همتك نعدل الكفة
88   مشاهدة  

هل أعاد التيك توك فن الحكي من الموت.. نظرة على الحكائين الجدد

الحكي


الحكي هو الفن الأقدم في التاريخ، فقد عرف البشر الكلام قبل أن يعرفوا الكتابة، لذلك أولى القصص في التاريخ كان قصص منقولة بشكل شفهي، ولجأ الأنسان البدائي أول ما لجأ إلى الرموز والأشكال، لا ليسطر القوانين أو الشرائع ولكن ليروي الحكايات، فالنقوش تروي حكايات في البداية، حتى القوانين سنت بين سطور الحكاية.

أول الإنسانية حكاية

الحكاواتي - رسومات المستشرقين
الحكاواتي – رسومات المستشرقين

تطور فن الحكي وتطورت أساليبه ليدخل على التجديد شيء فشيء، باستخدام الأدوات البدائية ثم العرائس ثم قيام بعض الأشخاص بتمثيل الحكاية، وصولا لفن المسرح والذي يمكن اعتبار الحكي هو أبوه الروحي، بل إن شئنا الدقة فالحكي أبو الفنون كافة، فجميع أنواع الفنون تروي قصصها الخاصة.

ولكن بالعودة لفن الحكي نرى أن هناك تباين بين التطور وانتشار الحكي، فمن الحاكي بصوته حتى الحاكي على الرباب، تقلص تواجد فن الحكي على الساحة حتى أصبح من النوادر، ولم تعد يمارسه سوى بعض الآباء والأمهات الذين ورثوا الفن وبعض الحكايات عن الجدات، ففي كل عائلة كانت هناك جدة أو أم تحكي لينام الصغار، ولكن وقبل أن ينقرض الحكي، يأتي التيك توك ليعيده للحياة مرة أخرى.

أبو الصادق.. الحكي فن الصمت

أبو الصادق
أبو الصادق

مثلما كاد التطور أن يقضي على الحكي كفن، هو ما أعاده للحياة مرة أخرى، فبينما أنت تتصفح على اليوتيوب ستجد أمامك مقطع بلكنته الشامية المحببة للأذن المصرية، يجلس أبو الصادق خلف الميكروفون، ليروي قصص، والقصص نفسها ليست مربط الفرس، ولا هي عامل الجذب، ولكن طريقة الحكي، يتميز أبو الصادق بسلاسة ممتعة في الحكي والاستطراد، فهو يعرف جيدًا أسس الحكي، والقائمة بالمقام الأول على قاعدة متى لا تحكي.

متى لا تحكي وتدع خيال المستمع يعمل، ليتصور المشهد والحركة، ربما تساعده وتهيئ الجو ببعض الصور والموسيقى المصاحبة، ولكن رصانة الصوت ونبرته ووضوحه، وتدرجه مع مراحل القصة فيتصاعد درجات بسيطة لا تلاحظ في لحظات التوتر أو ينخفض في لحظات الغموض، ولكن الأهم أن أبو الصادق قادر فعليًا أن يجذبك إليه بصوته وطريقته في السرد، مهما كانت القصة والتي غالبًا تدور حول الجرائم أو الأحداث الغامضة.

حسابه على تيك توك هــنـــا

مثلما كانت الجدة تحكي عن الغول يحكي سامح سند عن الجرائم

سامح سند
سامح سند

وبالحديث عن الجرائم يأتي سامح سند متخصص الجرائم الأول، من مدرسة مختلفة كليًا عن أبو الصادق في الحكي، نفس الوضعية سامح خلف الميكرفون، ولكن سامح سند تعتمد موهبته لا في التدرج بصوته أثناء الحكاية ولكن بالوقوف وتقطيع الجمل، يعتمد سامح سند في إلقاءه للحكايات على تقنية الجمل غير التامة، فالجملة لغويًا كاملة، ولكنها غير تامة، وغير كاملة المعنى ولا تفسر إلا بالجملة التي تليها، وهكذا حتى نهاية القصة.

والأمر هنا ليس موهبة كتابة فقط، ولكن هي موهبة في تقطيع الجمل، ولان سامح سند يمتلك موهبته الخاصة، تلك التي تذكرك بالجد والجدة حينما يحكي لك حكاية، فهو لا يلقيها في أذنيك ولكن عبر منفذ خفي في خيالك، يعزز هذا الخيال وجود صور حقيقة أو بالذكاء الاصطناعي، ليسهل عليك تخيل الشخوص، ولا يضيع وقتًا في وصف الشكل والملامح، وأيضًا لكسر الرتابة من ناحية الصورة، اعتماد سامح سند على طريقة “المونو تون” أضفى جزء من الحميمية في الحكاية، وأيضا مع اختياره لحكي قصص جرائم حقيقية قيد التحقيق أو تم الحكم فيها، يزيد من جاذبية ما يقدمه في المحتوى، وبالمناسبة هو اختيار موفق للغاية ومناسب لتون صوته وطريقته في السرد.

حسابه على تيك توك هــنـــا

هيثم سليمان وجاذبية جملة “من الملفات السرية”

هيثم سليمان
هيثم سليمان

يبرع هيثم سليمان في حكى قصص الجاسوسية والقصص الأمنية، ويعمل طوال الوقت على ربطها بالأحداث الراهنة، ربما يفسد هذا الربط أحيانًا جمال القصة وجمال الحكي، ولكن في النهاية يظل محتواه جذاب خاصة لفئات من الشباب المهتمين بالجاسوسية وقصصها وهواة التاريخ السياسي والعسكري.

يعتمد هيثم في أسلوبه في الحكي على نفس طريقة سامح سند، المونو تون والصوت الخفيض المتناسب مع ما يقدمه من محتوى يتسم بالغموض وعدم وضوح الرؤية، وحتى في لحظات الكشف يظل هيثم سليمان على نفس التون ولا يغيره، اختياره للقصص أيضا يزيد من جاذبية المحتوى، بالإضافة لبساطة طريقة تقديمه للمحتوى والمصادر الدقيقة التي يقدمها بالصور إن وجدت.

حسابه على تيك توك هـــــنـــــا

إبراهيم الجارحي محترف الحكي

إبراهيم الجارحي
إبراهيم الجارحي

ربما هو الوحيد من بين قائمة طويلة من الحكائين الإلكترونين، الذي احترف الحكي من زمن بعيد مع بداية انتشار الإذاعات الإلكترونية، فكانت هناك إذاعة اسمها “تيت راديو” تلك التي كان يعمل بها “الحبيب” أسامة الشاذلي وكان من مؤسسيها، كان الجارحي هو الأخر من المؤسسين، قبل أن يختفي ويعود مره أخرى عبر قناته على اليوتيوب ليقدم حكايات سياسية وعسكرية، ويمكن اعتباره من المتخصصين في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة لسلسة قيمة عن الحرب الباردة.

تكنيك حكي إبراهيم الجارحي تكنيك تفاعلي، فهو يتفاعل مع القصة التي يرويها، خاصة وهي حدث حقيقي حدث فعلا، وربما يكون المستمع او المشاهد على علم به مسبقًا ولكن طريقة الجارحي التفاعلية مع الأحداث، وأيضا إضافة رأيه واستنتاجه يكسر الخط الفارق بين الحاكي والمحكي إليه، فيزيد من تفاعلية الحكاية، فتصبح ثنائية التفاعل، تفاعل رئيسي بين الجارحي وما يحكيه وتفاعل بين الجارحي ومن يحكي إليه.

حسابه على يوتيوب هـــــنـــــا

رون سعودية تغرد خارج السرب

الحكي

إقرأ أيضا
البابا

ربما هي الوحيدة في هذه القائمة العامرة التي لا تعتمد على أي شيء سوى قدرتها غير الطبيعية على الحكي، رون تعتمد على قصص اجتماعية، جذابة بالتأكيد ولكنها قصص اجتماعية، حب وهجر وزواج وطلاق، ومشاحنات عائلية، قصص ربما تتلقاها عبر البريد أو تكتبها لا يهم المهم ألا يوجد في القصة جوانب غامضة أو مثيرة ولكن رون تخلق هذا بصوتها فقط لا غير.

الحساب على تيك توك هــــنـــا

تعتمد رون على نبرة صوتها الحميمي الناعم الهادئ والمحبب للأذن بلهجتها السعودية والتي تحاول أن تجعلها بسيطة ليفهمها الجميع، تروي رون القصص، بطريقة أصحابها الأصليين، فتبدأ قصصها دائمًا بكلمة “تقول صاحبة القصة” وكون أن القصص في الغالب على لسان أنثى تكون أكثر قابلية للتصديق مع صوتها الهادئ، وخروجها المميز عن القصة لإضافة رأيها، رون أعادت الحكي لمرحلة الإذاعة صوت بلا صورة، لذلك فقصصها لها سحر خاص، سحر يجعل الخيال الجامد يتحرك.

الدحيح.. الذي علمهم السحر؟!

الدحيح
الدحيح

صدق أو لا تصدق أن الدحيح برنامج قائم في الأساس على الحكي، موضوع وحكاء، والتميز والاختلاف كان من اللحظة الأولى لانطلاقة الدحيح، وهو نوع الموضوعات المتناولة، المتابع للدحيح من بدايته سيجد انه تخصص في الحكي عن العلوم بمختلف أنواعها، قبل أن يخرج منها للفن وللكرة وللتاريخ، معتمدًا في الأساس على طريقته في الحكي.

حسابه على تيك توك هـــــنـــــا

وطريقة الدحيح في الحكي فيها بعض الشبه من تكنيك الاستاند أب كوميدي، لا من حيث إلقاء الإفيهات، ولكن من حيث تمثيل الحكاية بنبرات الصوت وانفعالات الوجه وتقسيم الحلقة لفقرات متتابعة يفصل بينها فاصل أو كما يسميه ” هخرج خروج درامي وأرجع رجوع درامي” فيعود ليستأنف الحكي.

يعتمد الدحيح في أداءه على الإيقاع السريع المتلاحق، وتضمين الدهشة أو إبرازها من جمل محددة، بشكل متتالي، فيدفعك لاستئناف الحلقة حتى نهايتها، وما يفعله الدحيح أو أحمد الغندور هو ببساطة شديدة مغامرة خطره في فن الأداء والحكي، فالاعتماد على الإيقاع السريع في الإلقاء قد يقود صاحبه للمبالغة في التون أو الأداء أو الانفعالات، مما يجعله غير قابل للمشاهدة، خاصة أن الحكي عند الدحيح يعتمد بشكل جزئي على البصر ومشاهدة الغندور وهو يحكي.

القصص رغم كل شيء ومهما كانت قديمة أو معادة يعاد إحيائه بصوت حاكيها، بالتأكيد هناك الكثيرون ممن يقدمون فن الحكي عبر الفضاء الإلكتروني، ولكن الممتع في الأمر أن تعيد التكنولوجيا الحياة للفن الأول، فن المخاطبة والتواصل بين البشر بالصوت، فن كان هو الأساس والمفتاح لخيال البشر، ليتخيلوا ويحاولوا تحقيق هذا الخيال، فلولا الحكي، ربما لما استمرت الإنسانية.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان