ناجح نعيم.. أن يرقي الفنان إلى قمة هادئة!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
في زحمة الحديث عن الفنانين الذين دأبت كاميرات الإعلام على مطاردتهم، وكذلك أقلام الصحفيين وآراء النخب وثرثرات العوام؛ تبزغ سيرة طيبة يكاد يجمع على نقائها الخواص والعوام.. الأمر نادر هكذا في الحقيقة لأن عالم الفن متشابك الخيوط، بقدر ما هو شديد الخصوصية، وتحيط به الشائعات من كل جانب، فكونه مرصودا بقوة جعل أفراده ممدوحين بقوة أو مذمومين بقوة، قد لا أكون أنا متفقا مع هذا الوضع المتطرف، ولكنني أتفهم أسبابه، كما أعرف أن هذا ثمن ذيوع أهله وغنى أغنيائه، ليس جميع الفنانين عريضي الشهرة ولا فاحشي الثراء طبعا، إلا أن فكرتي الشهرة والثراء تلتصقان بكل فنان من باب مشاكلة الكبار النافذين في الوسط الفني، وما أكثر الصخب الذي يذكر بهم وينبه إليهم!
الفنان القدير ناجح نعيم واحد من القلة التي جرى عليها إجماع يفيد الاستقامة والألمعية والإشراق والتواضع والتميز المهني من قبل ومن بعد. لقيته مرة في مدينتي قنا بالجنوب المصري، كان جاء حينها مع فريق مسرحي كبير ليؤدي دوره في مسرحية حلم جميل من بطولة النجم سامح حسين، ولأنه كان رفيق غرفة صديقي الفنان القدير جلال النقشبندي؛ فقد كان يسيرا تماما أن نلتقي بصورة شبه يومية، وأن نتجول في المدينة (طلب أن أدله على مقر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الكبرى، وأصر على زيارة جامع سيدي عبد الرحيم)، وكم حكينا طويلا في حديقة الفندق ذي الاسم الفرعوني الذي يطل على نيل الجنوب، واقنربنا حتى علم كل منا بعض ما في جعبة الآخر من الأفكار، واستشرف ظل طباعه، والتقط صورا من عواطفه تجاه الأحداث والأشياء.
خرجت باحترام وافر لشخصه الكريم آنذاك، واستقر بداخلي يقين يشي بأن لديه كثيرا من التجارب الإنسانية والخبرات الفنية، لكنه وديع قليل الكلام، وقد أكون لاحظت فيه وفاء نادرا لأبناء مهنته قدر ما لاحظت ضيقه من الذين دخلوا الفن من الأبواب الخلفية، وصعدوا سلمه صعودا خاطفا فصاروا كأنهم مالكو نواصيه، لكنه ضيق لا تعريض فيه بأحد، يحدد المشكلة تحديدا عاما ولا يحدد المتسببين فيها، لكن يتركهم لاستنتاجات الراصدين النبهاء، يكون حريصا على تبييض ساحة الفن وقتها فوق ما يكون قاصدا تسويد وجوه الأدعياء؛ فالفن قضيته لا هؤلاء القافزين إلى الصف الفني السادس من الأول مباشرة بدون المرور بالمراحل المؤهلة للوصول إلى نوال الشهادة والامتياز. أما من جهة الثقافة فلم أر أوضح من خوفه على البلد من اضمحلال قيمتها الثقافية، ولم أر أكثر منه عتابا على الأجيال الجديدة التي تركت تراثها العظيم، وتركت القراءة والتأمل، وراحت تأخذ معارفها من الواقع الجديد الفاسد المنقطع عن الأصول الراسخة، ومن رذاذه المريض المعدي، ومن نجومه السطحيين!
لقائي الوحيد به انطبع في ذهني ووجداني، وقلما تنطبع لقاءات المرة في الذهن والوجدان، إلا أن يكون الشخص ثريا وملهما، بالمعنى لا المبني طبعا، وإلا أن يكون راقيا بكل معنى الكلمة، وصاحبنا ثري وملهم وراق في الصميم.
ولد ناجح في 3 يونيو 1961، تقول المعلومات المتوفرة عنه أنه حصل على دبلوم دراسات المسرح، وأنه، في الفترة من 1994 إلى 2008 كان عضو لجنة تحكيم اختيار العروض في مهرجانات الجمعية المسرحية لهواة المسرح، وأنه لا يزال يعمل كأستاذ منتدب لتدريس قسم المسرح في كلية التربية النوعية بجامعة عين شمس.. تقول المعلومات أيضا إنه عضو لجنة تحكيم مسابقات الفنون المسرحية بوزارة التربية والتعليم، وعضو اللجنة العليا لمهرجان الكرازة وعضو اللجنة العليا لتحكيم المسرح بالتصفيات النهائية للمهرجان نفسه.
شارك الفنان القدير بالتمثيل في عديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والإذاعية، من بينها علامات في تاريخ الدراما، ولولا مهامه الوظيفية لاتسعت مشاركاته وأشرقت شمسه أضعاف ما أشرقت، غير أنه أدى كل أدواره أحسن أداء، وقنع بما حققه، ورضي عن مشاويره رضا كفاه قسوة جلد الذات، وفي الطريق قادم لعله يعوض الانشغال عن المجد الشخصي، وإن كان الميزان الحساس يشير إلى أن الماضي كله كان بناء حثيثا لهذا المجد، فقد أسس البناء نابها ولم يؤسسه كيفما اتفق، وبالأساس هو من الفنانين الذين يحبذون الهدوء لا الضجيج، وتهمهم إيجابية الحالة العامة التي أسهموا في صنعها فوق أهمية الحالة الخاصة.
تحية كبرى لأبي ساندرا ومريم وكاراس، فخر بيته وأولاده ومحيطه الصغير والكبير، تحية جامعة لاسمه اللامع المعتبر وجهوده الهائلة الخلاقة، وأمثاله يظل المتابع الدقيق ينتظر تجليات نسائمهم، وطالما تتبختر زهوا على غلاف الكراسة الفنية وأوراقها.
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد