هذا ما يحدث لعقلك عند قراءة الشعر !
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم يستعمل العرب قديمًا الشعر من أجل نَظمُ المعاني في كلمات موزونة مُنمّقة فقط،لكنه كان يثشبه الخِزانة التي يحفظون فيها أحداث حياتهم و تاريخهم و يعبرون من خلاله عما يَجُول في قلوبهم و أذهانهم بأفضل صورة أي أن الشعر في زمانهم يشبه ” الميديا” في زماننا .. يطوي في أبياته أصواتهم و صورهم و مشاهد من حياتهم ، فهو الصندوق الأسود لكل عصر .. ينقلنا إلى زمانه بلسان أهل زمانه.
كما أن العرب استعملوه لحفظ بعض علومهم، فأغلبنا يعرف متن الجزرية في علم التجويد، و ألفية ابن مالك في اللغة والتي يقول في مطلعها مثلًا:
قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِك …أَحْمَدُ رَبِّي اللهَ خَيْرَ مَالِكِ مُصَلِّياً
عَلَى النَّبيِّ الْمُصْطفَى… وآلِهِ المُسْتكْمِلِينَ الشَّرَفَا
وَأَسْتعِينُ اللهَ فِي ألْفِيَّهْ……مَقَاصِدُ النَّحْوِ بِهَا مَحْوِيَّهْ
تُقَرِّبُ الأقْصى بِلَفْظٍ مُوجَزِ……وَتَبْسُطُ الْبَذْلَ بِوَعْدٍ مُنْجَزِ
نثر الجمال
مع كل تلك الوظائف التي قام بها الشعر تبقى و ظيفته و سمته و ماهيته الأولى هي نثر الجمال، فالكلمات في نظري ألحان مبعثرة حتى يأتي الشعر و ينظمها لحن جميل مطربًا متناسقا ، هو موسيقى بلا عازفين و عزف بلا آلات هو قيمة جمالية قائمة بحد ذاتها.
البعض يتخذ موقفا سلبيا من قراءة الشعر بسبب فهم خاطئ لما ذكر عنه في سورة الشعراء” الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (٢٢٦) إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧)”
المشكلة ليست في الشعر نفسه المشكلة فيمن يسئ استخدام الشعر لأغراض لا يتفق معها ذي ضمير، ألم يكن لرسول الله شعراء مثل الصحابي “حسان بن ثابت ” و ” كعب بن مالك” و “عبدالله بن رواحه”، ألم يسمع رسول الله” الخنساء” و أشاد بشعرها ؟!.
ماذا عن أغانينا …
البعض لا يقرأ الشعر لأنه يظن أنه ثقيل على السمع و ثقيل على الفَهم،أو أن كلماته صعبه، و هذا بالطبع ليس صحيحًا، ليس كل الشعر مثل بعضه، فماذا عن أغانينا؟!.. ماذا عن ما يُطربنا ؟.. ألم تسمع القصائد التي غنتها أم كلثوم أو نور الموشحات التي أطربتنا بها ” نور الهدى” كلتاهما غنت بشجن و إبداع.. أطربتتا الكلمات و أخذتنا في جولة المشاعر !.
عن الفراق
ماذا عن الغزل التي يتداوله المحبون أليس شعرًا؟! …انظر إلى الفرق حين أُخبرك عن حبيب تألم في و داع حبيبته وبين أن أقرأ عليك قول المنتصر بالله الأندلسي :
” عجبتُ و قد ودّعتُها كيف لم أمُتْ
و كيف انثَنَتْ بعد الوداع يدي معي
فيا مُقلتي العَبْرَى عليها اسكُبِي دمًا
ويا كبِدي الحَرَّى عليها تَقَطَّعي
عن الشوق
وفي التعبير عن الشوق مثلًا أبيات جميلة للبرعي اليماني قائلًا فيها:
شربت كاس الهَوى العذرى من ظمأ وَلذلي في الغَرام العسل وَالنهل
فَليت شعري وَالدنيا مفرقة بين الرفاق وايام الورى دول
هَل ترجع الدار بعد البعد آنسة وَهَل تعود لنا ايامنا الاول
يا ظاعنين بِقَلبي اينما ظعنوا وَنازلين بِقَلبي اينَما نَزَلوا
ترفقوا بفؤاد في هوادجكم راحَت به يوم راحَت بالهَوى الابل
عن الحب ..
وفي التعبير عن لوعة الحب أبيات محمود درويش الفاتنة :
يا حُبّ ! لا هدفٌ لنا
إلاّ الهزيمةَ في حروبك…
فانتصرْ أَنت انتصرْ
و اسمع مديحك من ضحاياك:
انتصر! سَلِمَتْ يداك!
وَعُدْ إلينا خاسرين… وسالمًا.
أرشح لك
فلا مانع أن تُدخل إلى قراءتك بين الوقت و الآخر ديوانِِ لشاعر من الشعراء يساعدك هذا على إثراء مسيرتك اللغوية ويعينك على تذوق الجمال بشكل أفضل، فمن الشعراء الذي أرشح القراءة لهم” المتنبي، أحمد شوقي، نزار قباني، محمود درويش، صفي الدين الحلي ، ابن سهل الأشبيلي، أحمد مطر ، تميم البرغوثي”
في النهاية أنا مثلكم تمامًا لا أحب أن يقول لي أحد ماذا أفعل و ماذا أقرأ ، لكن نساعد بعضنا بالنظر إلى آفاق ومعارف وجمال آخر .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال