هاني المصري .. الدب “كيمو” يحكي عن صاحبه الذي أبدع في ديزني
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
الراوي لا يموت، يظل صوته يتردد في الآذان، يذكرنا بأجمل الحكايات، ونسمع صوت محبيه يرون مواقف وقصص ربما لم نكن نعرفها عنه، ليكن المحب هو الراوي، ليكن دبًا أزرقًا لم ينس صانعه رغم الرحيل الكبير، ليكن كيمو الذي قرر أن يحكي لنا قصة صديقه الفنان هاني المصري.
ومما روى لنا الدب عن صاحبه هاني المصري:
طفل يجلس في غرفته بصحبة ورقة ومجموعة من الأقلام، يرسم ما يحلو له فيشعر بالسعادة، يدرك حينها أنه يستطيع أن يصنع عالمه الخاص من خلال الرسم، وأن الرسم له ليس مجرد هواية لكنه حياة قرر أن يعيشها.
يعشق مشاهدة الأفلام إلى حد «التزويغ» من المدرسة، يخدع مُعلميه ويتظاهر بأنه مريض وعليه الآن أن يرحل ليذهب لطبيب الأسنان، تنجح خُطته المحكمة، ويُسمح له بالرحيل، فيذهب للسينما لمشاهدة فيلم “Jungle Book”.
5 مرات متتالية يشاهد فيها نفس الفيلم دون ملل، يمر الوقت دون أن يشعر، تتجاوز الساعة الـ 1 صباحًا، يعود إلى منزله، ليتلقى «علقة» ساخنة من والده.
لم يكن ما سبق صِدام هاني الوحيد مع أسرته، فعلى عكس رغبة الجميع ترك كلية «الهندسة» للالتحاق بكلية «الفنون الجميلة»، الأمر الذي حارب من أجله بضعة أشهر.
حكاية المعركة
يلتحق هاني بكلية الفنون الجميلة في أواخر الستينات، تتسع دائرة أصدقائه، وتبدأ صداقته بعبد العزيز الحسيني، رئيس اتحاد الطلاب.
يحكي «الحسيني»: لم نكن مجرد أصدقاء، جمعتنا أفكار وأعمال كثيرة داخل الكلية، نظمنا العديد من الإضرابات والاحتجاجات من أجل حقوقنا كطلاب، وتطوير الدراسة والمناهج، نجحنا في وضع لائحة للكلية، ورفضنا بشدة كل أشكال الانحياز في تقدير الطلاب لأسباب غير الدراسة، هاني لم ينضم للاتحاد إلا بعد إيمانه إن الاتحاد يقوم بدور جيد ومؤثر بالفعل.
– من أهم المواقف التي جمعتني بهاني «أتيليه» أقامناه أثناء حرب أكتوبر 1973 تحت اسم «المعركة»، وشارك فيه هاني بشكل أساسي، واستدعينا أوائل دفعات الكلية لعمل معرض يضم لوحات عن المعركة، انتشرت التصميمات التي قمنا بها على شكل بوسترات وكروت في الشوارع.
– زُرنا الجنود المصابين، أهدينا لهم أعمالنا، واقترحنا على القوات المسلحة أن نزين جدران معرض الأسلحة والدبابات ومعدات الحرب بالرسم عليها، وذلك بالتنسيق مع الكلية، وتم اعتبار هذا العمل مشروع يحصل من خلاله الطلاب علي درجات.
– قام وزير الدفاع -حينها- الفريق أحمد إسماعيل بتوجيه التحية لنا على هذا المشروع.
لقاء
تحكي زوجته الفنانة منى نوير: عرفته زميلًا في كلية الفنون الجميلة لمدة خمس سنوات، لم نفترق، كان ملهمي ومعلمي وكان حبي الأول، وأصبح زوجي ورفيق الشباب لمدة عشرين سنة وشركاء في كفاح مشترك، وغربة لمدة تسع سنوات.
– أنجبنا ابننا الوحيد شريف، ثم أخذت الحياة كلا في طريق مختلف، ولكننا أبدًا لم تنقطع علاقتنا كنا أصدقاء قبل كل شئ وبعده.
– إنسان وفنان لا يتكرر، هاني المصري رحمة الله عليك أنت في قلوبنا.
رحيله عن مصر
عقب تخرجه عمل مصممًا للديكور لعدد من المسرحيات: إيزيس، إنها حقا عائلة محترمة، يا مالك قلبي بالمعروف، العيال كبرت، وقام بعمل الإعلان الدعائي لـ شاهد ماشفش حاجة.
يشهد عام 1986 وفاة اثنين ممن اعتبرهم هاني معلميه (الشاعر صلاح جاهين – المخرج شادي عبد السلام)، كما كان لحرق النسخ الشعبية من كتب «ألف ليلة وليلة» أثرًا سيئًا عليه، بالإضافة إلى عوامل أخرى دفعت هاني لقرار السفر والبحث عن عمل خارج مصر.
ويقول هاني: بعد كل هذه الأحداث شعرت إنني أفقد توازني تمامًا، كنت محتاج أن أتعلم أكثر، فقررت السفر والبحث عن عمل بالخارج، غادرت مصر بصحبة زوجتي ونجلي الصغير، وسافرت أمريكا بتأشيرة سياحية ثم كسرتها وبقيت هناك.
كهف ديزني المظلم
قضيت 4 سنوات أعمل لدى «والت ديزني» في باريس، كنت حينها رئيس قسم الكتابة والابتكار، وعندما عدت إلى كاليفورنيا عام 1993، أصبح لدي مكتب داخل صالة صغيرة، كان بجوار حجرتي، مكتب يشبه الكهف المظلم، ينبعث منه دخان كثيف، خرج منه رجل ضخم طرق باب غرفتي ليعتذر لي عن سحابة دخان سجائره، أخبرته حينها: «رغم أنني غير مدخن، إلا أن هذه الرائحة مريحة بالنسبة لي ولم تضايقني»، اسمي كريج ، ليبتسم لي هاني المصري وتبدأ صداقتنا. «كريج فلمنج»
ويحكي «كريج»:
– قررت أن أكون صديق لهذا الرجل، وأعتقد أنني كنت الموظف الأول الذي قرر بكل سعادة التعايش مع عادة هاني في التدخين ودخانه الكثيف، بل قمت مثله بإزالة تلك اللمبات الزرقاء القبيحة الأمر أسعده كثيرًا.
– كنت أتردد على كهفه المظلم كثيرًا، وكذلك هو كان يزور مكتبي، تحدثنا عن كل شيئ، هاني كان إنسان عطوف ورحيم جدًا، يهتم بمن حوله ويحاول مساعدته، وأذكر أنه خلال فترة صداقتنا لاحظ أنني غير سعيد بالعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، وأشرب القهوة بشراهة، فأرسل لي رسالة مدونة على أحد أوراق «ديزني»، يطالبني فيها الاهتمام بصحتي.
– في السنوات الأخيرة وبعد أن رحل لم نكن نتصل ببعض بشكل كبير، بدأ هو يدون حكاياته باللغة العربية، وكنت استخدم ترجمة جوجل لمتابعة أحواله والاطمئنان عليه، الأمر كان صعبًا.
-هاني كان يدعو بكل طاقته للرحمة والحب والعقلانية وتقبل الآخر، كان رجل حكيم.
رسالة
«رسالة» عبر بريده الإلكتروني لم يقرأها هاني إلا بعد 6 أشهر، بسبب مرضه وسفره لإجراء جراحة في أمريكا، يعتذر على تأخره في الرد، ويطلب مقابلة الفتاة، لتبدأ رحلته مع أصدقاء جدد في الإسكندرية.
وتروي مي الوكيل -صاحبة الرسالة- عام 2011 كنت أعمل على «الماجستير»، حول تصميم المدن الترفيهية مثل «ديزني»، وكنت أُجري لقاءات مع معظم المصممين الذين عملوا لدى ديزني، وأرسلت لهاني رسالة أطلب منه إجراء لقاء معه، وبالفعل رحب هاني، وأجريت لقاء معه على مدار يومين.
– فاجئني هاني المصري بصدقه وطيبته الشديدة، تحدث عن كل شيئ دون قيود أو حرج خاصة عن نفسه، كان لا يخجل من التحدث عن عيوب شخصيته قبل مميزاتها.
– تكررت الزيارات وأصبح هاني صديقًا مقربًا لي ولزوجي ولأصدقائنا، بل أصبحنا معروفين بـ «شلة هاني المصري بالإسكندرية» أو أولاده، أصبحت السمك أكلته المفضلة، ولقاؤنا بأحد مقاهي المنشية لقاء يتكرر كثيرًا ويشهد «ضحك وهزار» لا ينتهيان.
– أشكرك يا هاني لأنك علمتني الكثير، لأنك حضرت فرحي رغم إنك لست من هواة حضور المناسبات الاجتماعية المزدحمة، وابتسم كلما تذكرت مساعدتك في اختيار ونقل أثاث منزلي.
يبكي ويضحك
يجلس هاني وأصدقائه على المقهى المفضل لديهم في الإسكندرية، تمر فتاة يبدو من كلامها أنها سورية، تطلب منهم أن يساعدوها، بمجرد أن ترحل الفتاة يبكي هاني بكاء طفل فقد عزيزًا عليه، يبكي دون خجل، يبكي ما استطاع.
ويقول عن الموقف صديقه الشاب هاني منسي -صديق من الإسكندرية- عندما سألت هاني لماذا يبكي كل هذا البكاء؟ أجاب مستنكرًا: كيف وصلنا إلى هذا الوضع؟ كيف يتم تدمير شعب يمتلك ثقافة وتراث عظيم بهذا الشكل المؤلم؟!
– هاني كانت أبسط الأشياء تسعده وتجعله يضحك بشكل هيستيري، فكان يضحك على نفس «النكتة» حتى وإن كان قد سمعها آلاف المرات، وأبسط الأمور أيضًا تجعله يبكي ويتألم، ولا يمكن أن أنسى ضحكاته أثناء جلوس صديقه أحمد عبد الرحمن معنا، كان هذا الرجل أكثر من يضحكه.
ويروي «منسي»، اتصل بي هاني يومًا وطلب مني أن أمكث معه بضعة أيام بمنزله، نظرًا لتعبه الشديد، بالفعل ذهبت إليه، وخصص لي مكانًا أصبح فيما بعد بمثابة منزلي الصغير كلما قصدت القاهرة، وفي يوم طلب مني أن أساعده في ترتيب محتويات صندوق لا يعرف ما بداخله، واكتشفنا أنه بداخله ورق خاص بالشغل الأصلي للأفلام التي شارك في صناعتها، وحدثني هاني حينها عن معظم أعماله وتفاصيل كل منهم، علمني خلال 3 أيام الكثير، واكتسبت خبرة واسعة لم أكن لاكتسبها من شخص غير هاني المصري.
وفي آخر أيام زيارتي له، أراد أن يزور أحد أصدقائه لكنه لم يكن قادر على ارتداء حذائه، وبعد محاولات عديدة طلب مني والخجل قد سيطر على جسده أن أساعده، وأخذ يعتذر كثيرًا عن الأمر، قلت له حينها إنني سعيد بمساعدة معلمي، والآن أقول له: تعلمنا منك الكثير، وسنظل نتذكرك دائمًا.
في أمل
رغم مرض الجسد، رغم حزنه الشديد على أوضاع الوطن العربي خاصة مصر، رغم كل شيئ ظل هاني متمسكًا بالأمل، ويحكي لنا راوٍ آخر (مينا شنودة) عن قصته مع هاني المصري، حيث يلتقي به في عام 2014 ويسأله: تفتكر فيه أمل؟!
يستعجب “المصري” ثم ينظر لـ “شنودة” مبتسمًا: طبعًا في أمل.
– التقيت بهاني مرة أخرى، ووقع لي على صورة قمت بتعليقها على الحائط، وطلبت منه أن يرسمني أو يرسم صورة جديدة مثل الذي وقع لي عليها، فضحك قائلًا “don’t push your luck”.
– قبل وفاة هاني كنت أنظر إلى الصورة فأسمع صوته يقول “طبعاً في أمل”، أما الآن أتذكر قوله: “don’t push your luck”، أتذكر أنه كان يجب علي أن أجازف وأطلب أن أجلس معه أكثر مما جلست.
هاني المصري (رسام ومصمم)، ولد عام 1951، عمل لدى «والت ديزني»، و«ورانر بروس»، ومن أبرز الشخصيات الكرتونية التي ابتكرها «كيمو» الدب الأزرق، وتوفي عام 2015، بعد انتصاره على مرض سرطان الدم.
الكاتب
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
الله يرحمه من أعظم وأروع وأحب الشخصيات التي عرفتها إلى قلبي استاذ هاني ديفيد المصري تعلمت منه الكثير