هل كل وجه جميل يصلح للتمثيل؟.. في نقد نظرية ملكات الجمال في زمن الفن الجميل
-
طاهرة توفيق
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
نعم، قال أحمد بدرخان في كتابه عن الممثل إنه يجب أن يكون جميل الطلعة والشكل ومتناسق القوام، ولكن هل كل من تنطبق عليهم تلك الصفات يصلحون بالفعل لأن يقفوا أمام الكاميرا، الإجابة الأكيدة أنه بالطبع لا، إذن لماذا تمثل ملكات الجمال، وليس فقط التمثيل بل يستمررن في العمل حتى يصبحن نجمات، منهن من أجادت التمثيل بعد ذلك ومنهن من ظلت على عهدها مجرد وجه جميل خالٍ من أي انفعالات تذكر.
مريم فخر الدين وليلى فوزي.. تعلم التمثيل بالتكرار
عام 1940 حصلت ليلى فوزي على لقب ملكة جمال مصر، لتبدأ بعدها رحلتها في عالم الفن، خطواتها في البداية كانت أبعد ما تكون عن فن التمثيل، صحيح أنها تحمل ملامح جميلة للغاية، ولكنها في النهاية كانت ملامح بلا أداء بلا إدراك لأي شخصية تقدمها، ربما أبرز وأهم مثال على ذلك دورها في فيلم علي بابا والأربعين حرامي.
في الدور تقدم شخصية مرجانة المفترض أنها فتاة بريئة وطيبة ومقهورة، ولكنك تجد ليلى فوزي تقدم الشخصية ميتة أصلا لا حياة فيها فتتكلم بهمس ناعم كأنها على فراش الموت، وكان وصف شخصية مرجانة بكوب زجاجي سينكسر من أقل انفعال ممكن.
ليلى فوزي قطعت شوطا طويلا مع هذا الأداء حتى بدأت في الخروج من تلك الدائرة لدائرة التمثيل بالفعل، الدائرة التي دخلتها من باب أدوار الشر، تلك التي جعلتها تقدم بعضا من فن التمثيل، فطبيعي أن تظل فنانة تقف أمام الكاميرا حوالي 10 سنوات متواصلة أو أكثر أن تلقط بعض الخبرات وأن يأتي كل ما مرت به بنتيجة، والحمد لله قد كان ولكن بعد عناء.
أما مريم فخر الدين الحائزة على نفس اللقب ” ملكة جمال مصر” عام 1950، فهي الأخرى سلكت نفس المسلك الذي سلكته ليلى فوزي، بنفس شكل الأداء الرقيق في مواقف لا تتطلب الرقة، فأصبحت لفترة ممثلة الرقة الدائمة، الرقة حتى في الغضب والشر، بعيدا عن أي شيء له علاقة بالتمثيل من دراسة الشخصية وأبعادها وانفعالاتها وطباعها وما إلى ذلك من أمور.
مريم فخر الدين إحدى ملكات الجمال التي لم تستخدم في السينما لفترة طويلة سوى جمالها فقط، لم تكن تمتلك من حصيلة الانفعالات البشرية سوى انفعالين الابتسام والبكاء، بينما في غير ذلك فهي تعطي انفعال المغلوبة على أمرها سواء كانت تقدم شخصية غنية او فقيرة، مغلوبة على أمرها أو غير مغلوبة على أمرها.
ولكن الحقيقة أن مريم فخر الدين استغرقت وقتاً طويلاً للغاية حتى خرجت من تلك المنطقة، تقريبا استهلكت شبابها كله فيها، حتى بدأت في أدوار الأم سواء كانت شريرة أو طيبة، هنا فقط بدا أن هناك ممثلة بحق تدعى مريم فخر الدين بدلاً من وجه جميل يقف أمام الكاميرا فقط يحمل الاسم نفسه.
زبيدة ثروت وكريمة.. أو كما قال عوكل ” إيه اللي جاب القلعة جنب البحر؟!”
عام 1957 فازت زبيدة ثروت بلقب ملكة جمال العيون في مسابقة نظمتها مجلة الجيل، ويمكن اعتبار هذا العام أحد الأعوام المظلمة في تاريخ السينما المصرية، والسبب هو زبيدة ثروت التي بدأت مسيرتها الفنية التي لا أتذكر لها منها سوى فيلم واحد وهو يوم من عمري مع عبدالحليم حافظ، أما البقية الباقية فهو حضور يشبه الغياب.
زبيدة ثروت حتى توقفت عن التمثيل لم تكن ممثلة، فهي تزعق في لحظات الغضب والحزن والظلم والدفاع عن نفسها، وتضحك في لحظات الحب والسعادة والفرح والانتصار، وفي غير ذلك فهي تقدم لي وجهاً جافاً تماما خالياً من الانفعالات، وبصراحة لا أدرك إلى هذه اللحظة كيف استمرت مسيرة زبيدة ثروت الفنية ما يقرب من 30 عاما.
كريمة أو فاتنة المعادي، هي إحدى ملكات الجمال وأغلب الظن أنها ملكة جمال المعادي بس، هي الوحيدة التي انتهجت مبدأ خير الكلام ما قل ودل وفي جيل الخمسينيات والستينيات فمسيرتها الفنية قصيرة الحمد لله، فلم تقدم سوى 9 أفلام آخرها كان حلاق السيدات أمام عبدالسلام النابلسي عام 1960، وأول أفلامها كان إزاى أنساك عام 1956.
كريمة هي الأخرى صاحبة وجه خالٍ من الانفعالات ولعل أفضل شيء قامت به كريمة هو اعتزالها التمثيل مبكراً.
الكاتب
-
طاهرة توفيق
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال