هل تغير العملة في السوادن يقود إلى تقسيم جديد؟
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في خطوة فاجأت السودانيين وأثارت موجة من الجدل، أعلنت الحكومة السودانية عن استبدال الأوراق المالية فئتي 500 و1000 جنيه من العملة المحلية، في محاولة لتحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة التزوير والنهب بعد الحرب.
لكن ما بدا كإجراء اقتصادي روتيني تحول إلى أزمة كبيرة، حيث أسفرت تداعياته عن كشف حجم الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السوداني في ظل استمرار الحرب الطاحنة. كما اقتصرت العملية على ولايات بعينها لدواعٍ أمنية، ما دفع البلاد نحو مزيد من التعقيدات.
لماذا تقوم الدول بتغير العملات
عادةً ما تقوم الدول بتغيير عملاتها في حالات عدة، مثل تلف الأوراق المالية أو للسيطرة على التضخم. كما يمكن أن يكون التغيير جزءًا من استعادة الثقة بالعملة المحلية، خاصة في حال انخفاض قيمتها بشكل كبير أو لمواجهة الارتفاع الحاد في تكاليف الإصدار.
ويمكن للتضخم الجامح أن يؤدي إلى تآكل قيمة العملة بشكل كبير، ما يدفع إلى إصدار فئات عملة عالية القيمة، لكن ذلك يتسبب في ارتباك المعاملات وفقدان الثقة في العملة المحلية. لذا، تلجأ بعض الدول إلى خطوات مثل إزالة أصفار من العملة القديمة وتبديلها بعملة جديدة ذات قيمة أعلى، كما فعلت الدولة السوادنية نفسها سنة 2007، في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير ونظام الإنقاذ الإسلامي.
دول لجأت لتغير عملاتها
وهي ليست بالخطوة المبتكرة؛ إذ سبقتهم إليها في الألفية الثالثة زيمبابوي في 2003 ثم كل من رومانيا وتركيا في العام 2005، وكررتها بعد ذلك كل من بوليفيا والجزائر وإيران؛ على الترتيب، وفي القرن الماضي طبقت عدة دول هذه الإجراءات بنجاح، مثل ألمانيا وهولندا، رغم أن بعضها اضطر إلى تكرار العملية عدة مرات.
لكن في السودان، الظروف الراهنة جعلت من هذه الخطوة أمرًا غير عادي، حيث يمكن أن تكون مؤشرا على تعقيدات إضافية تساهم في زيادة الانقسام داخل البلاد، بين الدولة السودانية والمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، ما يعكس حقيقة الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم في الوقت الحالي.
قرار استبدال العملة في السودان
بدأت الحكاية عندما أعلنت الحكومة السودانية عن قرار استبدال فئتي 500 و1000 جنيه من العملة المحلية، في خطوة فاجأت العديد من المواطنين وأثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية. إذ جاء القرار في وقت عصيب بالنسبة للاقتصاد السوداني، الذي يعاني من تداعيات الحرب المستمرة والنهب الواسع الذي طال المصارف في العاصمة والولايات على حد سواء، ما أدى إلى فقدان أكثر من 80% من الكتلة النقدية. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك إحجام من قبل المواطنين عن التعامل عبر النظام المصرفي، ما زاد من تعقيد الوضع الاقتصادي.
ترأس الفريق/ إبراهيم جابر، عضو مجلس السيادة، لجنة مختصة لتنظيم عملية الاستبدال تضم ممثلين عن مختلف مؤسسات الدولة المعنية. بدأت العملية في 10 ديسمبر 2024، واستمرت حتى 23 من نفس الشهر، على أن تشمل سِتة ولايات من أصل 18 ولاية، وهم ولايات (نهر النيل، البحر الأحمر، القضارف، كسلا، النيل الأزرق، سِنار).
يذكر أن اختيار هذه الولايات جاء مبنيًا على تقديرات أمنية تتعلق بالسيطرة العسكرية لقوات الدعم السريع على بعض المناطق، بالإضافة إلى استمرار الصراع بين القوات النظامية وقوات الدعم السريع في مناطق أخرى.
الفئات المستهدفة في عملية الاستبدال
حسب بيان البنك المركزي السوداني فإن الفئات المستهدفة في عملية الاستبدال هي فئتا 500 و1000 جنيه، مؤكدًا ضرورة أن يتم التغيير عبر المصارف، ومن خلال الإيداع في الحسابات المصرفية الشخصية لكل عميل. وتعد هذه الخطوة جزءًا من محاولة الحكومة لحماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار في سعر صرف الجنيه السوداني، الذي تأثر سلبًا بسبب العمليات العسكرية والنهب التي شهدتها البلاد.
و أعلن البنك المركزي في نوفمبر 2024 عن طرح العملة الجديدة بسبب انتشار عملات فئة 1000 و500 جنيه مجهولة المصدر، ما أدى إلى زيادة السيولة النقدية غير الرسمية في الأسواق، وأثر على استقرار الأسعار وتسبب في ارتفاع التضخم. وتهدف خطوة استبدال العملة إلى تقليص هذا التأثير السلبي، وضمان استقرار الاقتصاد في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
رد فعل قوات الدعم السريع عقب قرار المركزي
في رد فعل على قرار البنك المركزي السوداني بطرح فئات جديدة من العملة، أكدت قوات الدعم السريع في بيان لها أنها ستمنع التعامل بالفئات الجديدة للعملة التي أصدرتها الحكومة، وذلك في جميع المناطق التي تسيطر عليها.
وأوضحت قوات الدعم السريع في بيانها أن العملة القديمة هي المبرئة للذمة المالية في تعاملات المناطق التي تحت سيطرتها، معتبرةً أن إجراءات تغيير العملة التي اتبعتها الحكومة غير قانونية وتهدف إلى تقسيم البلاد.
هذا التطور يعيد إلى الأذهان ما حدث عام 2011 مع استقلال جنوب السودان، حينما كان مصطلح “دولة واحدة بنظامين” رائجًا، ليؤدي في النهاية إلى قيام “دولتين” غير مستقرتين. ومع الانقسام الذي قد يرافق الخطوة الحالية، فيبدو إن السودان يتجه نحو أن يصبح “دولة بعملتين“، ما يثير مخاوف العديد من المحللين الذين يعتبرون أن هذا الإجراء يمهد لتقسيم البلاد بشكل فعلي.
خطوة لتقسيم البلاد .. عن ردود فعل القوى السياسية
لم تسلم خطوة إعلان الحكومة السودانية عن استبدال العملة من النقد والاتهامات من قبل القوى السياسية، حيث اعتبرت العديد من الأطراف أن هذه الخطوة تهدف إلى تقسيم البلاد بشكل عملي، ومنهم تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” التي اعتبرت أن عملية استبدال العملة جزء من سياسة تهدف إلى حرمان مناطق واسعة من البلاد من أي تعامل تجاري، واصفةً إياها بعقاب سياسي للمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
الخطوة، التي ربطها البعض بما يحدث في امتحانات الشهادة الثانوية أو بالقوانين المرتبطة بما يسمى “الوجوه الغريبة“، اعتبرت مؤشرا على تطبيع فكرة الانقسام في البلاد. هذه الإجراءات، بحسب منتقديها، تكشف عن انقسام سياسي واجتماعي أعمق، وتعد خطوة عملية نحو تقسيم البلاد، في وقت غير مناسب.
تغير مدفوع بأهداف سياسية
وفي السياق ذاته، أشار محللون اقتصاديون إلى أن هذه العملية قد تكون مدفوعة بأهداف سياسية وتاريخية، حيث اتهم البعض “الحركة الإسلامية” بمسؤوليتها عن التأثيرات السلبية لهذه الخطوة، مشيرين إلى أن هذه السياسات ستؤدي إلى تكريس الانقسام كما حدث مع استقلال جنوب السودان عام 2011.
كما أشاروا إلى أن هذه الخطوة تبدو كامتداد للتفكير في المزيد من تقسيم البلاد على أسس عرقية وجغرافية، بما يشمل إلغاء السودان القديم وإنشاء سودان مختلف يتم التخلص فيه من العناصر التي يعتبرها البعض غير مرغوب فيها.
تبديل العملة يعزز حالة الانقسام الداخلي للبلاد
من جهة أخرى، حذر خبراء اقتصاديون من أن التبديل الجزئي للعملة ممكن أن يدفع قوات الدعم السريع إلى طباعة عملة خاصة بها في مناطق سيطرتها، أو التعامل بالعملات القديمة أو حتى بالعملات الأجنبية، ما يعزز حالة الانقسام ويعقد المفاوضات بتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها.
كما أشاروا إلى أن هذه الخطوة ستؤدي إلى خروج مناطق سيطرة الدعم السريع من المنظومة الاقتصادية الوطنية، ما يضعف الاقتصاد السوداني بشكل أكبر. ويعتقد البعض أن هذا الإجراء، الذي يراه البعض خطوة غير مدروسة، سيؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد ويزيد من تعميق الفجوة بين المناطق المختلفة، ما يوسع نطاق الانقسام في السودان.
في الختام، رغم أن الحكومة السودانية كانت تهدف من وراء تغيير العملة إلى تحسين الوضع الاقتصادي ومكافحة غسيل الأموال واستعادة الأموال المتداولة خارج القطاع المصرفي، إلا أن الواقع يشير إلى أن هذه الخطوة يمكنها أن تعمق الانقسامات الداخلية في البلاد.
فالمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع تفتقر إلى البنية المصرفية، ما سيضطر سكانها إلى التعامل بالفئات القديمة للعملة غير أن قوات الدعم لن تسمح أصلا باستخدام العملات الجديدة. ما يعزز من حالة الانقسام الاقتصادي ويزيد من تعقيد الأوضاع، ليجعل من الصعب تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في ظل الظروف الراهنة.
اقرأ أيضًا : قرار بريطاني وفيتو روسي .. لماذا تتصارع القوى العظمى في السودان
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال