نجاح ترامب.. هل يؤدي لانفصال كاليفورنيا؟
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
حين انتهت انتخابات الرئاسة الأمريكية في 2020 بهزيمة “ترامب”، شهدت الدول الكبرى والعالم كله أحداثًا جديدة من نوعها وشديدة الغرابة بالنسبة لدولة بحجم الولايات المتحدة؛ من اقتحام للكونغرس ونهب بعض محتوياته وغيرها من أعمال شغب قام بها مناصرون لترامب. الآن، وبعد فوزه في الانتخابات الأخيرة وعودته من جديد إلى البيت الأبيض، هل يمكن أن نرى حدثًا آخر فريدًا من نوعه، مثل انفصال أحد الولايات عن الاتحاد الفيدرالي، كاليفورنيا مثلاً؟
قوة كاليفورنيا الاقتصادية
تمتلك ولاية كاليفورنيا خامس أكبر اقتصاد في العالم، إذ بلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 3.64 تريليون دولار في عام 2022، متجاوزةً اقتصادات دول كبرى مثل فرنسا ومقتربة من ألمانيا والهند. وبعدد سكان يبلغ نحو 39.2 مليون نسمة، تتمتع الولاية بمقومات اقتصادية وسكانية قوية تجعلها مؤهلة، من الناحية النظرية، للاستقلال كدولة.
لكن، هل يمكن أن تصمد كاليفورنيا بمفردها؟
وما الذي قد تخسره الولايات المتحدة في حال انفصالها؟
والأهم.. هل هذا ممكن أصلا؟؟
جذور فكرة الانفصال
يعود الحديث عن استقلال كاليفورنيا إلى عقود، لكن زادت وتيرته خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا بعد انتخابات 2016 التي صوت فيها 61% من سكان الولاية لصالح هيلاري كلينتون، ما أبرز الفجوة السياسية بينها وبين الولايات الأخرى. وفي يناير 2017، أظهر استطلاع للرأي أجراه “رويترز/إبسوس” أن 32% من سكان كاليفورنيا يؤيدون فكرة الانفصال، ما جعل كاليفورنيا رمزًا للانقسام الأميركي المتزايد.
حركة “نعم كاليفورنيا”
تُعد “نعم كاليفورنيا” من أبرز الحركات الداعية للانفصال، حيث تستند إلى عدة حجج اقتصادية وثقافية، أبرزها:
- التفرد الثقافي: تتميز كاليفورنيا بثقافة وتاريخ خاصين يجعلانهما مختلفة عن بقية الولايات الأميركية، وتؤكد الحركة أن هذه الهوية تبرر السعي للاستقلال.
- القوة الاقتصادية: باعتبارها خامس أكبر اقتصاد عالمي، إذ تمتلك مقومات اقتصادية كافية للصمود كدولة مستقلة.
- الضرائب والحكم الذاتي: تدفع كاليفورنيا ضرائب فيدرالية أكثر مما يعود عليها، ما يجعل سكانها يشعرون أنهم يمولون ولايات أخرى دون مقابل كافٍ. وترى الحركة أن الاستقلال سيمنح الولاية حرية أكبر في سياساتها الاقتصادية والبيئية بعيدًا عن تأثير السياسات الفيدرالية.
هل يمكن أن تسمح الولايات المتحدة بانفصال كاليفورنيا؟
التاريخ الأميركي يوضح أن فكرة السماح لأي ولاية بالانفصال تهدد وحدة البلاد. وفقًا لحكم المحكمة العليا في قضية “تكساس ضد وايت” عام 1869، يُعتبر الاتحاد كيانًا دائمًا، وأي محاولة للانفصال تحتاج إلى موافقة جميع الولايات. ومع اندلاع الحرب الأهلية عام 1861 بسبب انفصال الولايات الجنوبية، يبقى الانفصال أمرًا صعبًا قانونيًا، رغم التوترات الأيديولوجية الحادة.
الانقسامات السياسية في كاليفورنيا وأميركا
تزداد حدة الاستقطاب بين الأميركيين، حيث أصبح الجمهوريون الوسطيون أكثر تحفظًا والديمقراطيون الوسطيون أكثر ليبرالية من أي وقت مضى، وفقًا لمركز “بيو للأبحاث”. وأوضح “برنارد جروفمان”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، أن هذا الاستقطاب لم يكن بهذا الحدة منذ التسعينيات من القرن التاسع عشر. وبينما تُظهر الاستطلاعات أن 68% من سكان كاليفورنيا يعارضون الانفصال، تبقى الانقسامات الداخلية قوية.
التداعيات المحتملة لانفصال كاليفورنيا
إذا تحقق الانفصال، ستكون له تداعيات كبرى على مختلف الأصعدة:
- الآثار السياسية: خروجها سيحوّل المشهد السياسي الأميركي، ما يرجح كفة الجمهوريين في الكونغرس ويؤدي لتبني سياسات أكثر وسطية.
- التأثير الاقتصادي: يشكل اقتصاد كاليفورنيا 14.8% من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، ما يعني أن فقدانها سيشكل ضربة كبيرة ويؤدي لضعف الدولار أمام عملات أخرى مثل اليورو واليوان. كما أن القطاعات التي تعتمد على كاليفورنيا، مثل التكنولوجيا والزراعة والترفيه، ستتأثر بشكل كبير.
إلى جانب هوليوود، إذ تمثل ركيزة أساسية في الولاية بفضل دورها في الاقتصاد، حيث تساهم صناعة السينما في توفير آلاف الوظائف وتوليد دخل ضخم للولاية. كذلك، تُعد مركزًا ثقافيًا مؤثرًا عالميًا، وتسهم في جذب ملايين السياح سنويًا لزيارة معالمها الشهيرة. إلى جانب ذلك، تبرز هوليوود كمصدر للتكنولوجيا والإبداع، ما يعزز مكانتها كعاصمة للإبداع والابتكار.
- التأثيرات على الساحة الدولية: يمكن أن تصبح بعد استقلالها قوة دولية مؤثرة، ما يفتح المجال لتحالفات جديدة مع دول ليبرالية، فيما قد تتجه الولايات المتحدة لتحالفات مع دول يمينية.
- الهجرة والتغير المناخي: بعد استقلالها، ستصبح الولاية وجهة للمهاجرين، خصوصًا العاملين في قطاعات التكنولوجيا والزراعة، وتتمكن من تعزيز سياساتها البيئية المستقلة.
التحديات القانونية والاجتماعية
يظل الانفصال أمرًا شبه مستحيل إجرائيًا، حيث يعتبر الدستور الأميركي الاتحاد وحدة دائمة. كما ستواجه الولاية تحديات تتعلق بالهوية والانقسامات الداخلية، إذ يرفض أغلب سكانها الفكرة.
رغم أن فكرة الاستقلال تبدو بعيدة المنال، إلا أن استمرار الحديث عنها، خاصة بعد فوز “ترامب” بالرئاسة مرة أخرى في 2024، يعكس عمق الانقسامات داخل أميركا، ويبرز التعقيدات السياسية والاقتصادية.
اقرأ أيضًا : “بدون شماتة” هكذا تفاعل الفلسطينيون مع وفاة بلفور في صحافتهم
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال