مي سليم في “تلت التلاتة”.. الخيانة المتصالحة مع نفسها
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
تشارك “مي سليم” في مسلسل “تلت التلاتة” بدور مثير للجدل رغم تكراره؛ أدائها لشخصية “سمر” الضلع الثالث في مثلث الخيانة حمل أبعادًا جديدة لا نراها كثيرًا في الدراما. العشيقة الطماعة التي دائمًا ما يكرهها الجمهور أخذت مساحة تسمح للمشاهد بفهم هذا النوع من البشر أكثر.
ظهرت مي سليم في دور سمر منذ الحلقة الأولى من المسلسل بشخصية متسلقة، تستخدم أمجد (محمد القس) زوج بطلة العمل فريدة (غادة عبد الرازق) لتحظى بحياة أفضل. تقبل بوضع العشيقة لسنوات على وعد بالزواج، ثم تكتشف الزوجة الخيانة فتصبح سمر لا محل لها من الإعراب في حياة أمجد.
تتطور الأحداث وتنتهي سمر بالقتل على يد فريدة التي ترغم أمجد على مشاركتها الجريمة، نهاية متكررة ونمط روتيني لشخصية العشيقة لا تخرج عنه معظم حبكات الدراما. لكن المساحة المتاحة أمام الشخصية، والتركيز على حواراتها؛ يمكن من خلاله التطرق لأبعاد جديدة.
السيناريو الأصلي لفيلم “Loving Adults” الذي يتضح للأعمى بناء أحداث المسلسل عليه، لم يتطرق لنفسية العشيقة بتلك الأبعاد. على الأغلب لأن القصة في الفيلم لم تكن تراعي الأبعاد النفسية بقدر ما همها مستوى الإثارة والغموض.
كما أن مشهد النهاية بقتل سمر في حمام فريدة إضافة مصرية على السيناريو المنحوت من ضمن عدة إضافات؛ إلا أنها أكثرهم نشوزًا عن الإيقاع. أراد صناع العمل إضفاء صبغة المرض النفسي لفريدة، فانتهى بهم الحال لتقديم مشهد من فيلم رعب طفولي.
لم تكن سمر المذنبة الوحيدة في قصة الخيانة التي يناقشها تلت التلاتة، هي شريك بالتساوي مع أمجد الذي يحاول إقناع نفسه بحبها. التشابه بينهما كبير فكلاهما يعيش دور الحب في الظلام، لاستخدامه مبرر للخيانة؛ في حين يدرك الاثنان أنها علاقة مصلحة يرفضان الاعتراف بحقيقتها حفظًا لماء الوجه.
اقرأ أيضًا
“تلت التلاتة” رغم السيناريو المنحوت غادة عبد الرازق تنصف المقهورات
الشخصية المتسلقة على أرض الواقع
في أكثر من مشهد تعترف بفجاجة لصديقتها أنها تسعى فقط خلف الأموال، تحاول إقناع نفسها قبل الآخرين أنها ستتزوج عشيقها، وأن زوجته تلعب دور الشرير في الرواية. قصة الحب التي جمعت سمر بأمجد لا يخفى على الجميع أنها كذبة، لا يصدقها سوى الطرفين لخجلهما من الوضع الذي جمعهما. وهي الحجة التي يستخدمها أي خائن أمام نفسه والآخرين.
في القصص الحقيقية نصادف تلك الشخصيات ولو مرة في العمر، تفاجئنا طريقة تعاطيهم مع الخيانة بمبررات هشة وضحلة. نتعجب أكثر حين نلاحظ مدى التبجح بارتكاب جريمة الخيانة مشاركةً مع الرجل. وهو ما انعكس على تفاصيل سمر التي استغلت حملها من عشيقها، وأعربت عن نيتها استخدامه للضغط على أمجد من باب “أهو فضايح بفضايح”.
شخصية سمر متكررة في الواقع بأشكال متعددة تجمعها قواسم مشتركة، أبرزها التذاكي، ولا أقول الذكاء لأن إلحاق الأذى بالآخرين لا يجب أن يصنف مع الصفات المحمودة. المرأة الطفيلية المتسلقة غالبًا ما تكون على قدر من الذكاء مقتصر على أفعالها المؤذية، ومحدود لدرجة تمنعها من رؤية مدى الأذى الذي تلحقه بنفسها قبل أن تطال به غيرها.
لا يمكن تفسير تلك التصرفات المريضة سوى بوجود خلل نفسي، لا يعطي أي مبرر أو حق لارتكابها بالطبع. النفسية الخربة التي تسمح للبشر بارتكاب جريمة الخيانة مثيرة للشفقة قبل أن تكون مكروهة، حالة من التدني يرثى لها تشبه أن يسبح المرء في بحر من قاذوراته. لم يتطرق مسلسل تلت التلاتة لهذا الخلل النفسي حتى الآن؛ اكتفى فقط بجملة عابرة تشير إلى إعالة سمر لجدتها.
العشيقة دور قدمته مي سليم عدة مرات، ولم يكن مميزًا بأدائها تلك المرة؛ وهو ما يفسر عزوف متابعي تلت التلاتة عن التفاعل معها. لكن العنصر الوحيد اللافت للنظر في شخصية سمر هو ملامحها، وحوارها الذي تطرق إلى المزيد حول أبعادها النفسية بشكل قربها من الواقع.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال