مسلسل النهاية .. كيف يتغير الزمن ولا تتغير اللهجة ؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
إلى صناع مسلل النهاية .. تخيل معي أننا في عام 1900 ، حين كان الناس يقولون : ممنون يا هانم .. يا مادموزيل .. يا محمد افندي .. بنسوار .. بونجور .. سعيدة .. سعيدة مبارك .. وفي هذا الوقت أصدر أحد الأدباء كتابًا يتوقع فيه شكل الدنيا عام 2020، هل كنت ستصدق أن حوارًا بين اثنين في هذا الزمن ، يكون طبق الأصل ما تقوله الآن ؟
ولماذا نذهب بعيدًا؟ .. عندك مثلًا اللهجة سنة 2000 ، هل هي نفس اللهجة الآن ، ألم تختفي مصطلحات وتخرج مصطلحات أخرى ؟ ، ألم يتغير إيقاع الكلام إلى الأسرع ، أو تظهر كلمات جديدة من الأساس ، ألم تتأثر اللهجة بالتطور التكنولوجي فتغيرت بالضرورة ، ألم تظهر مصطلحات مثل “اشطا .. دوس” ؟
في مسلسل النهاية يبدأ يوسف الشريف مشهده الأول بالضغط على زر شاشة وهمية لينطق صوت : المهندس زين .. التاريخ 7 أغسطس 2120 ” ما يعني أننا بعد مائة عام من الآن ، والصوت ينطق كأصوات خدمة عملاء شركات الاتصالات ، واستمر المهندس زين بالحديث مع زوجته وزميله في العمل وثلاثة من جهة التحقيق معه في العمل ، يتحدث وكأنه في عامنا الحالي ويجلس معك على المقهى ، وهي ملاحظة كبيرة غفلها فريق العمل
الخطورة هنا ليست في عدم استخدام تقنية اللهجة فقط في تصور العالم في المستقبل، المشكلة هنا أن اللهجة لها عامل رئيسي في تكوين طريقة تفكير المشاهد ورسم خياله عن العالم بعد مائة سنة بالتحديد من وقتنا الحالي ، ما يجعل الأمر أشبه بالكوميديا ، كيف لرجل يبيع أجزاء من بعض المواتير التي تعالج جسد الإنسان للمساهمة في علاجه ، ثم يحدثك بعامية وسط البلد ! ، ولست منجمًا كي أخبرك أن الزمن حين يتطور يتطور بشكل كامل ، في صورته وصوره وكلامه مصطلحاته وكل شئ !
عمرو عبد الجليل مسلسل النهاية
يقول كلير بارني : لم تصنع اللغة من أجل الاعتقاد فيها ، وإنما من أجل الخضوع إليها .. وهو الأمر الذي يعبر لك عن الإشكالية التي سيخلفها مسلسل النهاية في خيالك عن الدنيا بعد مائة عام من الآن ، وهو تخيل منقوص ، أو ربما تكون طريقة تعمد استخدامها فريق العمل لكي يسهل على المشاهد تمرير العالم الجديد الذي يعيش فيه المشاهد مع المسلسل ، ولكنها في النهاية طريق مبتور لتوصيل الخيال إلى باب عقل المشاهد ، وعلى المشاهد أن يعلم أن فريق العمل وإن كان بارعًا في حبكة القصة ، التي لازلنا في طور الحكم عليها نظرًا لأنه لم يعرض إلا حلقة واحدة، وإنما اختيار لهجة عام 2020 لوصف الحياة في عام 2120 هو أمر مغالط للعقل ، وللفكر ، فاللغة واللهجة لا تنفك عن الفكر ، وربما تؤثر على الخيال وتغيره وتشوش على الصورة الكاملة للتصور ، وستكون ورطة كبيرة إذا ربط المشاهد بين ما يسمعه وما يراه في هذا المسلسل .
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال