ناس النيل لبعضيهم (2-3)

أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة كنتاكي، وليام آدمز – William Y. Adams (1927-2019)، وصف النوبة إنها رواق أفريقيا، في كتاب بالاسم نفسه (النوبة رواق أفريقيا). عشان كده مش غريب إن مناطق النوبة ومحافظة أسوان عمومًا، بتعيش الأيام دي ملحمة إنسانية كبيرة.

فرغم علو أصوات متعصبة من الطرفين، بعضهم منساق ورا جهله وعدم وعيه بالتاريخ أو بالحاضر، والبعض قاصد ومركز يوقع بين الشعبين. لكن مع وصول أهل السودان لبلدهم مصر، هربًا من الحرب المجنونة هناك، كواحدة من الجيران المباشرين للسودان (مصر، ليبيا، تشاد، أفريقيا الوسطى، ج. السودان، أثيوبيا، أريتريا).

الشعوب لبعضيها

أهل أسوان و النوبة قدموا وبيقدموا نموذج عملي للعلاقة الصحية بين شعبين متجاورين، بينهم تاريخ وجغرافيا ونسب ونهر و.. و.. وحجات كتير أوي مشتركة، أولها وأهمها.. الإنسانية نفسها.

فورًا انطلقت هناك مبادرتين أهليتين لاستقبال الضيوف ودعمهم، مبادرة مجتمع مدني أطلقتها جمعية تنمية المجتمع بوادي كركر، ومبادرة شعبية أطلقها عدد من شباب المحافظة الجنوبية.

الميزان تواصل مع القائمين على المبادرتين وحاورهم، عرفنا من كل فريق فيهم تفاصيل المبادرة والدور اللي بيلعبوه والظروف اللي بيتحركوا فيها، إيه الناقصهم وإيه العقبات اللي قصادهم، وممكن يكونوا محتاجين إيه؟

كمان تواصلنا مع ضيوفنا نرحب بيهم ونتطمن على سلامتهم، ونسألهم عن أخبارهم هنا إيه؟ مع الاستقبال في المعبر أو جوه البلد؟

صور

حوارنا التاني مع أ. وليد تاج السر، موظف بقصر ثقافة أسوان، من سكان قرية الكرور وشهرته (وليد البوب).

س: ممكن تعرفنا بالمبادرة وأزاي بدأت؟

ج: المبادرة فكرتها جت بشكل عفوي، في البداية كتبت بوست في صفحتي الشخصية، على الفيسبوك، أني طالب متطوعين نخدم سوا أهلنا الجايين م السودان، لقيت تفاعل كبير مع البوست.

وفيه أخ عزيز اسمه فيصل عبد الشافي، من قرية دابود، اتواصل معايا فورًا وقالي (إحنا برضه مهتمين وخلينا مبادرة واحدة)، فرحبت جدًا وبدءنا طوالي نرتب الشغل.

أ. فيصل ماسك مسألة التسكين، وطبعًا ده بيتم بالمجان خدمة لأهلنا، وأنا موجود في موقف كركر اللي ناسنا بيوصلوا عليه من معبر أرقين.

الخدمة اللي بقدمها هي أني بسهل ليهم الأمور، الناس طبعًا جايين مايعرفوش أي حاجة.. فأركبهم العربيات.. أعرفهم طريق الموقف.. أقولهم المحطة اللي ينزلوا فيها، كلها حاجات بسيطة.. لكن بالنسبة للناس في وقت زي ده بتكون حاجة كبيرة.

والخدمات دي كلها من أولها لأخرها مجانًا ومش مدعومة من أي جهة، إحنا مجموعة شباب متوطوعين نخدم الناس دي.

س: أزاي بيتم تنسيق مسألة البيوت؟

ج: زي ما قولتلك، إحنا بنعتمد على مجهودانا الشخصية، فلما بتدخلنا أسرة محتاجة سكن بنكتب على صفحاتنا الشخصية.. فبنلاقي أكتر من شخص داخل يكتبلنا (تعالوا اتفضلوا مفتاح بيتي في المكان الفلاني.. سكنوا الناس).

الحمد الله الأهالي في أسوان متفاعلة جدًا مع الموضوع، وفي الأول والأخير كلنا ولاد عم وبتربطنا صلة رحم مع أخواتنا السودانيين.

إقرأ أيضا

غروب شمس المليشيات

س: هل فيه أي دعم المبادرة محتاجة له في أسوان؟

ج: والله العظيم الشباب في أسوان مش مقصر في حاجة، والناس كل اللي محتاجينه حد يستقبلهم مقابلة كويسة.. يركبهم الباص.. ينزلهم من الباص.. يعرفهم مكان السكن.. مكان المحطة، أكتر من كده مش محتاجين حاجة.

س: طيب بالنسبة للوضع في أرقين، هل محتاجين حاجة؟

ج: دول بقى اللي محتاجين الدعم، مية.. عصير.. أكلات خفيفة كده، عشان الناس دي واقفين ع المعبر باليومين والتلاتة، بين المعبر السوداني والمعبر المصري، فبيخرجوا تعبانين جدًا.

س: بعيد عن شباب المبادرة، إيه شكل تعامل أهالي أسوان بشكل عام مع الناس الجايين؟

ج: الحمد لله دلوقتي الناس كلها مرحبة بيهم، وزي ما قلتلك من شوية.. إحنا مجرد ما بننزل بوست ع الفيس نقول محتاجين بيت لأسرة، أكتر من شخص بيقول (تعالوا خدوا المفتاح.. البيت جاهز)، وده مش مقتصر ع النوبيين فقط، لا ده كل ناس أسوان بيكلمونا ويتواصلوا معانا.

س: هل فيه مواقف صعبة أو غريبة قابلتها خلال الأيام اللي فاتت؟

ج: نهائي.. الأهالي هنا متعاونيين وكل اللي فإيده حاجة بيساعد. إنما كان فيه موقف أثر فيا جامد.

أخ سوداني جالنا.. فاستقبلناه وقدمنا له الخدمة زي باقي أخواتنا، وأنا بودعه عشان أرجع.. لقيت عيونه دَمَعِت وخدني بالحضن وقالي: (يا أخي إحنا آسفين، كنا واخدين صورة عن مصر غير الصورة اللي إحنا شفناها). الموقف ده خلاني بكيت.. بس كمان أداني “باور” أني أكمل وأعمل كل ما في وسعي أني أخدم الناس دي يا أخي.

كده إحنا سمعنا من طرف ناس أسوان، الحلقة الجاية نسمع بقى ناس السودان.