موسيقار الأجيال (25) محمد عبدالوهاب وحزب الوفد .. رباعية للنحاس ورفاقه
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الخامسة والعشرين من قصة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، ولا زلنا مع نتاج الأستاذ محمد عبد الوهاب في ميدان الأغنية الوطنية والقومية والسياسية، وكنا قد انتهينا في اللقاء السابق عند غناء النابغة محمد عبد الوهاب لمؤسسي بنك مصر لما بذلوه من جهود في النهوض بالأوضاع الاقتصادية للبلاد واليوم نتحدث عن غناء الأستاذ محمد عبد الوهاب لحزب الوفد ولكن قبل ذلك سنتحدث عن علاقة الأستاذ محمد عبدالوهاب بالنحاس باشا.
علاقة محمد عبد الوهاب بمصطفى النحاس باشا
كان لعلاقة أمير الشعراء أحمد شوقي بك عظيم الأثر في حياة الموسيقار محمد عبد الوهاب، وقد قلنا قبل ذلك أنه كان سببا في تعرف محمد عبد الوهاب على الزعيم الراحل سعد باشا زغلول، كذلك تعرف محمد عبد الوهاب في عام 1926م على عبد الحميد عبد الحق عن طريق شوقي بك أيضا، وكان عبد الحق أحد أعلام حزب الوفد ثم أصبح وزيرا للعدل، ومن خلاله تعرف محمد عبد الوهاب على مكرم عبيد الذي وثق علاقته به وعرفه فيما بعد على مصطفى النحاس باشا، في تلك الأثناء شاع أن محمد عبد الوهاب هو أحد أعضاء حزب الوفد وإن لم يكن قد انضم رسميا إلى الحزب، وفي مذاكرته التي كتبها لطفي رضوان ونشرتها مجلة الكواكب في منتصف فترة الخمسينيات يقول محمد عبد الوهاب:
كانت صلات الصداقة القوية التي ربطت بيني وبين أقطاب وأعلام حزب الوفد منذ ذلك الوقت ونمو هذه الصلات وتوثقها فيما بعد سببا في نظرة الكثيرين لي باعتبار أنني وفدي من منازلهم، والواقع أنني لم أكن وفديا في يوم من الأيام، وكذلك لم أكن منتميا لأي حزب سياسي آخر، أو حتى ميالاً إلي الانتماء لمثل هذه الأحزاب، وقد كان لي أصدقاء من كل حزب وقد ظلت صداقتي للمرحوم النقراشي باشا إلي آخر أيام حياته وما زلت أعتبر نفسي صديقا شخصيا للأستاذ حسين هيكل ولم أحس يوما بأن واجبي يدفعني لأكون وفديا أو سعديا أو أى شئ من هذا القبيل، بل كنت أحس بأنني سأكون أكثر وطنية من رجال الأحزاب لو حاولت إتقان فني والسهر عليه.
اقرأ أيضًا
حلقات سلسلة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب
لم تكن علاقة الموسيقار محمد عبد الوهاب بمصطفى النحاس باشا علاقة عادية أو عابرة أو مجرد معرفة قائمة على شهرة الشخصيتين أو مراكزهما، بل كانت صداقة قوية لدرجة أن مصطفى النحاس باشا شكل حكومته ذات مرة في منزل الموسيقار محمد عبد الوهاب الكائن بمنطقة الهرم، وذلك بعد أن تلقى مصطفى النحاس باشا اتصالا من القصر الملكي يكلفة بتشكيل حكومة جديدة عقب حادث فبراير 1942م، وهذا ما ذكرة الموسيقار محمد عبد الوهاب بنفسه لمجدي العمروسي في كتابه (محمد عبد الوهاب)، وكان محمد عبد الوهاب لشدة ارتباطة بمصطفى النحاس باشا وباعضاء الحزب يلعب دور المصلح الاجتماعيي أو حمامة السلامة التي تصلح ذات بين أقطاب الحزب إذا ما شب خلاف بينهم.
ومن توابع تلك الصداقة القوية بين الموسيقار محمد عبد الوهاب ومصطفى النحاس باشا أن مصطفى النحاس باشا كان يبدي رأيه في أعمال محمد عبد الوهاب الفنية، وقد جاء على لسان محمد عبد الوهاب نفسه أن مصطفى النحاس عنفه بشدة ذات مرة لدرجة دفعت محمد عبد الوهاب إلى البكاء، بل واتهمه بالميوعة بسبب غنائه موال مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك، ياللي تركت الوطن والاهل علشانك، قائلا له: ما هذه الميوعة ؟ كيف؟ كيف يغني رجل من أجل امراة قائلا لها تركت وطني وأهلي لأجلك ولأجل حبك، وهو ما أحزن محمد عبد الوهاب حزنا شديدا، ولم تكن تلك آخر المرات التي يعترض فيها مصطفى النحاس باشا على غناء محمد عبد الوهاب، فقد منع مصطفى النحاس باشا في عام 1951م، أغنية ماقدرش أنساك، التي غناها محمد عبد الوهاب، معتبرا أنها أغنية خليعة، إلا أن البعض يرى أن السبب الحقيقي في منع تلك الأغنية هو أن محمد عبد الوهاب ظل على صداقته ووفائه لصديقه الزعيم الوفدي مكرم عبيد حتى بعد أن انشق عن الحزب، ولعل في ذلك ما يؤكد كلام محمد عبد الوهاب نفسه بخصوصأنه لم يكن ليهمه أمر الانضام إلى الأحزاب السياسية.
أغنيات الموسيقار محمد عبد الوهاب لأعلام حزب الوفد
إذا كان أحمد شوقي بك هو من أول شخصية يرثيها الموسيقار محمد عبد الوهاب، حيث قدم في عام 1932م عملين هما موال اسعفيني بالدمع يا عين وقصيدة حطموا الأقداح، فإن مصطفى النحاس باشا يعد الشخصية المصرية الأولى التي غنى لها محمد عبد الوهاب وهي على قيد الحياة، فلم يغن محمد عبد الوهاب للملك فؤاد رغم أنه غنى لملك العراق فيصل الأول من شعر شوقي بك يا شراعا وراء دجلة يجري.
يقول الأستاذ محمد دياب في مجلة الكواكب:
قدم الموسيقار محمد عبد الوهاب ثلاث أغنيات لمصطفى النحاس باشا، الأغنية الأولى جاءت في مناسبة زفاف النحاس باشا على السيدة زينب الوكيل في عام 1934م، حيث غنى في عرسه موال النيل يهنئ بفرحه شخصك الغالى، والأمة تهتف وصوتها في الهتاف عالي، لمصطفاها العظيم والكوكب الهادي، الله يبارك زواجك يازعيم النيل، وينصرك والوطن عالظالم العادي، وهو موال من تأليف المرحوم حسين عبد الحميد، ثم غنى بعد ذلك وتحديداً في العام 1936م وبعد توقيع مصطفى النحاس باشا على معاهدة 1936م مع رئيس وزراء بريطانيا، غنى له : أهلاً وسهلاً بصاحب دولة الإخلاص، مين للأمانة يصونها غير مصطفى النحاس.
كما لحن الموسيقار محمد عبد الوهاب في الوقت نفسه وبتكليف من الملك فاروق الأول ملك مصر نشيد المعاهدة وهو من تأليف الموحوم إحسان العقاد ويعتبر هذا النشيد هو أول نشيد لمحمد عبد الوهاب تغنيه مجموعة من المطربين وهو الأسلوب نفسه الذى اتبعه فى أناشيده الجماعية فيما بعد في عهد الثورة، وقد شارك بالغناء فى النشيد مع محمد عبد الوهاب كل من المطربة الكبيرة فتحية أحمد و المطرب عبد الغنى السيد والشيخ زكريا أحمد، وتقول كلمات النشيد الذى لم يعد هناك تسجيل له : كللوا بالمجد هام الظافرين، وانثروا الورد وحيوا العائدين، مصطفى أنت الأمين زعيم المخلصين، وقد أنشده محمد عبد الوهاب مع مجموعة الفنانين في حفل أقيم في قصر عابدين في حضور الملك فاروق الأول ومصطفى النحاس باشا وكبار رجال الدولة آنذاك، ويبدو أن غناء الشيخ زكريا أحمد من ألحان محمد عبد الوهاب وهو الذي يسبقة بجيل وحقق شهرة كبيرة قبل ظهور محمد عبد الوهاب بأعوام وفي عهد الشيخ سيد درويش، يبدو أمرا مدهشا حقا وكم هي كبيرة خسارتنا بفقدان تسجيل ذلك النشيد المهم ومعه التسجيلان السابقان للنحاس باشا.
أما الأغنية الرابعة والأخيرة التي غناها الموسيقار محمد عبد الوهاب لحزب الوفد وأقطابه فكانت من نصيب صديقه عبد الحميد عبد الحق وزير الأوقاف والتموين والشئون الاجتماعية في حكومات الوفد المتعاقبة وكان عبد الحق أحد أعيان الصعيد وصديقا مقربا من الموسيقار محمد عبد الوهاب، فعندما ترشح عبد الحميد عبد الحق لعضوية البرلمان في عام 1950م عن دائرة السيدة زينب، غنى له صديقه محمد عبد الوهاب تعبيرا عن محبته وإخلاصه له أغنية من كلمات المرحوم حسين السيد وكلمات الأغنية كانت تدعو الناس للتوصيت لعبد الحق في الانتخابات.
سجل الموسيقار محمد عبد الوهاب الأغنية على اسطوانه، تسجيلا خاصا لم يتم تداوله تجاريا إلا بين المحبين والمقربين، ثم أهدى الاسطوانة إلى عبد الحميد عبد الحق الذي كان يذيعها في مكبرات الصوت في ميدان السيدة زينب كدعايا له، وليس أجمل من تلك دعايا بصوت بلبل مصر محمد عبد الوهاب، وتقول كلماتها: يا أهل الدايرة يا مجاورين السيدة نظرة، حلفتكم بالست الطاهرة، لتجاوبوا وتقولوا الحق، تنتخبوا مين عبد الحق، تختاروا مين عبد الحق.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية الحلقة الخامسة والعشرين من قصة موسيقار الأجيال الأستاذ محمد عبد الوهاب على أن يكون موضوع الحلقة القادمة هو ختام مرحلة الملكية في حياة محمد عبد الوهاب بما في ذلك علاقته بالملك فاروق.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال