موسيقار الأجيال (24) حين صدح صوت عبدالوهاب وطنيًا في حب الطلبة وبنك مصر

أحمد كريم

كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الرابعة والعشرين من قصة موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبدالوهاب، كنا قد انتهينا في اللقاء السابق حيث رفض الجمهور لأغنية حب الوطن فرض عليّ، حين قدمها محمد عبد الوهاب في إحدى حفلاته الغنائية، واليوم نكمل الحديث تفصيلا عن نتاج محمد عبد الوهاب من الأغاني الوطنية والقومية والسياسية خلال فترة الملكية ونبدأها بغناء محمد عبد الوهاب لثورة طلبة الجامعات.

محمد عبدالوهاب وثورة طلبة الجامعات1935م:

في مطلع العام 1935م، صادف تحضير الأستاذ محمد عبد الوهاب لفيلمه الثاني دموع الحب توتر الأوضاع السياسية في مصر نظرا لإلغاء الوزارة الجديدة دستور 1930م، دون اتخاذ أية قرار بشأن استعادة العمل بدستور 1923م، وكان المصريون قد علقوا آمالهم على استعادة العمل به إلا أن ضغطا من القصر والإنجليز حال دون ذلك، وما لبثت إيطاليا الفاشية حتى غزت الحبشة فاستاء المصريون من ذلك العدوان خشية أن تجبر مصر من بريطانيا على أن تكون طرفا في أي عمل عسكري ضد ايطاليا.

ووسط هذا الجو المليء بالغضب الشعبي خرج وزير الخارجية البريطاني ببيان قميء أعلن فيه أن الحكومة البريطانية حين استشيرت في أمر استعادة العمل بدستور 1923م نصحت بعدم عودته، إلا أن هذا البيان قد جرح مشاعر المصريين لأن ذلك يعد تدخلا فظا من المحتل في أدق شئون بلادهم، وتحول الغضب الشعبي إلى انتفاضة وثورة أعادت للمصريين روح ثورة 1919م، وملك طلبة الجامعة زمام المبادرة فعقدوا اجتماعا داخل حرم الجامعة بالجيزة في ذكرى عيد الجهاد أدانوا فيه موقف بريطانيا، ثم خرجوا من الجامعة في مظاهرة كبرى سلمية، فتصدى لهم البوليس طالبا منهم الانفضاض وعندما رفضوا ذلك أطلق البوليس النار عليهم فأصيب طالبان إصابة خطيرة وأصيب عدد آخر منهم بإصابات طفيفة ومع ذلك استمروا يهتفون بحياة مصر وحياة الاستقلال وحياة دستور الأمة، وفى اليوم التالي أعاد طلبة الجامعة تنظيم صفوفهم وخرجوا في مظاهرة كبرى صوب القاهرة غير أن البوليس كان قد حشد قواته للحيلولة دونهم ودون الزحف على وسط القاهرة فحاصر نحو الثلاثمائة طالب من المتظاهرين فوق كوبري عباس وأطلق عليهم النار فقتل طالب الزراعة محمد عبد المجيد مرسى وجرح طالب الآداب محمد عبد الحكم الجراحي جرحا بالغا مات على أثره في اليوم التالي وألقى القبض على عدد من الطلاب وأصدرت إدارة الجامعة قرارا بتعطيل الدراسة لمدة عشرة أيام تحاشيا لتطور الموقف ولكن دون جدوى فقد استمر مجلس اتحاد طلاب الجامعة يقود الحركة وينظمها فأرسل اتحاد الطلبة برقية احتجاج إلى عصبة الأمم على تصريح وزير الخارجية البريطاني، وعلى اعتداء البوليس بقيادة الضباط الإنجليز على الطلبة وأعلنوا عزمهم على متابعة الجهاد حتى يتحقق الاستقلال.

كان الموسيقار محمد عبد الوهاب قد قدم في فيلمه الأول الوردة البيضاء أغنية النيل نجاشي، ورأى أن يقدم لهؤلاء الطلبة الذين ثاروا على المحتل نشيدا يليق بهم، خصوصا وأن نشيد رفعنا العلم للعلا والفدا من تأليف عباس محمود العقاد وتلحين عبد الحميد توفيق زكى كان نشيد تلك الثورة الذي يردده الطلاب فى مدرجات وأروقة الجامعات، فغنى محمد عبد الوهاب من شعر المرحوم أحمد رامي شاعر الشباب نشيد تحية العلم وهو أول نشيد يأتي له على إيقاع المارش وفيه:
أيها الخفاق في مسرى الهوى، أنت رمز المجد عنوان الولاء، نفتدي بالروح ما ظللته، ونحيي فيك روح الشهداء، قدرة تبعث في النفس الأمل وهلال ليس يطويه الاجل، إن بدا نوره زاهيا في السما كان فى أوج المعالي علما، وقد لاقى هذا النشيد نجاحا كبيرا وبات الجميع يردده وتغنى به الطلاب والطالبات في المدارس وأروقة الجامعات.

يقول أحد المؤرخين: الطريف أن محمد عبد الوهاب كان قد قدم في فيلم دموع الحب موال ” في البحر لم فتكم” تأليف الدكتور سعيد عبده صاحب المواويل الوطنية الشهيرة في ثورة 1919م، وهذا الموال تحديداً والذى يبدو في مظهره كموالا عاطفياً كتب تشفياً وسخرية من رئيس وزراء مصر آنذاك إسماعيل صدقى باشا الذى كان يحكم بالحديد والنار وكان موالياً لبريطانيا المحتلة وذلك بعد أن تخلى عنه الإنجليز وأقالوه، كتب سعيد عبده الموال وقرأه محمد عبد الوهاب في الصحف وأعجبه جداً وأصر على تلحينه وغنائه وبالفعل غنى محمد عبد الوهاب: فى البحر لم فتكم في البر فتونى بالتبر لم بعتكم بالتبن بعتونى أنا كنت وردة في بستانى قطفتونى، وكنت شمعة جوا البيت طفيتونى، لو عدت دى المرة هاتوا المر واسقونى.

الموسيقار محمد عبد الوهاب يغني لمؤسسي بنك مصر:

وفي العام نفسه (1935م) قدم الأستاذ محمد عبد الوهاب نشيد بنك مصر من كلمات المرحوم إحسان العقاد وذلك احتفالا بمرور خمسة عشر عاما على تأسيس بنك مصر وفي ختام النشيد حيا محمد عبد الوهاب من قام البنك على أكتافهم وقامت بفضل جهودهم النهضة الإقتصادية الوطنية وبالطبع على رأسهم طلعت باشا حرب وفيه: يابنك مصر دا عيدك عيد الوطن والمال، يابن مصر الوفي لك في القلب تمثال، روح الكفاح في الحياة خلقت رجال أعمال، نهضوا بمجد الصناعة رمز الاستقلال، رفعوا كرامة بلادنا وحققوا الآمال، يافخر مصر وآمالها حطم الأغلال، نسجت توب الكرامة كتان وقطن وحرير، للنهضة أحسن علامة في عصر زاهر منير، يامصر أسطولك عظيم مابين اساطيل الأمم، رجع لنا العز القديم في البحر رفرف ياعلم، زمزم وكوثر في أمان ساروا مع صفو الزمن، يا نيل بتجري في حنان يا حتة من قلب الوطن، وطياراتك نسور أعليت بها مجدك، ومن حروف من نور كتبت بها اسمك، طلعلت يكن فؤاد وفوا العهود للبلاد يعيش ويحيا الوطن.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة على أن نبدأ في الحلقة القادمة مع غناء الموسيقار محمد عبد الوهاب لحزب الوفد وهي مرحلة مهمة ومؤثرة في حياة الأستاذ محمد عبد الوهاب وبعدها سنفرد حلقة خاصة للحديث عن غناء الأستاذ محمد عبد الوهاب للملك فاروق والوقائع والأحداث التي دارت في تلك الحقبة
وإلى لقاء في حلقات قادمة، دمتم في سعادة وسرور.