همتك نعدل الكفة
494   مشاهدة  

نحن النساء جميلات

جيجي


 

مع بداية الألفية الثالثة بدا واضحًا أن ثمة تغييرات تطرأ علي الشارع المصري، إذ صارت موديلات “اللانجيري” هي ذاتها موديلات لملابس الشارع والخروج، وحين انزعجت وعلقت على ذلك بين صديقاتي سخرن من جهلي.

كان خوفي نابع من أننا فى طريق اعتماد تسليع الجسد، إعداد جيل من الفتيات يتعاملن مع اجسامهن كسلعة عليهن أن يتربحن منها، وهذا يحدث في سياق بعيد تمام البعد عن تجارة الجسد/البغاء، لكنها آلية جديدة للتعامل مع الجسد والأنوثة، وقتها بدوت مغالية، شديدة سوء الظن، وأنا أُراقب تنوع الموديلات واعتماد العلامات التجارية لهذه الطريقة، ثم الانتقال إلي تقليد الماركات الشهيرة.

ثم جاء الاختراع الأسوأ علي الإطلاق من وجهة نظري، وهي فكرة البودي الملاصق للجلد، حيث محاولات التواطئ للعري علي أشدها، فخامته وطبيعة المنتج تجعله ملاصق للجلد محددًا له.

كانت مناقشاتي الرافضة لفكرة تسليع الجسد أننا مجتمع مرتبك بين مظاهر تدين شكلية آخذة فى التزايد، وتعليم تتراجع جودته، ثم فن منسحب من دوره التثقيفي والتوعوي بحكم لعبة إنتاجية منحازة إلي ما أطلقوه وقتها “السينما النظيفة”
سنوات يا جيجي وأنا أتابع التردي والانهيار، وأحزن وأصرخ وأنا بلا صوت، رأي لا يخرج من دوائر الاصدقاء والرفقة، والنقاش حول تسليع المرأة يجد أراء ضده، مشيرة أن ذلك أمر عالمي، ولنا فى فتيات الإعلانات ومضمون الإعلانات سندًا فى التوجه الرأسمالي.
كتبت روايتي “تدريبات علي القسوة” لكن إيروتيكية الرواية صرفت الأذهان عن مناقشات أكثر عمقًا، فبت كأنني أُشارك فى الدفع بالظاهرة.

عزيزتي جيجي

بعد مضي ما يزيد عن العشرين عامًا من التراكم، تراجع قيم الذوق وجماليات الشكل واللبس، غرس قيم بديلة بأن المرأة التي تُجيد استخدام أنوثتها هي الأشطر، والأكثر نجاحًا، حيث المعيار أن تحافظ علي شرفها المتمثل فى غشاء البكارة.
فلماذا ثار الغالبية علي فتيات التيك توك؟ هؤلاء الفتيات المسكينات أبناء شرعيين لهذا الوعي، وسيادة مبدأ “شوق ولا تدوق”.

هل تعرفين يا جيجي لماذا غضب كثيرون من هؤلاء الفتيات؟

إنها سطوة المال، نعم هي تلك المكاسب الآخذة فى التنامي والتي حصلت عليها فتيات صغيرات لكونهن يضحكن أو يرقصن، وقد نسي الغالبية أن تلك الفيديوهات راجت وذاع صيتها بنا وليس بآخرين، نحن الذين روجنا ونشرنا بين اعجاب وسخرية، ومصمصة شفايف، وتعددت الأرباح، لكن أحدًا لا يعرف، وفى المقابل وضعنا فتيات صغيرات دون خبرة اجتماعية، وضوابط تربوية أمام سُعار المكسب، ترقص إحداهن في بيتها أمام الكاميرا، فينتشر الفيديو كالنار في الهشيم، فتهب أخرى تكشف عن مهاراتها الأنثوية، وتأتي ثالثة لتُبالغ وترتدي ما يُثير، ويزيد المتفرج شغفًا.

ونحن نُشاهد ونضحك، والمشاهدات تزداد بما يقابلها من أموال، والمزايدات فى لقطات تجذب وترفع نسب المشاهدة، ثم كشف أحدهم حقيقة المال.

هو المال يا عزيزتي فى مجتمع الكادحين فيه لا يصلون لحالة من الكفاف، وذوي العلم يعانون فى كل يوم، ومجتمع يعني بالشكل علي حساب المضمون.

ماذا لو أن بعض من الثائرين حصلوا علي نفس الفرصة لجني المال بطرق سهلة؟ هل تُراهم فى ذات موقف الإدانة؟
إنها تبعات الفقر والعوز، نقائص فى النفس تزداد وتنمو تحت ضغوط احتياج يومي وتراكمي، وصيغة باهتة للأخلاق، نتوراي خلفها.

يا جيجي

نحن أمة زراعية ورغم ذلك غاب عنا أن الغرس يطرح بعد زمن، الأرض ترعي البذور وقليل من الماء سينبت شجرة أيا كان نوعها وما تُثمره.

 

إقرأ أيضًا…معركة مصطفى محمود والشيخ الشعراوي حول الشفاعة .. تاريخ تم نسيانه عن عمد

إقرأ أيضا
التربية الحديثة

التراخي الممتد عبر عقود عن قيم حقيقية، اعتماد الشكل معيارًا للحكم علي الآخرين، والأسوأ دومًا هو اعتماد معايير أخلاقية منبعها الفرد نفسه فى الحكم علي غيره، ألا تذكرين الفكرة التي شاعت فى ثمانينات القرن الماضي بسوء سلوك الممرضات، ذلك أنهن يبتن خارج بيوتهن، وكأن سوء سلوك فرد يعني صورة عامة عن فئته وطبقته، ولماذا نذهب بعيدًا يا عزيزتي أليس المثل الشعبي “الراقصة ما ترقصش فى حتتها” هو ابن ثقافتنا، ثقافة الاخفاء والتواطؤ.

تتطور التكنولوجيا وتتسع، ونحن مكبلين بقيم ليست حقيقة وليس لها جذور سوي ذكري، قيم تتغير من شخص لآخر، وقواعد تنبع من المصلحة.

نحن الذين نضحك وأطفالنا يرقصون امام الكاميرا، ونرفع الفيديو علي أحد التطبيقات، ونطلب من الأصدقاء المساعدة فى النشر، نحن الذين سنتهلل مع اول دولار نكسبه من محتوي مهما رأيناه عند الآخرين تافهًا، لكنه مجرد لعب وترفيه إذا قمنا نحن به.
تلك هي المشكلة الدائمة نمرر ما نفعله، لكننا نعاقب ونحاكم الآخرين حين يفعلون الشيء نفسه.

الآباء والأمهات الذين تهللت أساريرهم حين مدت ابنتهم يدها بمال كمكسب من انتشار فيديوهات، ورأوا فىها سندًا ودعمًا لاستمرار الحياة، وساعدوا وصمتوا وهي تقوم بالتسجيل.

هذا الغضب الهش لا يخفي عارنا ونحن نتستر علي تجريف وعينا وثقافتنا، ونحن نُدين أي فعل جاد، فنسخر من القراءة والأفلام ذات المحتوي العميق، والفن، ونحن ننحاز إلي المبانى الشاهقة، ولا نهتم بقطع الشجر.
هذا غرسنا فلماذا نلوم آكلي الثمار؟

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان