هدية من الماضي ..الحب بجميع أشكاله في فيلم تسجيلي
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لكل منا ماض خاص نشارك ذكرياته مع من نحبهم ونختار منه ما نحتفظ به بمكانٍ بعيد في روحنا بمنأى عن الفضوليّين، ترتسم على شفاهنا نصف ابتسامة مميزة مصاحبة دائمًا لحنين لأيام مضت بحلوها ومرها وتبقى في النهاية الذكريات.
هناك ما يحيي بنا الماضي من جديد فيجعلنا نعيد اكتشاف أنفسنا والتفكير أيضًا في المستقبل بشكلٍ مختلف، وهذا ما فعلته المخرجة الشابة كوثر يونس مع والدها أستاذ الإخراج بالمعهد العالي للسينما دكتور مختار يونس في فيلمها “هدية من الماضي” أو “20 سبتمبر” وهو يعد فيلمًا تسجيليًا دراميًا شارك في العديد من المهرجانات من بينها مهرجان الفيلم العربي ببرلين.
هل جربت أن تصور أحد أفراد أسرتك في حياته اليومية بكاميرات خفية دون علمه؟…فقد خبأت كوثر كاميرات بكل مكان لتصور والدها في حياته العادية ثم تأخذنا معهم في رحلة إلى روما بين الماضي والحاضر والكثير من المشاعر الإنسانية العظيمة التي تحتفي بالحب بجميع أشكاله. فبجانب مشاعر الحب التي نستشعرها بين جميع أفراد الأسرة نتعرف على قصة حب من ماضي الدكتور مختار وذكرى مميزة عن فتاة إيطالية جميلة تدعى”باتريسيا” كان على علاقة عاطفية بها في بعثة بإيطاليا وقد وعدها بالزواج حتى أنها اشترت له خاتمَ زواج ولكن لظروف ما لم يستطع أن يتزوجها كما لم يستطع أن يعيد لها الخاتم. تمر السنون..كم بالضبط؟ ثلاث وثلاثون عامًا على هذا الموقف ولم ينس مختار لا باتريسيا ولا كيف تركها وحيدة ويشعر دائمًا بتأنيب الضمير حول كل ما حدث ويحتفظ بخاتمها معه بعدما كون أسرة مستقرة.
أقرأ أيضا..محمد رمضان موهبة حقيقية أم خطة تسويقية
تفاجئه ابنته كوثر بتذاكر سفر إلى روما قبل عيد ميلاده ببضعة أسابيع وتحيي فيه أملًا جديدًا أن يرى محبوبته الأولى ويرجع لها خاتمها، ولكن يتردد مختار كثيرًا في قراره للذهاب إلى هناك كما لو كان خائفًا من عواقب فتح بابًا لم ينجح في غلقه بالكامل. بالنهاية وبعد مناوشات لطيفة بينه وبين كوثر يقرر الذهاب معها للبحث عن باتريسيا.
على الرغم من أن أول كادر جاء مقلوبًا ربما ليمهد للمُشاهد أنه فيلم من النوع التسجيلي، وعلى الرغم من عدم جودة الكاميرات المستخدمة، فقد صورت كوثر بكاميرات (اللاب توب والأي فون ونظارة بها كاميرا خفية) إلا أن الفيلم منذ بدايته يجذب المشاهد من مشاهده الأولى، حيث نرى الدكتور مختار يدندن بأغنية فريد الأطرش”يا زهرة في خيالي” ويغلق باب بيته وكأنه يستعد لغلق باب الخوف من خوض التجربة ويفتح بابًا آخر بالأغاني القديمة للعودة إلى رحلة للماضي تستحضر فيها اللون الأبيض والأسود.
لم تستعن كوثر بموسيقى بالفيلم ربما لطبيعته الواقعية حتى لا ينفصل المشاهد عن أحداثه التي كانت تصاحبها أصوات من الطبيعة ومن الشوارع المُناسبة لحالة الفيلم، وبطل الفيلم هو الدكتور مختار الذي أحبه الجمهور لخفة دمه وروحه الشابة وتلقائيته في ردود أفعاله، فكما قلنا من قبل لم يكن يعرف أن ابنته تصوره فخرجت لنا حتى مشاحناتهم معًا بمنتهى الواقعية لتذكرك بكل بيت مصري، فقد صورت كوثر أباها لمدة 350 ساعة كاملة دون علمه اكتفت منها ب80 ساعة بعد المجهود الرائع بالمونتاج لتخرج لنا فيلمها بهذا الشكل المتميز.
تسحب أنفاسنا كوثر وراءها في البحث عن باتريسيا قبل ميعاد عيد ميلاد دكتور مختار حتى أنها تبكي في أحد المشاهد يائسة من إيجادها، فقد بدأت الرحلة والفيلم دون أن تعرف النهاية فلم يكن للفيلم سيناريو محدد. تصر كوثر على إيجاد باتريسيا لتفاجىء أباها وتصل إليها بالفعل في النهاية عن طريق “فيس بوك” فتجدها برومانيا على بعد حوالي ثلاث ساعات من روما بالقطار.
جاء مشهد اللقاء بين الدكتور مختار وباتريسيا مليء بالمشاعر المختلفة والمتناقضة معًا فقد كانت باتريسيا متخبطة المشاعر في البداية بين الفرح والشجن والقليل من الغضب حتى أنها ألقت عليه اللوم بعدما تركها كل هذه السنين، ولكن بالنهاية استرجاع الذكريات بينهما وإعطاؤها خاتمها جعل شيئًا ما يخمد بداخلها.
في نهاية الفيلم نرى دموعًا حقيقية من عيون الدكتور مختار تنزل على استحياء بعد توديع باتريسيا، فقد انتهت مهمته في توصيل الخاتم والاعتذار لها عما بدر منه ليغلق الباب وراء قصته المميزة ويطلق ذفيرًا طويلًا يستقبل من بعده أيامًا جديدة محملة بحب أسرته، وفيلمًا لابنته لاقى استحسان الكثيرين ليخرج لنا بهذا الشكل الذي يجعلنا لا نهاب أبدًا ماضينا.
الجدير بالذكر أن أخر أفلام المخرجة كوثر يونس هو فيلم “صحبتي” وهو من نوعية الأفلام القصيرة والذي سيعرض بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي القادم بعد عرضه بمهرجان فينسيا.
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال