هل يمكن أن ترتكب الصحافة جرائم حرب؟ إجابات من نورنبيرج ورواندا
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
الصحافة من أهم الأدوات في أي مجتمع. كما إنها تعتبر أهم أعمدة قيام المجتمعات. لذلك يحظى الصحفيون بأعلى قدر ممكن من حرية التعبير تحت معاهدات حقوق الإنسان. كذلك يتم حمايتهم تحت القانون الدولي الإنساني حيث يعتبر استهداف الصحافيين جريمة حرب تحت اتفاقيات جنيف. لكن ماذا يحدث عندما يخالف صحفي أحد بنود اتفاقيات جنيف؟
منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة من أسبوعين ونحن نرى تغطية صحفية غربية متحيزة للكيان الإسرائيلي. حيث غطى العديد من وسائل الإعلام الغربية إدعاء ذبح حماس لـ40 رضيع بالرغم من عدم وجود أي دليل على ذلك. كما كتبت إحدى مراسلات الـBBC عن إذا كان يوجد أنفاق تحت مستشفيات غزة قبل ساعات قليلة من مجزرة مستشفى المعمداني. جعل هذا عدد من الناس تتسأل عن إذا كان يمكن إدانة وسائل الإعلام الغربية بجريمة التحريض على الإبادة الجمعية.
التحريض على الإبادة الجماعية يعتبر جريمة تحت اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية. لا يشترط أن يكون التحريض واضح وصريح ويعتبر تجرد مجموعة من الإنسانية و الاتهام المعكوس صور من صور التحريض على الإبادة المستتر. الاتهام المعكوس هو أسلوب ينسب فيه طرف بشكل خاطئ إلى خصومه النوايا والجرائم التي لديه نية أن يقوم بها. يستخدم هذا الأسلوب لتبرير الإبادة الجماعية من خلال تقديمها على شكل دفاع عن النفس.
في الماضي تم إتهام وإدانة العديد من الصحافيين بالتحريض على الإبادة الجماعية. منهم هانز فريتشه بالتحريض على جرائم الحرب خلال محاكمات نورنبيرج. كما تم إدانة كلًا من جان بوسكو باراياجويزا وفرديناند ناهيمانا وحسن نجيز بالتحريض على الإبادة من قبل المحكمة الجنائية الدولية لرواندا.
هانز فريتشه
تطوع هانز فريتشه في الجيش الألماني عام 1917 كجندي وخدم في فلاندر. بعد الحرب العالمية الأولى،في عام 1923 انضم إلى حزب الشعب الوطني الألماني المحافظ برئاسة ألفريد هوجنبرج وأصبح أيضًا صحفيًا في صحافة هوجنبرج٬ التي روجت لآراء قومية لا تختلف كثيرًا عن النازيين.
بدأ فريتسه البث في سبتمبر 1932 ببرنامج يومي يسمى “هانز فريتسه يتحدث”. في نفس العام تم تعيينه رئيسًا لخدمات الأخبار اللاسلكية، وهي وكالة حكومية. بعد الاستيلاء النازي على السلطة، تم دمج خدمة الأخبار اللاسلكية مع فريتشه كرئيس لها، في وزارة الدعاية لجوزيف جوبلز في 1 مايو 1933. انضم فريتشه إلى الحزب النازي في نفس اليوم. كما أصبح عضوًا في أكاديمية القانون الألماني. في عام 1938، أصبح فريتشه رئيس قسم الصحافة. في نوفمبر 1942، أصبح رئيسًا لشعبة الراديو. خلال الحرب، كان فريتشه أبرز معلق إذاعي في ألمانيا.
تم إرسال فريتشه إلى نورنبيرج، وحوكم أمام المحكمة العسكرية الدولية. ووجهت إليه تهمة التآمر لارتكاب جرائم ضد السلام ووالتحريض على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. في مواقفه في جهاز الدعاية للدولة النازية، لعب فريتشه دورًا في تعزيز المؤامرة لارتكاب الفظائع وشن حرب العدوان.
تمت تبرئة فريتشه لأن المحكمة “لم تكن مستعدة للاعتقاد بأن برامجه كانت تهدف إلى تحريض الشعب الألماني على ارتكاب فظائع ضد الشعوب المحتلة.” كان واحدًا من ثلاثة متهمين فقط تمت تبرئتهم في نورنبيرج. قال المدعي العام في نورنبيرج ألكسندر هاردي، في وقت لاحق٬ أن الأدلة على تورطه لم تكن موجودة حينها.
الإبادة الجماعية في رواندا
على الجانب الأخر تم إدانة ثلاثة متهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بتهمة التحريض على الإبادة الجماعية في ما عرف باسم “محاكمة الصحافة”. المجرمون هم جان بوسكو باراياجويزا وفرديناند ناهيمانا وحسن نجيز. وقعت الإبادة الجماعية في رواندا بين 7 أبريل و15 يوليو 1994 أثناء الحرب المدنية الرواندية. خلال هذه الفترة التي دامت حوالي 100 يوم، قتلت ميليشيات الهوتو المسلحة أفراد من أقلية التوتسي الإثنية، فضلًا عن بعض الهوتو والتوا المعتدلين. التقديرات العلمية الأكثر قبولًا على نطاق واسع هي حوالي 500 ألف إلى 800 ألف وفاة توتسي.
كان كل من فرديناند ناهيمانا وجان بوسكو باراياجويزا عضوين مؤثرين في اللجنة التوجيهية التي أسست إذاعة “راديو وتلفزيون الألف تل الحر”، محطة إذاعية بثت من يوليو 1993 إلى يوليو 1994 رسائل خبيثة تصف التوتسي بأنهم العدو وأعضاء المعارضة الهوتو بأنهم المتواطئين.
ناهيمانا، محاضر جامعي سابق ومدير مكتب المعلومات، زُعم أنه كان صاحب فكرة إنشاء المحطة وكان يُنظر إليه على أنه المدير. باراياجويزا، مدير سابق للشؤون السياسية في وزارة خارجية رواندا كان يعتبر الرجل الثاني في قيادة محطة الراديو. بالإضافة إلى ذلك، كان باراياجويزا عضوًا مؤسسًا في تحالف الدفاع عن الجمهورية وهو حزب سياسي قام بدور رئيسي في التحريض على الإبادة الجماعية في رواندا.
كان حسن نجيز مالك ومؤسس ومحرر نشرة كانجورا الإخبارية، التي نُشرت من 1990-19951 وتمت قراءتها على نطاق واسع في جميع أنحاء رواندا. مثل محطة الراديو، تضمنت كانجورا رسائل مليئة بالكراهية ووصفت التوتسي بأنهم أعداء أرادوا تخريب النظام الديمقراطي والاستيلاء على السلطة لأنفسهم. بالإضافة إلى ذلك، كان نجيز عضوًا مؤسسًا في تحالف الدفاع عن الجمهورية وزُعم أنه شارك في توزيع الأسلحة النارية والإشراف على حواجز الطرق والأمر بارتكاب مذابح في مقاطعة جيسيني.
في 3 ديسمبر 2003، أدانت الدائرة الابتدائية جميع المتهمين الثلاثة بارتكاب الإبادة الجماعية والتآمر لارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية والاضطهاد والإبادة باعتبارها جرائم ضد الإنسانية.
برأ استئناف الجميع من التآمر الثلاثة لارتكاب إبادة جماعية وكذلك الإبادة كجريمة ضد الإنسانية. بينما لم تتغير إدانة ناهيمانا ونجيز بالتحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية، تم إلغاء حكم الإدانة الصادر عن باراياجويزا فيما يتعلق بهذه الجريمة. وبالتالي تم تخفيض عقوبات ناهيمانا ونجيز من السجن مدى الحياة إلى 30 عامًا. كذلك تم تغيير عقوبة باراياجويزا المخففة بالفعل إلى 32 عامًا.
الصحافة والمحكمة الجنائية الدولية
كان كلًا من المحكمة الجنائية الدولية لرواندا و المحكمة العسكرية الدولية في نورنبيرج محكمتين مؤقتتين. لذلك تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 تطبيقًا لمعاهدة نظام روما الأساسي. الهدف من المحكمة الجنائية الدولية أن تكون محكمة مختصة في القانون الجنائي الدولي.
منذ 2002 لم تتهم المحكمة أي شخص يعمل في مجال الصحافة. لكن هذا لا يعني أنها لن تفعل ذلك في حال قادتها التحقيقات لصحفي. في الواقع يمكن أن نرى ذلك قريبًا حيث تحقق المحكمة في هجوم روسيا على أوكرانيا واتهم العديد من المنظمات٬ منها الأمم المتحدة٬ الصحافة الروسية بالتحريض على الإبادة الجماعية.
الكاتب
-
ريم الشاذلي
ريم الشاذلي طالبة في كلية حقوق القسم الإنجليزي بجامعة عين شمس ومهتمة بحقوق المرأة والحركة النسوية المصرية والعالمية.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال