همتك نعدل الكفة
584   مشاهدة  

هتلر في الميزان.. كيف عبّد العقاد الفكر الحر في عنفوان النازية

هتلر في الميزان
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



يعرفنا عباس العقاد عن نفسه في سيرته الذاتية فيقول «الإنسان إنما هو ثلاثة أشخاص في صورة واحدة، الإنسان كما خلقه الله، والإنسان كما يراه الناس والإنسان كما يرى هو نفسه ، فمن هؤلاء الأشخاص الثلاثة هو المقصود بعباس العقاد»، ومن قال أنني أعرف هؤلاء الأشخاص الثلاثة معرفة تحقيق أو معرفة تقريب، فهمت شيء يسمى المستقبل فلم أعرف أملا في حياتي غير صناعة القلم، وقد نكبت هذي البلد المسكين بداء الاستبداد القديم، ولقد حاربت الطغيان وحاربت الفوضى، حاربت مذاهب الهدم والبغضاء حاربت الأحزاب وحاربت الملوك والمستعمرين لقد حاربت جميع هؤلاء فالتقى على محاربتي أناس من جميع هؤلاء الحمدلله على عداوة هؤلاء و وقانا الله شر الرضا من هؤلاء ».

وهب العقاد نفسه كان للمعارك الفكرية الكبرى، ودفع ثمنا كبيرا لهذه المعارك منها أنه فقد وظيفته في وزارة الأوقاف نتيجة معركة من المعارك.

عباس العقاد

كما فقد كثيرا من أصدقائه نتيجة العديد من المعارك وهو يقول «دائما أنا أتسامح مع من يتسامح معي أما إذا بدت منه بادئة عدوان فأغمس القلم في المداد وأخوض المعركة على الفور»، فأنت عزيزي القارئ أمام إنسان له فكره الخاص المستنير المستقل، وهو وفي واقع الحال ليس مستعدا لأن يبيع فكره لأحد تحت أي اتجاه.

عبقرية العقاد

وهنا يتبادر أسئلة مهمة كيف أحاط «العقاد» بهذه الإنجازات المتنوعة في السياسة وفي الأدب وهذه المعارك، كيف أحاط بموقفه من المجتمع وموقفه من الأدب وموقفه من المرأة من حياته هو شخصيا، فجأة تجد نفسك تطرح السؤال الذي طرحه العقاد على الجميع« العبقرية» العقاد لم يكن يرى سوى التميز، حتى في كتاباته الدينية كان يكتب عن عباقرة، فمثلا أبو بكر الصديق لم يكن مجرد خليفة للنبي محمد ولكن كان عبقريا فيبحث عن جوانب العبقرية في شخصيته ويبحث عن جوانب الشخصية في حياة عمر ليسنر بعد ذلك بالعبقريات العقاد .

سلسلة العبقريات

عباس ابن بيئته

لم يكن عباس العقاد سوى ابن بيئته ، لا يمكن أن نفهم ما كتب وما فعل بعيدا عن الزمن الذي عاشه، فقد كان زمنا متقلبا متخبطا متغيرا، وهكذا دار « العقاد في فلك هذا الزمن » دون أن ينسى في أي وقت من الأوقات أنه كاتب ليس له ولاء إلا لقلمه و لذاته.

معارك العقاد مع النازية

عاش العقاد ٧٥ عاما أثرى خلالها الحياة الفكرية والأدبية والفكرية والثقافية والسياسية في مصر والعالم العربي، ولأن معارك العقاد كثيرة سواء كانت مذهبية أو فكرية أو سياسية فتجاوزت حدود الوطن العربي، فمنها على سبيل المثال معركته مع النازية .

ماذا تعرف عن النازية؟!

ولمن لا يعرف النازية، فالنازية حركة سياسية ألمانية ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى حيث تمكن الحزب القومي الاشتراكي العمالي تحت زعامة آنتون دريكسلر في عام ١٩٣٣م وأنشا ما سمي بدولة الزعيم التي آثارت لاحقا الحرب العالمية الثانية .

 

هتلر والنازية

قسم العالم بين فريقين البريطانين والفرنسيين، أما عن الألمانية قد كانت تبدو راية في المنتصف لا سيما أن ألمانيا كانت في نوع من التمايز من أن تبتلعها أوروبا حتى خرجت هنا شعارات لدى المخدوعين تقول تقدم يارومل كأن رومل هو الذي سيعتقنا من رقة الإنجليز هنا أو هناك .

المستوى الثقافي المصري و الحروب النازية

ولم يكن المستوى الثقافي عندنا عالي فالناس كانوا يتصورون أن هتلر لو انتصر على انجلترا وفرنسا معنى ذلك أنه سوف يحرر العالم العربي من الاستعمار ونسوا أنه قد يحررهم فعلا من هذا الاستعمار لكن لن يصبحوا أحرارا ولكن ليستعمرهم و العقاد أدرك هذا مبكرا .

في ظل اشتعال معارك الحرب العالمية الثانية، كتب «العقاد» مقالا في أوائل أربيعينيات القرن الماضي يحذر فيه من خطر النازية تحت عنوان لو انتصرت ألمانية لخرِب العالم، حيث يقول « إذا انتصر النازيون وحققوا أغراضهم و سادوا العالم، و ساسوه بمبادئهم وأساليب حكمهم، ماذا يحدث في العالم غير الفتنة والخراب والتغلغل الدائم الذي لايعرف قرار».

 

هتلر في الميزان

وفي مقال آخر كتبه في مجلة الهلال تحت عنوان« المستقبل بعد الحرب ..هل هو للشرق أو للغرب» فيقول: «إن جهالة الأمم الأخرى لا تنفعنا بل تضرُنا و تهددنا وتقطع علينا سبيل الانتفاع بحضارتِنا وتقدمنا»، وهنا لابد أن نقف عند نظرية هتلر إذ يرى أن الديمقراطية أمر مرفوض تماما فهي التي تهدم وليست تبنى، و العقاد صاغ مصطلح «الفاشية» أي الحاكم المستبد العادل ، و يستخلص العقاد أنه لايوجد مستبد عادل .

تنبأ« العقاد» بسقوط هتلر لأنه رأى أمامه كُتبًا تُحرق، رأى أمامه مذهبا قائما على نفي الآخر رأى أمامه مذهبا قائما على حالة عنصرية تعتقد في نقائص دماء الآرية وبالتالي هو أمام حالة فاشية حالة عنصرية لا يمكن أن تستمر بمثل هذا التزمت أو الغلو هذا لا يعيش طويلا في تاريخ الأمم الشعوب .

يقول « العقاد» « كثيرا ما يكون النظر في حركة عالمية أو حرب عالمية بمثابة النظر في حياة رجل واحد كما اقترن اسم هتلر بالحرب العالمية الحاضرة ،إن الذي ينصره أو يتمنى له النصر يخطئ كل الخطأ والحق أننا لا نعرف في الحاكمين بأمرهم رجلا افشل حسابا من هتلر» .

الفاشية في إيطاليا

من الطبيعي أن يخوض العقاد معركة أيضا ضد الفاشية في إيطاليا مع موستوليلي لأنه من نفس المنبع أنه يدافع عن الحريات المدنية أو الحريات الفردية، ولم يكن العقاد في نقد هذه الاتجاهات مهتما اهتماما كبيرا بأصول المشكلة بقدر اهتمامه بالشخصية ذاتها أي هتلر و موسوليني، حيث أن هتلر كان يرى في العرق الألماني جنونا و خلودا فألمانيا فوق الجميع و ألمانيا تسود العالم وما الغرب وما أوروبا إلا خدم و رعايا للألمان، وما صنعه موسوليني أراد أن يعود بالهيمنة الرومانية القديمة التي استعمرت العالم لكن في ثوب جديد .

كتابات حللت النازية

وفي هذا الوقت تحديدا أيضا صدرت كتابات كثيرة تحلل النازية، ولماذا ظهرت النازية على صعيد اجتماعي سياسي ..الخ، فتوقفوا مثلا على أن أسباب الحرب هي اغتيال ولي عهد النمسا أو حدث فردي تسبب في حرب عالمية، وحتى توقفت عند اعتبار هتلر في ذاته هو السبب، لكن العقاد لم يُشأ هذا وإنما حلل شخصية هتلر باعتباره هو المسؤول عما يحدث وقال ذلك في مقدمة كتابه عن هتلر .

العقاد معبد طرق الفكري المعاصر

والمثقفون نوعان نوع يثير في طرق فكرية معبدة و صنف يعبد تلك الطرق، و «العقاد» كان ممن يعبدون الطريق لغيرهم، فكان يأتي على الأصول ، يفكك المفاهيم وبالتالي كان من اليسير عليه جدا أن يُعمل قلمه كمشرط في أي فكرة يراها.

كتب النازية والبقاء في السودان

وفي عام 1940 أصدر العقاد كتابه الشهير «هتلر» في الميزان، والذي قام فيه بتحليل ونقد شخصية هتلر وتاريخه السياسي والشخصي نقدًا حادًا، وقد سبق هذا الكتاب مؤلف آخر بعنوان« الحكم المطلق في القرن العشرين»، و الذي صدر في عام 1928 وفيه عمل العقاد على نقد مناطق الحكم الديكتاتوري في تاريخ العالم انتهاء بالحكام المعاصرين ثم تبعه كتاب النازية والأديان ، و الذي خصصه العقاد لنقد المنهج النازي نفسه في رؤيته للدين المسيحي والدين الإسلامي .

إقرأ أيضا
نساء السودان

هتلر في الميزان ..

وعندما هاجم العقاد النازية في كتابه الشهير هتلر في الميزان لم يكن الحكم النازي سقط، بل العكس كانت دول المحور على الحدود، وكان العقاد وقتها يتعرض للتهديد حقيقي، و استمر على موقفه الرافض لحكم الألمان لمصر ومن حكم هتلر، وعندما وصل هورمن للإسكندرية بعد معركة العالمين الشهيرة، كان يعرف العقاد أنه مستهدف، وانتقل إلى السودان حتى انتهاء الوجود الألماني في مصر، ويبقى العقاد هو الأوحد من يجيد قراءة المذاهب والأفكار و يحوله لشيء ميداني على أرض الواقع .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الكاتب

  • هتلر في الميزان مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان