظلت هذه السمعة على حال مقبولة بل جيدة خصوصا عندما دخلت مصر حرب فلسطين مخالفة نوازع التيار الفرعوني وكان دخول الحرب إعرابا صريحا عن أخذ جانب العروبة ولم يغن موسيقار الأجيال للملك بعد سنة 1947م، وبخاصة بعد نكبة 1948م، بل إن العهد الملكي منع تسجيل نشيد الحرية الذي تحول فيما بعد إلى نشيد للثورة في 1952م، وفيما حظى سليمان نجيب ويوسف وهبي بلقب البكوية وأم كلثوم بلقلب صاحبة العصمة لم يمنح محمد عبد الوهاب أي لقب و(سنتحدث عن تلك الوقائع تفصيلا في حلقات قادمة)، وبذلك تزداد الصورة وضوحا وتعقيدا ويتهافت التبسيط السهل في تعيين موقف محمد عبد الوهاب السياسي.
تفصيل القول في أغاني محمد عبد الوهاب خلال تلك المرحلة:
ونبدأ ذلك بتساؤل هام، هل رفض الجمهور أغنية حب الوطن فرض عليّ؟
نظر الجمهور لأغنية حب الوطن فرض عليا في ذلك الوقت على أنها أولى أغنيات محمد عبد الوهاب الوطنية نظرا لقلة شهرة وانتشار ما قدمه محمد عبد الوهاب قبلها من أعمال، وإن قلنا أنه بالفعل عدت تلك الأعمال فيما بعد أعمالا نخبوية لها مستمعيها الذين يفهمونها ويقدرونها.
اقرأ أيضًا
حلقات سلسلة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب
وقد جاء في تلك الأغنية: حب الوطن فرض عليا، أفديه بروحي وعنيا، ليه بس ناح البلبل ليه فكرني بالوطن الغالي، قضيت أعز شبابي فيه وفيه حبايبي وعذالي، وإن شاف هوان ولا أسية أفديه بروحي وعنيا.
ويذكر موسيقار الأجيال واقعة صدمته في ذلك الوقت عندما قدم الأغنية للجمهور في بداية حفلة غنائية له رواها الكاتب محمود عوض في كتابه “عبد الوهاب الذي لايعرفه أحد” يقول: يتذكر محمد عبد الوهاب دائما كيف صاح الجمهور في وجهه مرة بسبب إحدى أغنياته يقصد أغنية حب الوطن فرض عليا، إن الحفل تجاري والجمهور غنائي، ومع ذلك فإن محمد عبد الوهاب كان قد اختار أن يبدأ غناءه لهم في تلك الليلة بأغنية وطنية أغنية “حب الوطن فرض علي” صحيح أن كلمات هذه الأغنية معقولة ولكنها لم تكن أبدا متماشية مع المكان ولا الزمان، فالمكان حفل جاءه الناس للطرب والمتعة، وليس للفداء، والزمان هو مطلع الثلاثينيات، وهي سنوات لم يكن الوطن فيها مملوكا لابنائه أصلا، بل كان مملوكا للاحتلال الإنجليزي، وعلى أكثر تقدير مملوك لطبقة مساعدة من السياسيين الذين يعملون لحساب الإنجليز، كيف إذن يفتدى المستمعون وطنهم بأرواحهم وهم فى الأصل لا يمكن اعتبارهم طرفا يستشيره أحد في أمور وطنهم.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية تلك الحلقة على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال