همتك نعدل الكفة
314   مشاهدة  

هل أكلت جدتك من قبل؟

جدتك
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



وكان أحمد قد انتهي من تصليح طبلية الأب، وكان الأب ريفي وبسيط، يظن أن قريته هي العالم، وأن الحياة تبدأ وتنتهي من بلدته، وكان يقول للنجار: “مش عارف أعيش هنا، أنا عامل زي السمك لو خرج من المياه يموت”.

وكان النجار يهز رأسه ولا يرد، ويفكر في كلمة يصبر بها زبونه فلم يجد، فواصل عمله دون كلمة. وكان الابن قد خرج من الدكان وعاد وبيده كيس بوذو، وكان يأكل منه ويتأمل صورته المنعكسة على المرآة، يخرج لسانه ويمسح الصفرا الذي تراكم عليه! وكان الأب ينظر إلى ابنه ويتعجب، وسأله: “بتاكل إيه؟”.

ورد الولد: “بوذو!”.

والأب اندهش كما يليق بأحمق: “مش البوذو دا بتاع الجماعة الكفرة؟!”.

 موقع التدريس الأول لبوذا
موقع التدريس الأول لبوذا

وكتم النجار ضحكة ثم تساءل: “بوذو إيه اللي بتاع الكفرة؟”.

وأكد الرجل بيقين: “الجماعة اللي بيعبدو البقر!”.

لم يتمالك النجار ضحكته هذه المرة، تركها تخرج رنانة لتهز جدران الورشة، فغضب الأب: “انت بتضحك على إيه يا أسطي أحمد؟”.

والأسطي أحمد توقف عن الضحك غير أن البسمة لم تفارقه، وقال: “والا حاجة!”..

وردد الزبون: “والا حاجة إزاي؟ مش تنورني”.

وحاول النجار أن ينوره بالفعل فأوضح: “انت تقصد البوذية؟”.

واستطرد الرجل: “أيوة مش البوذية دي جاية من البوذو والا تكونش من البوذا.. ما البوذا حرام”

ثم زغر للولد بعنيه وهتف: “ارمي البتاع اللي في إيدك دا يا بن الكلب يا كافر”.

والولد تشبث بالكيس وبكي، وتدخل النجار: “اهدا بس كدا وصلي على النبي، البوذية لا لها علاقة بالبوذو ولا بالبوذا، دي حكاية تانية خلص”.

وصلي الزبون على النبي وهدأ ثم تساءل: “طب ما تحكي لي عن الجماعة دول اللي بيعبدوا البقر”.

قطعة فنية تصور بوذا؛ متحف فيكتوريا وألبرت في لندن
قطعة فنية تصور بوذا؛ متحف فيكتوريا وألبرت في لندن

وأيقن النجار أنه سقط في ورطة… كيف يوضح أمر كهذا لزبونه، وفكر في البداية، وفكر أيضًا في طريقة مبسطة، وقال: “البوذية دي ديانة تعتبر تالت الديانات انتشارًا بعد المسيحية والأسلام، مؤسسها واحد اسمه غوتاما بوذا.

أما بوذا دا لقب مش اسم، بمعني المستنير، الراجل دا اتولد في الهند، في مدينة لومبيني سنة 563 ق م، أبوه كان زعيم قبيلة شاكيا، والواد عاش في عز وترف لغاية لما أمه ماتت وهو عنده سبع سنين، وفضل يعاني من اليتم لغاية لما اتجوز، بس وهو عنده 27 سنة ساب مراته واعتزل وعاش حياة التقفش، ومن يومها وبقي حكيم يدعو الناس لفلسفة جديدة اسمها (الحقائق النبيلة الأربع).. بعدها بقي له أتباع وتلاميذ عملوا منه نبي وإله رغم إن الراجل عمره ما قال على نفسه كدا”..

وتوقف النجار عن الحكي، وقد لاحظ أن زبونه غير فاهم أي حاجة، وواصل عمله ولكن الزبون تساءل: “أيوة يعني الراجل الحكيم دا كان عاوز إيه من الناس؟”.

وأجاب النجار: “أسمي حاجة في تعاليم بوذا هي مساعدة كل الكائنات الحية من غير تميز، دي ناس بتقدر حتى الحشرات، ليه بقي؟ لأنها بتؤمن بحاجة اسمها تناسخ الأرواح، وتناسخ الأرواح دي معناها إيه؟ معناها إنك لما بتموت لا بتروح نار ولا بتروح جنة كل الحكاية إن روح بتدخل في جسم مخلوق جديد، وأنت وعملك بقي!”.

إقرأ أيضا
أمل دنقل وعبلة الرويني

وهنا سحقت الدهشة الرجل، وانتفض من على الكرسي، وصرخ: “بس دا يبقي كُفر؟!”.

ولكن النجار علق بهدوء: “بالنسبة لك! كل ديانة أو معتقد عندها تصورها للحياة بعد الموت، المسيحية مثلا بتؤمن بأن المؤمن بالمسيح هيدخل الملكوت والكافر بيه هيدخل الجحيم، بس الملكوت والجحيم هنا غير الإسلام لا فيه حور عين ولا أنهار لبن وخمر ولا قصور، أما اليهودية مثلا لا نار ولا نعيم ولا حد عارف لهم حاجة أصلا بعد الموت.

جدتك
تمثال بوذا قبل التدمير وبعد

لكن البوذية والهندوسية عندهم إيمان بتناسخ الأرواح عشان كدا من مراسم الدفن عندهم حرق الجثة، بالطريقة دي بيضمنوا إن الروح اتحررت وهي نصيبها وعملها في الدنيا، فتخيل بقي لو واحد جبار وروحه دخلت في جسم كلب بلدي جربان، حياة بائسة بعيد عنك.. عشان كدا البوذية والهندوسية بيقدسوا كل الكائنات الحية ومش بيرضوا ياكلوا حيوانات أو طيور، وكان في مقولة دايمًا يقولوها: (لا تأكل الدجاجة فقد تكون جدتك)، وهي حكمة لفيثاغورس معناها إن الفرخة اللي ممكن تاكلها ممكن تكون في الأصل روح سيتك!”

وتذكر الزبون مئات الدجاجات التي إلتهمها، وفكر في حياته القادمة، وفي روحه ومصيرها، وتخيل لو أنه أصبح كلب بلدي في بلد لا تعرف الرحمة وتعتبر الكلاب من النجاسة، وتذكر أن الكلاب عند المضاجعة تلتصق بالأنثي، وتخيل منظره لو حدث معه ذلك، وصاح مستنفرًا  “تبقي مصيبة بجد يا ولاد”، وتساءل في نفسه: هل الجحيم أرحم أم العيش في جسد مخلوق تعس؟ غير أنه لم يجد إجابة!

وكان النجار قد انتهي من عمله، يحمل الطبلية وقدمها للزبون الذي بدا حائرًا: “مالك؟”.

فهرش الزبون في رأسه وهو يقول: “مراتي دابحة فرخة وخايف أحسن تكون سيتي كوثر”.

الكاتب

  • جدتك عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان