رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
268   مشاهدة  

نيتشه في الميزان (الجزء الأول)

نيتشه


يقول كافكا : إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا، فلماذا نقرأ الكتاب إذن؟، كي يجعلنا سعداء كما كتبت؟…..يا إلهي، كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب، والكتب التي تجعلنا سعداء يمكن عند الحاجة أن نكتبها، إننا نحتاج إلى تلك الكتب التي تنزل علينا كالصاعقة التي تؤلمنا، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا، التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا إلى الغابات بعيداً عن الناس، مثل الانتحار.
على الكتاب أن يكون كالفأس التي تحطم البحر المتجمد في داخلنا، هذا ما أظنه.

..وصدق العقاد حين قال : إن خير لي أن أقرأ الكتاب ثلاث مرات من أن أقرأ ثلاثة كتب

نيتشه

كانت تلك المرة الرابعة التي فيها اقرأ “هكذا تكلم زرادشت”، وعلى دخان الشاي وأنا أكاد أنهي قراءة الكتاب همست : نيتشه أنت معشوقي.

كان من أروع ما قرات عن نيتشه ما كتبه ميخائيل نعمة: “عاش نيتشه وحده، ومات وحده، فكان عظيمًا في حياته، وكان وسيبقى عظيمًا في مماته”، أما عني فإن تحدثت عن نيتشه فسوف أكتب مجلدات ولن استكمل ما أريد قوله وكتابته.

نيتشه

ما أريده الآن منك يا صديقي أن تفسح لي مكانًا بجوارك على تلك الأريكة الوثيرة، وأن تسمح لي بالإسترسال في أفكاري، وإطلاق أناملي على لوحة مفاتيحي لأقدم لك بعضًا من شروح فلسفته وملخصًا لأفكاره وما قد كُتب عنه، ولك مطلق الحرية بعدها في انتقاد آرائي ورفضها وتكفيري وتكفير نيتشه واتهامنا بالخبل والخرف، ليس انتقاصًا منك ومن رأيك، ولكنني هنا وفي هذا المقال الذي سوف أنشره على جزئين أريد فقط توضيح فلسفة ذلك الرجل الذي ظُلم ظلم بيّن واتهم بالجنون والصقت به العديد من الإتهامات الباطلة.

دعني أخبرك مقدمًا ان موقفي من نيتشه وعشقي له ليس تأليهًا أو تقديسًا لفلسفته وأراءه، فأنا أمقت التقديس والتأليه لأي بشري كان، ولكنني فقط حين أتمعن في كلماته أراني، وأراه مرآة لأفكاري في فلسفته التي اعتمدت على اسقاط القدسية عن كل شئ، وكان أساسها البناء بالهدم ،وإنني مثله أري أن كل خطوة يتقدم بها البشر هي نتيجة للقدرة على الهدم بمعول العقل، العقل الذي يرى العالم في تغيير دائم ومستمر، ومن هنا جائت جاذبية فلسفة نيتشه وقوتها، وكما يقول ألبير كامو وهو يتحدث عنه بحب وعمق عظيمين : “مع نيتشه تغدو العدمية نبوية، وفيه تصير لأول مرة واعية، وقد تفحصها وكأنها واقعة سريرية، وقد شخص في نفسه ولدى الآخرين عجزاً عن الاعتقاد وزوال الأساس الأول لكل إيمان، أي الاعتقاد بالحياة، وبدلاً من الشك المنهجي، مارس النفي المنهجي والتدمير النظامي لكل ما يحجب العدمية عن نفسها. ويقول أيضا : من يشاء أن يكون خالقاً، سواء أفي الخير أم في الشر، فعليه أولاً أن يكون هداماً” من كتاب معجم الفلاسفة لجورج طرابيشي.

إنني احترم عقلية نيتشه ولكنني لا أقدسه، بل أرى أحيانًا في فلسفته بعض العوار، مثل ازدرائه للديمقراطية، كأفلاطون والذي صرح بأن الديمقراطية أسوأ نظام للحكم بعد اتهام وإعدام معلمه سقراط، وقد وصف أفلاطون تلك المحاكمة التي حوكم بها سقراط بإنها كمحاكمة طبيب حُكم عليه من جانب مجموعة من القضاة الأطفال.

وكذلك من العوار في فلسفة نيتشه رأيه السلبي في المرأة من خلال  تجربته الشخصية ونظرته المحكومة بصورة المرأة في عصره، حيث وصفها بأنها نصف البشرية الضعيف المضطرب المتقلب المتلون وأنها كائن غير قادر على الصداقة، ومقولته : “إذا ذهبت إلى المرأة فلا تنسى السوط”، وتأكيده على أن حب المرأة ينطوي على تعسف وعمى بصيرة عن كل ما لا تحبه، ومثله في ذلك ارسطو الذي كان يقول: “إن المرأة من الرجل كالعبد من السيد، وكالعمل اليدوي من العمل العقلي”

 ولكن هذا لا ينفي أن نيتشه كان مفكرًا عظيما، فجميعنا نرى أن أرسطو مفكرًا عظيمًا ومعلمًا للبشرية كذلك، أبيقور نفسه عندما وجد امرأة تتعلم قال: “هذا الرجل يسقي الأفعى سمًا” وذلك بعدما جاء فيثاغورث ونادى بتعليم المرأة وأحرق له اليونان وهم في قمة مجدهم مدرسته، وكذلك فإنك تقرأ لتوفيق الحكيم وقد أطلق عليه عدو المرأة وتشاهد أفلامه أيضًا وتراه أديبًا عبقريًا.

اذن لا شأن لنا برأي نيتشه في المرأة، ولنحييه جانبًا ودعنا في الأسبوع المقبل نبحث في فلسفته التي أجدها تتشابه جزئيًا مع فلسفتي ماركس وسقراط، والتي كانت قريبة إلى فهم البشر لأنها تتمحور حول الإنسان كقضية.

إقرأ أيضا
قلب بركاني

ولأن الفلسفة لا تستطيع بناء عالمها إلا باللغة، لذا فقد كانت لغتهم قريبة من فهم الناس وتتلمس ما يحيط بهم وتتناول أسئلة كثيرة في حياتهم، فطرح نيتشه مثلهما أسئلة مقلقة ومزعجة على الفكر وعلى الدين والأخلاق والمجتمع وقيم الخير والشر.

دعنا نناقش مقولته “مات الإله” التي تزعج البعض، وكذلك تهمة التنكيل باليهود التي يعتقد البعض أنها كانت وليدة لأفكاره وأن الحركات الديكتاتورية مثل النازية والفاشية قد بُنيت على فلسفته!!

ولكن دعنا نناقش ذلك في الأسبوع القادم……

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان