هدية الفالنتين هذا العام.. كيس سكر أو زجاجة زيت!
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
احتار النجار كما يليق برجل محب وزوج مخلص، وبانت حيرته حتى أن الشيخ مصطفى قد لاحظها، وحاول الشيخ مصطفى أن يتدخل كعادته فسأله: “مالك يا أسطى؟ بالك مشغول”..
وكتم النجار ما يدور بخاطره، هو على يقين بأن الشيخ السلفي لن يستوعب ما يعزم عليه الأسطى أحمد. ودخل شاب وطلب من النجار أن يظبط له صندوق صغيرًا من أجل هديته. وكان الشاب يحتضن دبدوب ضخم لونه أحمر، وأعلن الشيخ مصطفي عن اشمئزازه وتقززه وسأل الشاب: “إيه دا؟”.
فرد الشاب المبتهج “الفالنتين يا مولانا! كل سنة وانت طيب”
وتعجب الشيخ من اللفظ فتساءل: “وما هو الفالنتين؟ وما علاقته بهذه الدمية؟”
وكان لا بد أن يوضح النجار فقال: “الفالنتين قديس روماني عاش في القرن الثالث الميلادي، وكان الإمبراطور وقتها قد منع الشباب من الزواج ظنًا منه أن ارتباط الرجل بامرأة يضعف من قوته في الحروب، ولأن الحب لا يعرف القوانين حتى وإن كان القانون صادر من الإمبراطور نفسه فقد كان الشباب يقعون في الحب ولا يعرفون ماذا يتوجب فعله، ولجأ البعض منهم إلى القديس – وكان كاثوليكيًا- فقام بتزويجهم سرًا، وشاع خبره حتى عرف الأمبراطور بأمره فذبحه يوم 14 فبراير”.
وتعجب الشيخ أكثر: “برضه مش عارف إيه العلاقة بين القسيس دا والدبدوب؟”.
وقال الشاب: “يوم 14 فبراير يحتفل الأحبة بذكري رحيل هذا القس من كل عام، إنه يوم عيد الحب“.
وهنا استشاط الشيخ غضبًا: “أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن ألاعيبه… كيف يحتفل المسلم بذكري وفاة قس مسيحي، وقد نسوا الحديث القائل (من أحب قوم حشر معهم يوم القيامة)… تلك بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، والبدعة تهدم السُنة.. ثم كيف يكون للمسلم عيد يحتفل به ولم ينزل الله به من سلطان، وأعياد المسلم معروفة في الكتاب والسُنة: عيد الفطر المبارك وعيد الأضحي، ويوم الجمعة أيضًا يمكن أن نعتبره عيدا… فمن أين جاء عيد الحب هذا؟ من تشبه بقوم صار منهم، وأنت تتشبه بالنصاري ولن تكون لك حجة على الله”.
وغرق الشاب في الحرج ولم يكن يعرف بماذا يجيب! وأحس أنه سقط في مأزق لن يتمكن من الخروج منه. ونظر إلى أحمد النجار وكأنه يستنجد به، وقال النجار: “اهدأ مولانا الشيخ، وتدبر وقع الكلمة، عيد الحب، هل هناك أجمل من أن يحتفل الإنسان بالحب مع من أحب؟”.
واعترض الشيخ كعادته “ولكنه يحتفل بعيد عماده قس نصراني وهذا لا يجوز!”.
وقال النجار: “لماذا تتذكر أنه مسيحي وتنسى الدور العظيم الذي قام به، فكم حبيب جمع بينهما، وهو الذي ناضل أمام إمبراطور لا يرحم، اتخذ من الناس عبيد ففرض عليهم القتال ومنع عنهم الحب. وأنت تعلم أن الحب صفة يتشارك في الله مع خلقه، فالله محبة، وقد زرع فينا القلوب لتنبض وتبث فينا الحياة والمودة والحب أيضًا، إذا كانت الحيوانات تعرف الحب وتقدره فكيف للإنسان العاقل أن يرفضه”.
وتذمر الشيخ: “أنا أيضًا أقدر الحب، حب الله، حب الرسول، حب الزوجة، حب الأبناء، ولكن ما اعترض عليه هو التشبه بأصحاب الديانات الأخرى وهم أعداء لنا”.
وبُهت الشاب ولكن النجار استمر في دفاعه “تلك قضية أخرى، فالحب والكراهية لا يجتمعان في قلب واحد… لماذا تنتقي من تحب ومن تكره لمجرد أنه يختلف مع عقيدتك ومذهبك.. أليس من الأولي أن يعم الحب على الجميع؟ تلك نظرة عنصرية، والعنصرية نقيض للحب”.
وأمسك الشيخ الدبدوب وراح يلوح به “وهل هذا الدُب دليل على الحب؟”.
وقال الأسطي أحمد: “تلك إشكالية أخري… فالحبيب يهدي حبيبه بما يشاء، وهي مسألة تخص العلاقة بين الأحبة إذا كانت بعض الحيوانات قد عرفت قيمة الهدايا فما بالك بالإنسان”.
ويبدو أن الشيخ لم يقتنع فهز رأسه بضيق وحسرة وهو يردد “عجبي على أمة اتخذت من الدباديب أداة للدلالة على الحب”.
وابتسم النجار وهو يؤيد رأي الشيخ لأول مرة “في هذه أنت على حق… يجب أن ينتقي المحب الهدية المناسبة لمحبوبته، خصوصًا ونحن نعاني من غلاء الأسعار وصعوبة المعيشة، وأعتقد أن كيس من السكر أو زجاجة زيت ستكون هدية مناسبة وثمينة للحبيبة هذا العام”
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد