همتك نعدل الكفة
801   مشاهدة  

هل استقالة محمد إبراهيم كامل تعني أن السادات كان خائنًا؟

إبراهيم كامل


بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973م، لم يكن هناك حل أفضل من اتفاقية تضمن السلام في المنطقة، وهو ما استطاع السادات فعله واغتنمه باتفاقية كامب ديفيد، ولكنه لم يسلم من القيل والقال، وهاجمه الكثيرون، بل ووصل الأمر حد اتهامه بالخيانة، حتى أصدقائه والمقربين منه لم يسلم منهم، فقد استقال وزراء خارجيته واحدًا تلو الآخر احتجاجًا على زيارته لإسرائيل تمهيدًا للاتفاقية، فقرر أن يسلم المنصب لصديقه القديم محمد إبراهيم كامل، ولكن جاءت صفعة قوية للسادات حين قدم كامل استقالته قبل التوقيع بنصف ساعة فقط، مما عزز الاتهامات التي وُجهت للسادات بأنه خائنًا، فما هي صحة تلك الأقاويل؟.

كيف تقابل السادات ومحمد إبراهيم كامل؟

عام 1942م، تم القبض على السادات في قضية سياسية، حيث تم اتهامه بالتعاون مع الألمان ومساعدة روميل لغزو مصر، وفي السجن أضّرب السادات عن الطعام ودخل في حالة إعياء شديدة، وتم إرساله إلى المستشفى التي تمكن من الهروب منها عام 1945م، وقام بإطلاق لحيته للتخفي، وأثناء وجوده على إحدى مقاهي ميدان الأوبرا، التقى السادات بمحمد إبراهيم كامل الذي كان يقود منظمة سرية تهدف لقتل الجنود البريطانيين في مصر، وانضم السادات لهذه المنظمة، وغير فكرهم تمامًا، حيث كان يرى أن قتل بضعة جنود لن يخرج الإنجليز من مصر، لذا يجب أن يضعوا السياسيين نصب أعينهم، وبدأوا بالساسة المصريين المواليين للإنجليز، وكان أول هدف لهم هو مصطفى النحاس باشا، وقام السادات بتدريب أفراد المنظمة على التصويب بالأسلحة، واستخدام المفرقعات، وقاما بتنفيذ مهمة الاغتيال في ميدان التحرير، ولكنها فشلت ونجا النحاس، ثم تعاون الصديقان واغتالا أمين عثمان، وتم القبض على الصديقين وسُجنا سويًا، وكانا يقضيان أوقاتهما سويًا، ويتشاركان الطعام والشراب، وتم الإفراج عنهما بعدها بمدة، وانضم السادات للضباط الأحرار، وتدرج محمد إبراهيم كامل في السلك الدبلوماسي حتى اصبح سفير مصر في ألمانيا، ولم تنقطع العلاقات بينهما أبدًا.

منصب وثلاثة استقالات

في التاسع من نوفمبر عام 1977م، وجه السادات دعوة للتفاوض والنقاش مع إسرائيل، وأبدى استعداده الذهاب للكنيست الإسرائيلي، وأعلن ذلك تحت قبة مجلس الشعب المصري، مما أثار حفيظة الكثيرين، من ضمنهم رئيس منظمة التحرير الفلسطينية “ياسر عرفات”، الذي كان حاضرًا في المجلس آنذاك، واستغلت إسرائيل الفرصة، وقامت بتوجيه دعوة للسادات لزيارة إسرائيل، بعد أسبوع واحد فقط من خطابه، واستجاب السادات تلك الدعوة، وهبطت طائرته مطار بن غوريون بتل أبيب في التاسع عشر من نوفمبر، وكانت تلك لحظة فاصلة في علاقات مصر بإسرائيل، وكذلك علاقتها بالدول العربي، حيث تسببت تلك الزيارة في قطيعة عربية لمصر، حتى أنه تم نقل مقر جامعة الدول العربية لتونس.

YouTube player

أما عن الوضع الداخلي، فهو لم يختلف كثيرًا عن نظيره الخارجي، فقد ثارت حفيظة السياسيين والوزراء، وقبل أن يذهب السادات لإسرائيل بيومين أعلن إسماعيل فهمي وزير خارجية مصر آنذاك استقالته من منصبه، بعدما رفض مرافقة السادات في زيارته إلى تل أبيب، وقد وافق السادات على استقالته، وقام بتعيين محمد رياض بدلًا منه، وتم إعلان هذا القرار الجمهوري في التليفزيون المصري، ولكن المفاجأة أنه بعد ساعات قليلة من تعيينه، قدم رياض استقالته وأذيع إعلان آخر في التليفزيون، وظل المنصب شاغرًا حتى الخامس والعشرون من ديسمبر 1977م، حيث قام السادات بتعيين السفير محمد إبراهيم كامل وزيرًا للخارجية، وسافر كامل في اليوم التالي للاشتراك في مباحثات الإسماعيلية بين مصر وإسرائيل، وكان كامل يشعر بالحرج الشديد تجاه السادات، فمن جهة هو يكره تلك المفاوضات ويشعر أن مصر أضعف من أن تدخل تلك المفاوضات، وكان كارهًا لفكرة التعامل مع الإسرائيليين في الأساس، ومن جهة أخرى تمنعه صداقتهما القديمة من رفض المنصب، وفي النهاية قبل المنصب ولم يخذل صديقه، ومما لاشك فيه أن السادات أحسن استغلال تلك الصداقة بذكائه السياسي المعهود، وفي مفاوضات سبتمبر 1978م التي سبقت توقيع اتفاقية كامب ديفيد، سافر كامل مع السادات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور مباحثات كامب ديفيد، ولكن الصدمة الكبرى أنه قدم استقالته قبل التوقيع بنصف ساعة فقط!

استقالة محمد كامل.. هل تُدين السادات؟

كانت استقالة محمد إبراهيم كامل هي أكثر ما أثار الشكوك حول السادات، وذلك لصداقتهما القديمة، ولتوقيت الاستقالة نفسها، ولأن محمد إبراهيم كامل لم يكن هناك أي شك أو غبار حول وطنيته، لذا ذهبت الظنون بأن السادات خائنًا، ولكن درء كامل تلك الاتهامات عن صديقه في مذكراته التي نُشرت تحت اسم “السلام الضائع في اتفاقية كامب ديفيد”، وقد أوضح كامل تفاصيل ما حدث معه خلال تلك الفترة التي شهدت مفاوضات توقيع اتفاقية السلام العربية الإسرائيلية الأولى في التاريخ، يقول محمد إبراهيم كامل في مذكراته: “وصلت إلى نهاية المطاف ولا بد من اتخاذ قرار حاسم بالنسبة لموقفي من السادات، فقد استنفدت كل جهدي وبذلك أكثر من طاقتي في محاولة الحفاظ على موقفنا من التآكل”، وكل كلام كامل كان عن كريقة تفكير السادات، وكيف أنه كان يحاول حل الأمر بطريقة خاطئة -من وجهة نظر كامل بالطبع-، وكان كامل يكره تلك التنازلات التي اضطر السادات لتقديمها، ونشر كامل حواره مع السادات كاملًا، وكان ملخصه هو خوف كامل من الانقلاب العربي، وسيطرة إسرائيل على الأراضي المحتلة، ولكن كان للسادات رأي آخر وهو أن العرب موقفهم سلبي من البداية، وإذا لم يحدث السلام ستنطلق إسرائيل في جميع الأراضي العربية، كما أن الاتفاقية ستطمن أن يحصل الفلسطينيون على حكم ذاتي، وأن السلام هو أفضل حل لمشاكل مصر الداخلية التي دمرتها الحرب، وحاول كامل إقناع السادات بإيجاد حلول مؤقتة، ولكن السادات كان ديكتاتورًا لا

إبراهيم كامل

يستمع لأحد سوى نفسه فقط، فاضطر كامل لتقديم استقالته، ويبدو أن السادات كان متوقعًا ذلك الأمر، فطلب منه إبقاء الأمر سرًا حتى انتهاء الاتفاقية، ويمكننا استخلاص عدة نقاط من ذلك الحديث:

إقرأ أيضا
الإخوان وشتات المنفى
  • أن كامل كان وطنيًا بشكل صادق، ولكنه كان جاهلًا في الشئون السياسية العربية، وهو ما أثبتته الأحداث فيما بعد، وصدقت توقعات السادات عن الرؤساء العرب.
  • بعض توقعات كامل أثبتت صحتها فيما بعد، حيث ماطلت إسرائيل في انسحابها من اعتقادًا منها أن مصر هي الطرف الأضعف.
  • كان هدف السادات وكامل واحدًا منذ البداية، ولكن الخلاف كان في طريقة التعامل، كان السادات يتحرك بشكل واقعي أكثر ويريد الحرية لمصر، وأن تستيقظ وتلملم آثار الحرب، ولكن كامل كان يرى أن مصر يمكنها النهوض بمساعدة الحكام العرب، وأنها ستستطيع مجابهة إسرائيل وهي مدرسة العروبية، التي تأثر فيها بأفكار عبدالناصر، لذا ليس هناك أي خيانة في الأمر، أنها مجرد اختلافات في طريقة التعامل، ولكن غلطة السادات الدائمة أنه كان ديكتاتورًا لا يستمع سوى لنفسه فقط، مما وضعه محل شك دائمًا.

 

إقرأ أيضاً

بدو سيناء .. كلمة السر في حرب أكتوبر “مواقف وحكايات”

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
2
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان