نجوم رحلوا سريعًا

كانت تقول أمي أن الموت ذواق، يختار الثمار الأكثر نضجاً، وأن السن ليس له أي علاقة بالموت، فـ العيد الصغير يأتي دومًا قبل العيد الكبير..

وبعيدا عن رؤية أمي للموت.. فكثيرا ما كانت الدهشة تصيبني حين أعلم أن أحدهم مات وهو لا يزال في ريعان الشباب..

تلك الدهشة التي ظلت تتضاءل حد التلاشي مع كل قراءة جديدة.. خاصة وأن معظم الكُتاب الذين أحببتهم ماتوا في أعمار صغيرة مثل كافكا وجورج أورويل وإدجار آلان بو.. وغيرهم..

من تجربة هؤلاء أدركت أن العمر لا يمكن أن يتم قياسه بالسنوات، وأن الحياة قد تكون قصيرة غير أنها زاخرة بالأحداث والإبداعات، وأن المبدع قد يرحل بجسده ولكن فنه يبقي خالداً بطول الدهر..

بالطبع هذه القائمة لا تقتصر على الكُتاب.. بل شملت باقي الفنون، ففي الرسم مثلاً سنجد فان جوخ ومعاناته وموته المبكر..

أما في صناعة السينما والغناء فـ القائمة عامرة بمبدعين رحلوا سريعا غير أن فنهم بقي واستمر.. ويمكن أن نذكر منهم..

سيد درويش.. ابن الإسكندرية البار، صاحب الموهبة المتفردة في الغناء والتلحين.. سيد – والذي اشتهر بالشيخ سيد – ولد 1892م.. بدأ حياته الفنية من خلال الإنشاد الديني مع فرقة سلامة حجازي.

بعد تخرجه من المعهد الديني في 1905م انتقل للقاهرة باحثاً عن فرص أرحب..

فالتقطه أمين عطا وعرفه على نجيب الريحاني الذي آمن به وبموهبته جداَ..

ويذكر الريحاني أنه في بداية معرفته بـ سيد درويش طلب منه تلحين أوبريت السقايين، وقد وفر له عربون لائق كي يتفرغ للإبداع.

غير أن سيد درويش اختفي تماما لعدة أيام، مما دفع الريحاني لأن يرسل له مرسال طالباً منه احضار سيد أو العربون.

وقتها كان سيد يعاني من انقطاع الوحي، لدرجة أنه أوشك على رد العربون بالفعل، ولكن أثناء جلوسه مع المرسال سمع صوت ينادي: “عطشان يا صبايا دلوني على السبيل”..

وهنا انتفض من الفرحة، لقد وجدها أخيراً..

تلك الوقعة تلخص علاقة المبدع سيد درويش بالفن الذي كان يستمده من الناس والشارع، لهذا كان من الطبيعي أن يكون فنان الشعب كما أطلقوا عليه..

ولأنه ابن الشعب حقاً، فقد كان صوته أيضاً، خصوصا مع اندلاع ثورة 1919 التي خرجت أساسا من مسرح الريحاني الذي يعتبر الشرارة الأولى والقوية لقيام الثورة..

لهذا ليس من الغريب أن تصبح كلماته وألحانه هي نبض الشارع والشعب، وأن تظل ألحانه مصدر إلهام الكثير رغم أنه رحل وهو في عامه الواحد وثلاثون..

يعتقد البعض أن موته جاء نتيجة جرعة زائدة من الكوكيين.. وإن نفي البعض الآخر، حيث أشاروا أنه مات مسموما من قبل راقصة..

عماد عبد الحليم.. مطرب وممثل اسكندراني، نشأ في أسرة فقيرة مما دفعه للغناء في سن مبكر، حيث بدأ مسيرته الفنية وهو في الـ 12 من العمر.

بعدها اتجه إلى القاهرة، وبسبب موهبته المفرطة، واحساسه المميز، وصوته الشجي تبناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، ومنه أخذ لقبه..

قدم عبر مسيرته الفنية 14 ألبوم غنائي.. دشنها بألبوم ألوان وختمها بألبوم مقسومة لي في عام 1994م… وكانت أشهر أغانيه (ليه حظي معاكي يا دنيا كدا؟)..

أما للسينما فقد شارك في بطولة فيلم عذاب الحب سيناريو وحوار مصطفي محرم وبطولة مديحة كامل بينما الألحان كانت من نصيب سيد مكاوي..

كما قام ببطولة عدة مسرحيات، ومنها: للسيدات فقط، النهار دا أخر جنان.. وفي مجال الطفل جاءت مسرحية نعم ولا، ومسرحية الأطفال دخلوا البرلمان..

في 20 أكتوبر 1994م وجدت جثة ملقاة على بشارع البحر الأعظم عقب تناوله لجرعة هيروين زائدة وهو في الخامسة والثلاثون من عمره..

كاميليا.. واحدة من أجمل الممثلات التي ظهرت على الشاشة الكبيرة، وهي من أصل يهودي.. اسمها الحقيقي ليليان فيكتور ليفي كوهين.

إقرأ أيضا

ليه رفض الفنان يحيي الفخراني فيلم العار ؟؟

اكتشفها المخرج أحمد سالم سنة 1946م.. قدمت خلال ثلاث سنوات ما يقارب الـ 19 فيلماً.. لعل أبرزها: المليونير، آخر كدبة، العقل زينة، الروح والجسد.. إلخ.

في عام 1950م توفيت كامليا أثر حادث طائرة سقطت بمحافظة البحيرة لتتفحم جثتها قبل أن تتجاوز الثلاثين عاماً..

هالة فؤاد أيضا من جميلات السينما المصرية.. وهي زوجة الفنان الراحل أحمد زكي، وأم الممثل الراحل هيثم زكي، ووالدها المخرج الكبير أحمد فؤاد الذي كان يسند لها الأدوار وهي لا تزال لم تتجاوز السنتين.

أما في عمر الشباب فقد قدمت فيلم مين يجنن مين مع الفنان محمود ياسين.. ويبقي فيلم اللعب مع الشياطين أهم وأخر أعمالها السينمائية قبل الاعتزال..  ولا يمكن بالطبع أن ننسي فوازير المناسبات مع يحيى الفخراني وصابرين..

توفيت هالة فؤاد بعد صراعها مع مرض سرطان الثدي الذي قضي عليها 1993م وهي في عامها الخامس والثلاثون..

هيثم أحمد زكي.. الابن الوحيد للفنان أحمد زكي والفنانة هالة فؤاد.. بدأ مشواره الفني مع والده عبر فيلم (حليم) ثم انطلق بعدها للنجومية مع فيلم البلياتشو، ثم فيلم كف قمر.. وصولاً لأخر أعماله السينمائية بفيلم الكنز2.. أما الأعمال الدرامية فقد كان لها نصيب بداية من مسلسل الجماعة وصولاً إلى مسلسل علامة استفهام..

لعل أهم أعماله الدرامية، والتي كشفت موهبته الحقيقية مسلسل السبع وصايا..

غير أنه توفي في عام الـ 35 أثر هبوط حاد في الدورة الدموية.. وهو نفس العمر الذي توقت فيه أمه من قبل..

هؤلاء النجوم.. لم تترك لهم الحياة المساحة الكافية أو العمر المديد. غير أنها وهبتهم الموهبة والأعمال المؤثرة الخالدة التي جعلتهم بحق نجوم لا يمكن للموت نفسه أن يقهرها.. فالفن ابن الخلود حقاً