هل الإسلام مافهوش كهنوت؟.. ولا عندُه جُوَه؟
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الكهنوت الديني مصطلح يطلق على منظومة رجال الدين اللي بتلعب دور الوسيط بين المؤمنين والإله، وبتحتكر الدور ده.
والكهنوت موجود في غالبية الأديان ومنها اليهودية والمسيحية، إنما بالنسبة للإسلام فالمشايخ بيقولوا إن مافهوش كهنوت. فهل فعلًا مافيش كهنوت في الإسلام؟ ولا بيضحكوا علينا وهمه عندهم جوه؟
هل الإسلام فيه كهنوت؟
ده سؤال بيتم توجيه لكتير من المواقع الدينية الإسلامية، وعادة بيكون الرد بالشكل ده:
بس هل الكلام ده حقيقي أو الرد بينتهي هنا.. ولا بعد “لكن” دي هييجي كلام يلغي كل المكتوب في المقدمة؟
خلونا الأول نتعرف على وظيفة الكاهن وتفاصيلها، عشان بعد كده نقدر نقارن بينها وبين أي كلام ممكن يظهر بعد “ولكن”.
وظيفة الكاهن
وظيفة الكاهن في العهد القديم هي:
– تقديم الذبائح.
– تطبيق أحكام الشريعة على الشعب في معاملاتهم اليومية كالزواج والطلاق.
– تعليم أحكام الشريعة للشعب. (لأن شفتي الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود) (ملاخي 7:2) .
أما وظيفته في العهد الجديد فهي:
– وظيفة روحية: خدمة الأسرار الكنسية.
– وظيفة رعوية: رعاية الشعب “المؤمنين” روحيًا وإفتقادهم والصلاة لأجلهم.
– وظيفة إدراية: إدارة شئون الكنيسة “كمؤسسة مش مجرد مكان الصلاة” والسهر على مصالحها وتدبير ما تحتاج إليه من لوازم، كذلك الإشراف على العاملين بالكنيسة من سكرتارية وموظفين وعمال وفراشين وغيرهم.
– وظيفة اجتماعية: مساعدة الأسر الفقيرة وتدبير إحتياجات أخوة الرب وحل المشاكل الناشئة بين أفراد الرعية وإيجاد عمل للمحتاجين.
مرجعية الكهنوت المسيحي
المسيح هو مؤسس سر الكهنوت لما أختار تلاميذه الأتناشر (ثُمَّ دَعَا تَلاَمِيذَهُ الاثْنَيْ عَشَرَ وَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا عَلَى أَرْوَاحٍ نَجِسَةٍ حَتَّى يُخْرِجُوهَا، وَيَشْفُوا كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ). (متى 1:10)
وبعدهم أختار سبعين تانيين يبقوا رُسُل (بَعْدَ ذلِكَ عَيَّنَ الرَّبُّ سَبْعِينَ آخَرِينَ أَيْضًا، وَأَرْسَلَهُمُ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ أَمَامَ وَجْهِهِ إِلَى كُلِّ مَدِينَةٍ وَمَوْضِعٍ حَيْثُ كَانَ هُوَ مُزْمِعًا أَنْ يَأْتِيَ) (لوقا 10: 1).
وهو بنفسه أداهم السلطة دي (فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا» * وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ * مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ»). (يوحنا 21 إلى 23 : 20).
سبب المقارنة
بمجرد تدشين مؤسسة تكوين، وقبل حتى الإطلاع على إنتاجها المقروء على موقعها ألكتروني أو المرئي في قناتها على يوتيوب، أو حتى قراية التعريف اللي المؤسسة كتباها على كل حساباتها في السوشيال ميديا، قبل كل ده قامت موجة هجوم عنيفة ضدها كشخصية اعتبارية وضد كل اسم ارتبط بيها كشخصية حقيقية.
طبعًا ماحدش “عاقل” ضد النقد كفكرة، ولا فيه حد أو جهة المفروض تبقى محصنة من الهجوم عليها، بس المفترض إن النقد أو الهجوم يبقوا في المضمون مش في الطَّل، مش أي حد يطلع يقول أي كلام مرسل والناس تسخن ورا و(عاااااا ضاع إسلامنا).. وده عشان مصلحتنا ومنظرنا.
النقط المستبعدة
استبعاد بعض النقط زي تقديم القرابين، أو الاختلاف في شكل التطبيق أو صياغة المصطلحات زي “أسرار الكنيسة” و”عِلم الخواص” أو “شعب الكنيسة” و”العوام”.. إلخ، ده مايعنيش الاختلاف التام.. إنما يعني “عدم التطابق”، أو زي ما قال الراحل محمود محمد طه:
إن عصور انحطاط المسلمين هي وحدها من شهدت ظاهرة من يسمون أنفسهم رجال الدين، والتي تقترب من الكهنوت، وهي ظاهرة ماتزال قائمة تحت دعوى حماية الدين.
وهنا عبارة “تقترب من الكهنوت” هي المفتاح لفهم أن عدم التطابق لا يعني النفي إنما ينفع جدًا يكون معناه “نسخة خاصة”.
تطبيق أحكام الشريعة على الشعب
لما نترجم المسمى الوظيفي ده من اللغة الكنسية للغة التراث الإسلامي هتبقى “تطبيق الشريعة على العوام”. فهل ده مختلف في حاجة عن دور القاضي وقاضي القضاة أو القاضي الشرعي زي ما تم التأسيس ليها في التراث الإسلامي؟
وحاليا بعد ما دخلنا عالم القضاء المدني، مش القاضي لما يبقى بيحكم بقوانين مستندة أو مصدرها الشريعة الإسلامية، مش كده يبقى بيطبق الشريعة على الشعب/العوام؟.
ونفس البند ده مش ينطبق برضك على “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر“؟ خصوصًا لما اللي بيأسسلها ينطلق من نص قرآني (110 – آل عمران) أو حديث منسوب للنبي.
تعليم أحكام الشريعة للشعب
ودي ترجمتها، تبسيط الدين للعوام، وبرضك هينفع نأسسلها بأحاديث منسوبة للنبي أو بنصوص قرآنية (7-الأنبياء) أو (43 – النحل)، رغم إن في الحالتين كان المقصود بـ”أهل الذِكر”.. “أهل الديانات السابقة”.
ولما تبقى العملية دي حِكر على طايفة بعينها، ويكون الطايفة دي ليها حق دخول أي مكان عشان توصل كلامها ورؤيتها، هل ده كده يختلف في حاجة عن (تعليم أحكام الشريعة للشعب)؟
خدمة الأسرار الكنسية
أسرار الكنيسة سبعة (المعمودية – الميرون – التناول – الاعتراف – مسحة المرضى – الزيجة – الكهنوت).
في الإسلام الأطفال مابيتعمدوش، إنما حد بيدن أو بيكبر في ودنهم، ومافيش شرط يكون رجل دين إنما لو موجود بالصدفة غالبا هتكون له الأولوية.
الميرون هو تحضير الزيت المقدس، ودي حاجة برضك مش موجودة في الإسلام.. بس نقدر نشوف شبيه قريب ليها، زي مشروع عبوات المية المقري عليها.
التناول مالهوش وجود في الإسلام ولا شبيه. ولا الاعتراف، وإن كان كتير من المسلمين بيدوروا على شيخ يساعدهم في التوبة، غالبا ده من باب التبرك أو التجويد من عندهم.
أما مسحة المرضى فمش هتفرق كتير عن الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن والطب النبوي.. إلخ.
وسر الزيجة ده عند المسلمين بدل الكاهن بيبقى مأذون.
أما سر الكهنوت نفسه فالإعلامي عمرو أديب أستضاف الشيخ علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بقسم العقيدة و الفلسفة كلية أصول الدين جامعة الأزهر، واللي قعد حوالي ساعة يتكلم عن حتمية التخصص في دراسة أمور الدين قبل الكلام فيها، كما لو كانت علوم تجريبية، في إستماتة ماحدش شافها قبل كده ضد آخرين من غير الدارسين في الأزهر، اللي مش بس إتكلموا في الدين.. إنما أسسوا جماعات دينية بعضها كفر الأزهر ورجاله بسبب مذهبهم الأشعري، وموقفهم من الصفات الألهية.
نافلة القول
بعد ما سبق يبقى من نافلة القول الكلام عن (رعاية الشعب “المؤمنين” روحيًا)، أو عن مساعدة الفقرا والمحتاجين خصوصا إن بيت الزكاة والصدقات يشرف عليه رسميا فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر.
إدارة شؤون الكنيسة “كمؤسسة مش مجرد مكان للصلاة”، ومن تاني نرجع للشيخ علي محمد الأزهري، واللي في معرض حديثه أتكلم عن دور رجال الأزهر في إدارة المؤسسة ومد الأوقاف بالكوادر اللازمة لإدارة الشؤون الدينية، كمان أكد إنهم ناس ماعندهمش غير مرتباتهم.. وتسائل في شجاعة وإصرار عن مصدر دخل أعضاء مؤسسة تكوين.
وبرضك تجاهل تمامًا أخرين من غير الأزهريين وأتكلموا في الدين وأصدروا فتاوى وبقوا من “نجوم الدعوة” وعندهم فلوس كويسة.
مرجعية “الكهنوت الإسلامي”
أما بقى التأسيس لكهنوت إسلامي فنقدر نرجع فيها برضه للقاء الشيخ علي محمد الأزهري مع عمرو أديب، تحديد من 16.05ق لغاية 17.15، وهو بيتكلم عن تعليم النبي للصحابة ثم تعليم الصحابة للجيل التالي، وتوالي عملية نقل “العلم الديني” بالشكل ده.. حتى وصل الآن للأزهرين وحدهم.
ختام
بالرجوع للسؤال الرئيسي هل الإسلام فيه كهنوت؟ ولما نكمل الصورة هنلاقي إن بعد “ولكن”.. بيتم فعلًا إلغاء المقدمة، والتأكيد على حصر فهم الدين على “المتخصصين” وكأن الدين علم تجريبي.
في نفس الوقت اللي بيتم فيه إغفال أو بمعنى أدق “التغافل” عن أستباحة رجال الدين الكلام في كل مناحي الحياة، في السياسة موجودين في لجنة صياغة الدستور وتيار سياسي كامل بينادي باعتبار الدين هو الدستور.. في الاقتصاد ليهم فتاوى تخص التعامل مع البنوك وخلافه.. في الطب راشقين في كل ما يخص التبرع بالأعضاء وإثبات النسب من عدمه وغيرهم من الأمور العلمية البحتة.. في المشاريب سبق وحرموا القهوة سنين.. والقايمة تطول إلى ما لا نهاية.
تمسكوا بحقهم وحدهم الكلام في الدين بوصفهم “أهل الذكر”، رغم إن نص الآية وفي المرتين يفهم من سياقه إن أهل الذكر دول أصحاب الديانات السابق عن الإسلام، والكلام كله يخص القُرشيين وتشكيكهم في نبوة النبي محمد.
مش بس كده.. ده كمان مافيش أي حسم حقيقي لمين في الفرق والدعاة الكتير اللي بتتكلم باسم الدين يبقى هو “أهل الذكر”.
وكإن كل المطلوب فقط.. أن مافيش “باحثين” مستقلين يفتحوا بؤهم، رغم إن دول تحديدا اللي ماحتكروش الحقيقة، أو باختصار.. المطلوب هو إخراس تيار بعينه لإنه يرفض سلطة الكهنوت ويشجع الناس على القراية في دينها بنفسها بعيد عن أي حد أو جهة تحتكر الدين وتؤسس لكهنوت غير رسمي.
مراجع مسيحية
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال