همتك نعدل الكفة
492   مشاهدة  

هل يستطيع فيلم أن يسيء لسمعة بلد؟

الفيلم


هذا الفيلم يسيء لسمعة مصر، أو هذا الفيلم يسيء للشخصية المصرية، أو هذا الفيلم يظهر المصريون كأنهم شعب سيء أو بلد سيئة، دائمًا ما تقترن تلك الجمل الفضفاضة بالأفلام التي قد تلمس أوتارًا حساسة في المجتمع المصري كالفقر والجهل وسوء استخدام السلطة والقضايا الاجتماعية الشائكة، لتتحول جملة ليس لها رأس من ذيل لسيف مسلط على رقاب السينما، لنجد أنفسنا دائمًا في مواجهة سؤال واحد هام، هل يستطيع فيلم أن يسيء لسمعة بلد؟

هذه الجملة -سيئة السمعة- ستجدها مقترنة بالعديد من الأفلام، أفلام السبكي التجارية مثلا اتهمها نواب مجلس الشعب أنها أفلام تسيء لسمعة مصر، أفلام شديدة الأهمية من بينها أفلام لمخرجين بقامة يوسف شاهين وصلاح أبو سيف نالت حظها في هذا الاتهام المعلب الجاهز للصق على أي فيلم يبرز سلبيات وكأن مرددي تلك الاتهامات يريدون رؤية نموذج واحدًا من مصر، يريدون أن يدور الفن في مصر في فلك الحيوات المخملية اللطيفة ولا شيء أخر.

مصر التي نعرفها جميعا، ويعرفها مطلقي التهمة الفضفاضة فيها هذا الجانب ببساطة، فيها الأفراح الشعبية والراقصات والبلطجية والفقراء وأطفال الشوارع وجرائم مثل الاغتصاب وهتك العرض واستغلال النفوذ وتجارة الأعضاء والتطرف والتسول، والفقر، صدق أو لا تصدق سيدي مصر بها ملايين الملايين من الفقراء والمهمشين والمعدمين.

وأيضا مصر فيها الحياة المخملية والشخصيات السوية الجيدة الملتزمة بالقوانين والمسئولين الذين يراعون ضمائرهم في أعمالهم ولا يستغلون سلطتهم، فيها من يدافع عن الفتيات في الشوارع إذا تعرض للمضايقات، فيها من يرفض مظاهر البلطجة والتطرف، مصر بلد فيها كل شيء مثلما يوجد في أي بلد أخر في العالم.

السلبيات أو الأوتار الحساسة التي تدفع بعض مزايدي الوطنية على إلصاق تهمة معلبة مثل الإساءة لسمعة مصر، ليست أسرار حربية مثلا، وليست أمور اجتمعنا نحن المصريون في أحد المرات وأقسمنا على عدم التعرض لها وإخفائها عن كل عين، هي أشياء تحدث يوميًا نعرفها من الشارع والجيران والأخبار والسوشيال ميديا فهل التعرض لها ومناقشتها دراميا هو الإساءة؟

الحقيقة أن الإساءة الحقيقة التي يمكن أن يقدمها عمل درامي هو أن يكون عمل سيء لا أكثر ولا أقل، الدراما تحمل أفكار نتفق معاها أو نختلف، فنناقشها، فتتسع دوائر النقاش للبحث عن حلول للسلبيات التي عرضها الفيلم وقد ينتج عن هذا الفيلم قانون أو تعديل قانون أو أن تلتفت السلطات الحاكمة لضرورة التدخل للحد من ظاهرة بعينها، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا.

الفقر لا يسيء لسمعة بلد، جهل شريحة من الناس لا يسيء لسمعتها أيضا، الجرائم كذلك، أصحاب هذا الاتهام يبدو أنهم متأثرين بنوع معين من الأفلام الأمريكية، أفلام السوبر هيرو الأمريكي التي تظهر أمريكا بلا فقر ولا بطالة ولا سلبيات وتظهر الشخصية الأمريكية شخصية إيجابية وفاعلة وتنتصر على الأعداء من غير الأمريكيين لأن الأمريكان لا يخطئون أبدا.

ذلك التأثر بالنمط الأمريكي الساذج كأن كل الإنتاج السينمائي في أمريكيا ينتمي لتلك الفئة -وهي مغالطة بالطبع فعدد الأفلام الأمريكية التي تسيء لسمعة أمريكا وفق منطق أصحاب التهمة ضعف أفلام السوبر هيرو- جعلهم يرفضون أي فيلم به مظاهر سلبية أو به مصري يقوم بشيء سلبي.

إقرأ أيضا
فيلم أنياب

عزيزي صاحب التهم الجاهزة المعلبة مثل تهمة الإساءة أحيط سيادتكم علمًا بالآتي لا نعيش في جزر منعزلة، والستار الحديدي سقط في بداية التسعينات عن دول الكتلة الشرقية فأصبح العالم بأكمله منفتحا على بعضه نعرف المشكلات التي تعاني منها كل دول العالم كما يعرف العالم كافة المشكلات التي نعاني منها في مصر، يعرفون كما نعرف أن مصر ليست جانب واحد وأن هناك العديد من الجوانب، وأن تجاهل المشكلات لن يؤدي إلى حلها بل ببساطة إلى تفاقمها، والبديل هو عرضها في قالب درامي جيد الصنع لأن التجربة أثبتت أن الدراما قد تساعد على الحل، فلا تزايد على مبدع أو فنان قدم عملًا فنيا ناقش فيه مشكلة بحجة أنه يسيء لسمعة مصر، الحقيقة أن أكبر إساءة لسمعة هذا البلد أن تكون تلك التهمة الفضفاضة سيفًا على الرقاب.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
2
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان