نظرة وكنت أحسبها سلام وتمر قوام.. ما فعله بيرم التونسي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
على مقام الصبا، وأول لحن يجمع بين زكريا أحمد وأم كلثوم بعد القطيعة، يقدم لنا بيرم التونسي درسًا نقرر جميعا بإرادتنا الحرة أن نتجاهله تمامًا، هو صحيح الهوى غلاب؟! السؤال الذي نسأله لأنفسنا حتى اليوم وقد سأله وبيرم التونسي قبل ذلك عام 1960، ولكن رغم إجابة بيرم التونسي المثالية على السؤال، ظل وجوديا ومطروحًا حتى الآن
وكل مادا حلاوته تزيد
يقدم بيرم درسه من منطلق الراوي، الحكيم العليم بالأشياء يعتلي المنصة ويجذب مسامع جمهوره بسؤال صادم، هو صحيح الهوى غلاب؟! واستدراك للسؤال بمعرفش أنا، لينتقل بعد ذلك ليتباسط في الخطاب قائلا “والهجر قالوا مرار وعذاب واليوم بسنة؟!” تخيل أن تلك الجملة قربت القصيدة من رجل الشارع العادي ونزلت بالأغنية لمستوى أكثر يسرا وسلاسة وبساطة في العامية والفضل في كلمة “قالوا”.
ولكن الأهم انه لم يقف هنا بل يبدأ القصة والدرس مباشرة وكأنه يحذر المستمعين، يضع نفسه حالة يشرح بها درسه، يقدم خبرته الحياتية على مرأى ومسمع من الجميع، ليبدأ بكيفية إصابته بالحب ونتيجة ملخص للدرس كاملا في كوبليه واحد ويختمه بأهم جملة تبرر أن هذا الدرس سينساه الجميع بعد ذلك ” وإزاى يا ترى أهو ده اللي جرا وأنا معرفشي”
أتاري فيها وعود وعهود وصدود وآلام
يتلاعب بيرم بجمهوره يحذرهم بشكل أكثر حزما وشده، كأنه يمسك أفعه في يديه فيريهم كم هي جميلة وجذابة ” نظرة وكنت أحسبها سلام وتمر قوام” ثم يشرح لك لماذا هي قاتلة يظهر لك نابيها بل يدعها تلتهم فأرا بريئا أمام أعينهم ليدركوا أنها قاتلة “عهود لا تصدق ولا تنصان”
الأهم من ذلك أنه يبلغ جمهوره بعدما تحلقوا حوله جالسين يستمعون مندهشين لما يسكبه في عقولهم من خبرة حياته مع الهوى، أن يذكرهم كل مرة أن ما حدث له سيحدث لهم حينما يحيل إلى القدرية مرة “وإزاى يا تري أهو ده اللي جرا” ثم يخبرهم كم أن مفعول السم رغم أنه قاتل إلا أنه يسبب لكم نشوة تدفعكم لـإدمانه ” وبدال ما أقول حرمت خلاص.. أقول يارب يزيدني كمان”
وعلى المكتوب ما يفيدش ندم
وفجأة ينتقل بيرم بجمهوره من الحديث للرثاء عن الذات فينفصل عنهم محدثا نفسه كأنه يلومها ” يا قلبي أه الحب وراه أشجان وألم” ثم يعدد محاولا هروبه ومحاولات خلاصه من هذا الشرك وهذا الإدمان القاتل “وأندم وأتوب” ولكن في النص الثاني يقر بقدرية الهوى وأنه قدر لا فكاك منه “وعلى المكتوب ما يفيدش ندم” هذا العذاب مكتوب ومقدر ولن يمنعه الحذر إطلاقا.
ثم يستكمل رثاءه لنفسه بإعطاء مبرر لها، ويأكد أيضا على فكرته أن الحذر والإرادة ليس لهم حيله أمام الهوى، “ياريت أنا اقدر أختار ولا كنت أعيش بين جنة ونار” حتى قدرته على تقرير مصيره بيده معدومة نهائي، فكأنما هو فخ حالما تقع فيه فلا تخرج منه إطلاقا، والأدهى أنك ستقع فيه لا محالة.
بل إنه يترك لنا نصيحته الأهم، أينما تكونوا يدرككم العذاب ” لقيت دواه زود في آساه” حتى الترياق القادر على الشفاء يؤلم أكثر من السم نفسه.
هو صحيح الهوى غلاب تلك الغنوة التي تدرك من خلالها أن الحب وآلمه ما هو إلا عملية سيزيفية على أكمل وجه، تقع في الفخ وتصاب باللدغة فتتألم فتحاول الوصول للعلاج فتتألم في رحلتك تتناول الدواء فيسبب لك آلما أكبر، هكذا دائرة لا تنتهي، دائرة تبدأ من نقطة وحيدة “نظرة وكنت أحسبها سلام.. وتمر قوام”.
إقرأ أيضاً
مات يوم عيد الأقباط والمسلمين.. الأيام الأخيرة في حياة بيرم التونسي
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الله عليك. تحليل في غاية الجمال