نظرة الإسلام إلى التحرش “اعتبره أربى الربا ووضع له مستويين للحل”
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يمكن أن يكون مصطلح التحرش حديث نسبيًا، أما فعل التحرش نفسه فهو قديم قدم التجمعات البشرية فهو ليس ابتلاء حديث ابتليت به المجتمعات نتيجة تغير نمط الحياة من زحام وفقر وتأخر سن الزواج وخروج المرأة للعمل وغير ذلك.
التحرش في العصر النبوي وما يؤخذ من الآيات
في عهد النبوة وبالتحديد داخل المدينة المنورة ، حدثت هذه الجريمة النكراء فلقد كانت بيوت المسلمين والعرب في ذلك الزمان لا يوجد بها مكان لقضاء الحاجة وكانت العرب تأنف من اتخاذ الكنف داخل البيوت استقذارًا.
اقرأ أيضًا
منابع التحرش .. كيف تعلم الرجال ” للأسف” أن التحرش فضيلة؟
في الصحيحين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: “وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا”، وكانوا يقضون حاجتهم في الخلاء البعيد عن البيوت، وكانت النساء تنتظر قدوم الليل ليخرجن للخلاء وكانت طرقات المدينة ضيقة فيجلس بعض ضعاف النفوس في هذه الطرقات الضيقة المظلمة ويؤذون النساء تارة بالقول وتارة بالتحرش بهن ، فنزلت آيات تحث المؤمنات على إدناء الجلباب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) [الأحزاب: 59].
قد عنفهم الله عز وجل في الآيات التالية: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً ) [الأحزاب: 60]، فالمرض الذي في القلوب هو شهوة الزنا وحب الفجور كما قاله المفسرون.
كما أن الشريعة الإسلامية وصفت التحرش بأنه «أربى الربا»، فهو أشد جرمًا من الربا وأكل أموال الناس بغير حق ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا، الِاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ» رواه أبو داود.
بين مستويين .. كيف نظر الإسلام إلى حل التحرش
اعتبر الإسلام فعل التحرش جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب وفعل من أفعال المنافقين، وقد توعد الإسلام فاعليه بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا» (الأحزاب: 58).
وبالنظرة لهذه الإعتبارية فإن أسباب انتشار التحرش في العصر الحديث ضعف الوازع الديني الذي يمنع صاحبه من مجرد النظرة الفاحشة و ارتفاع سن الزواج نتيجة لأسباب كثيرة يأتي على رأسها الفقر، على أن التبرج والزحام والفقر ليست هي أسباب التحرش فقط رغم تأكيد الدين الإسلامي على الحشمة، وإلا لماذا يتم التحرش بالأطفال ؟.
روى الإمام أحمد في مسنده «أن فتى شابا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا!، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه ، فقال : ادنه، فدنا منه قريبا، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟، قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك ، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، قال: أفتحبه لابنتك؟، قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه جعلني اللَّه فداك ، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمّتك ؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال أفتحبه لخالتك؟ قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم قال: فوضع يده عليه وقال: اللَّهمّ اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحَصِّنْ فرْجَه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء».
إذن يمكننا الحديث عن الحل الإسلامي على مستويين: الأول هو الوقاية ومنع التحرش من المنبع ، والمستوى الثاني هو علاج المشكلات القائمة بالفعل.
فمنهج الإسلام في الوقاية هو منهج متكامل دعامته الأساسية الخوف من الله سبحانه والسعي لمرضاته ووجود ضمير يقظ يخشى الله ، لا أعين البشر فعندما يتكون هذا الضمير سوف ينقاد بسهولة للأحكام ولن يجد أي صعوبة في تطبيقها ومنها غض البصر، فإطلاق البصر مصدر كل شر وبلاء (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور: 30]؛ والخطاب نفسه موجه للنساء (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور: 31].
كما أن تيسير أمر الزواج في المجتمع عن طريق تقليل النفقات فيستطيع الفقير أن يعف نفسه بدلا من حالة الاحتقان الذي يعيشها والتي تضغط عليه حتى يجد متنفسا لها في الحرام.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال