نسور النيل .. تحالف مصالح وتدريب هام لحرب محتملة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
سد النهضة… اسم يؤرق شعبين منذ عقد من الزمان، سد النهضة هو مشروع “تنموي” الغرض منه توفير الطاقة الكهربائية للشعب الأثيوبي، أو هكذا هو المعلن عنه من طرف أديس أبابا.
بعد إفشال المفاوضات هل الحل العسكري وارد؟
بطبيعة الحال استدارت رؤوس المتابعين خاصة من الشعبين السوداني والمصري من جهة دبلوماسييها إلى جهة قواتها المسلحة، في رحلة البحث عن حل أو ردة فعل مناسبة لهذا التعنت الأثيوبي الواضح. بالفعل وقبل مرور 6 ساعات تم الإعلان الرسمي عن ختام مناورات عسكرية بين الجانبين السوداني والمصري، وهي تدريبات جوية حملت اسم “نسور النيل – 2” وانطلقت من القاعدة الجوية في مروي شمال السودان.
وشاركت فيها فرقة القوات الخاصة المصرية الشهيرة ٩٩٩
اتصل الميزان بمصدر سوداني مطلع بحثًا عن تفاصيل أكثر لما دار خلال هذا اللقاء العسكري رفيع المستوى، فصرح لنا: أن المناورات لم تقتصر على سلاح الطيران بمفهومه الكلاسيكي.. إنما ضمت العمليات فرق نوعية من القوات الخاصة التي عملت محاكاة لعمليات إزالة الألغام الأرضية والإسقاط خلف خطوط العدو.
وتابع قائلًا: كما شهدت نسور النيل-2 ورش عمل لاستكشاف مدى قدرة الانسجام بين قيادتنا الميدانية ونظيرتها المصرية في حال الدخول في عمليات حربية مشتركة، وتوج اللقاء العسكري بتوقيع اتفاق دفاع مشترك يلزم طرفيه بالدفاع عن الأخر حال تمت عمليات هجومية من الخارج على أي منهما.
وبسؤاله عن البعد السياسي لهذه التحركات شدد المصدر الذي تحفظ على ذكر اسمه: مشكلتكم مع أثيوبيا هي المياه وفقط أما نحن فهي مشكل ماء وأرض، فبشكل أساسي هناك أزمة ترسيم الحدود والخاصة بمنطقة الفشقة.. وإذا تطور الأمر قد يصل الأمر للحديث عن منطقة بني شنقول.. وهي المنطقة التي يقام عليها سد النهضة.
باختصار إحنا وأنتم محتاجين بعض جدًا والحظ جعل العدو المحتمل واحد، فمصر بدون السودان قوة باطشة لكنها مقيدة بما يمنعها من الدفاع عن أمنها القومي المتمثل في مياه النيل. والسودان يريد حليف قوي ذو ثقل أقليمي للتغطية الدبلوماسية والعون الحربي حال فشل مفاوضات ترسيم الحدود وأنزلاق الأمر إلى قتال، لأن الدولة فقيرة والحرب مكلفة.
وبسؤاله عن مدى أمكانية إثارة مسألة أراضي بني شنقول أجاب: إثارت هذه النقطة تحديدًا مرتبطة بنقض أتفاق رسم الحدود، لكن النقطة الأقرب لإثارة حرب هي التصرف الفردي في حجز المياه خلال الخريف القادم.
اختتم السياسي السوداني حديثه وتركنا داخل واقع متشابك ومخيف، وأمام تساؤل محير.. هل حروب الماء ستبدء على ضفاف أطول أنهار العالم؟
لنتذكر
دارت مفاوضات كثيرة حول عملية بناء السد ومدة ملأه وكيفية إدارته في المستقبل، عشر سنوات جرى فيها الكثير من الأحداث.. فعلى المستوى السياسي شهدت مصر تغيرات سياسية واسعة وفترة سيولة حتى استقرت الأوضاع بوصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدة الحكم. أيضًا شهد السودان حالة مثيلة وتغيرت القيادة من الرئيس المخلوع عمر البشير إلى رئيس الحكومة الانتقالية عبد الله حمدوك، وعلى الجانب الأثيوبي شهدت البلاد مؤخرًا إضطرابات سياسية وعرقية.
هذه التطورات والتوترات وحالة عدم استقرار في البلدان الثلاثة أستغلتها الإدارة الأثيوبية بشكل كبير خلال مشوار المفاوضات، ففي مصر انطلقت ثورة يناير 2011 ومن خلفها موجتها الثانية في 30 يونيو 2013، شهدت البلاد خلالها عام كامل من تسيير الأمور عبر المجلس العسكري حتى تم تسليم السلطة فشهدنا عام من حكم جماعة الإخوان المسلمين التي جاء تعاملها مع ملف السد في غاية الهزلية، فمن ينسى الاجتماع السري المذاع على الهواء مباشرة، تلاهم عام ثالث من تسيير الأعمال من خلال رئيس مؤقت، المستشار عدلي منصور.
في السودان بدأت المفاوضات تحت قيادة الرئيس المخلوع عمر البشير ونظامه صاحب العلاقة المتوترة مع الإدارة المصرية والقريبة نسبيًا مع النظام الأثيوبي، ما ظهر بوضوح خلال تلك المرحلة من المفاوضات في صورة مَيِل سوداني “رسمي” لصالح الجانب الأثيوبي، بروزه البشير خلال زيارته للعاصمة الأثيوبية في إبريل 2017 بقوله: إن التكامل مع أثيوبيا يشمل كل المجالات العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية، موضحًا أن أي تهديد لأمن أثيوبيا هو تهديد مباشر لأمن السودان.
شهدت أيضًا أثيوبيا انتفاضة شعبية كبير بدأت باحتجاجات لقومية الأورومو واتسعت لتشمل كافة أقاليم البلاد وانتهت بتغيير رأس النظام، حيث استقال رئيس الوزراء هيلي ماريام في فبراير 2018 ليقسم آبي أحمد القسم الدستوري بعد قرابة الشهرين ليكون أول رئيس حكومة أثيوبي ينتمي لعرقية الأورومو.
خلال ولاية رئيس الوزراء الأثيوبي السابق هيلي ماريام استغلت الإدارة الأثيوبية الوضع الداخلي لطرفي التفاوض، السودان ومصر، في اتخاذ خطوات أحادية الجانب.. بداية من الشروع في بناء السد وصولًا لتحديد مواعيد التشغيل ومدة ملأ البحيرة خلفه.
لم يختلف الأمر كثيرًا مع وصول آبي أحمد، فقط انقلب الحال لكن بقى التوجه الأثيوبي كما هو لكن لأسباب مختلفة، واجهت الإدارة الأثيوبية الجديدة العديد من الأضطرابات الداخلية أخطرها مقتل المطرب المشهور هاشالو هونديسا في يوليو 2020 وما تلاه من احتجاجات واسعة وأعمال شغب كبيرة راح ضحيتها عشرات القتلى، ثم أزمة أقليم التجراي في نوفمبر من العام نفسه. وفي المرتين استخدم ورقة ملف سد النهضة لخلق حالة من الألتفاف الشعبي خلف قيادته السياسية.. ما دفع المفاوضات دفعًا إلى طريق مسدود.
عملت الإدارة الأثيوبية على المراوغة طوال مراحل التفاوض.. فتارة ترفض الاحتكام للأمم المتحدة وتدعو لما أسمته الحوار الأفريقي-الأفريقي (فعلتها في اللحظة الأخيرة من المفاوضات)، ثم في عز توتر العلاقات بين القاهرة وأنقرة تقترح الوساطة التركية، وها هي تهدر شهور طويلة من التفاوض خلال جولة المفاوضات الحالية في العاصمة الكونغولية كينشاسا (على مستوى وزراء الخارجية).
حيث رفض الجانب الأثيوبي أي إلزام له بتدريج ملأ السد أو الإدارة المشتركة أو أي شئ، في توجه واضح لإفساد الجولة الحالية.. ما يعني الخروج صفر اليدين والعمل عبر الاتحاد الأفريقي لتحديد موعد لجولة جديدة، والتي ستكون بلا فائدة بحلول فصل الخريف (موسم الأمطار) وعيون السد مغلقة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال