همس الجنون…نجيب محفوظ بشكل مختلف

همس الجنون مجموعة قصصية صدرت للكاتب الكبير نجيب محفوظ عام 1938 وتعد أهميتها في كونها أول مجموعة قصصية صدرت لمحفوظ، وعلى الرغم من أن القصة القصيرة تحب التكثيف، إلا أن الأسلوب الروائي والسرد المطول والحوارات الطويلة تغلب على هذه المجموعة حول المتناقضات تمما يجعلنا نقف أمامها ونتفهم أن نجيب محفوظ كانت بالنسبة إليه هذه المجموعة مجرد تجربة.

وبشكل عام تغلب على هذه المجموعة أسئلة فلسفية حول المتناقضات، بين مثلا العقل والجنون، وكذلك تناقش فكرة الحرية ومداها، وصوت الزمن واضح فيها بشكل صريح كما يغير الناس وطبائعهم دائمًا في أعماله.

يكتب نجيب محفوظ القصص كمشاهد، مما يجعلنا نتذكر أن هذا الرجل كان أميل بموهبته للروايات وكذلك سيناريوهات الأفلام، وفي المقال رؤية مختلفة لثلاث قصص من قصص مجموعته همس الجنون

قصة همس الجنون:

بطل هذه القصة لم يتحول لمجنون بالمعنى الكامل، ولكن يظل طوال الوقت بين الوعي واللا وعي، فيختار بوعي أن يتصرف تصرفات المجانين فقط كي يجرب متعة جديدة وبابا آخر من الحرية، حتى لو كانت غريبة للآخرين ومؤذية أحيانًا.

وكتبت القصة باللغة العربية الفصحى لتعبر عن أسلوب سلس في السرد واستخدام متقن للغة العربية، وتمكن بارع في الوصف وسرد الأحداث بشكل سينمائي، وكأن هناك عدسة كاميرا دخلت بنا بكل موقف مع الشخصية التي تقرر التعامل بجنان مع الآخرين.

القصة تترك تساؤلًا هامًا حول الحرية وما إذا كانت مفتوحة دون قيود، أم لابد لها من قيود، واختيار عنوانًا لها باسم همس الجنون كان في منتهى الذكاء، حيث هذا الهمس عبر عن وساوس للجنون وليس جنونًا كاملًا، وإلا كانت الشخصية وتصرفاتها جاءت بلا دوافع وعن جنان رسمي بلا هدف، ولكن فعلت الشخصية مواقف الجنون فقط كي تجرب جديد وتكسر روتين وملل الحياة.

هذيان

 لغة سلسلة وعنوان آخر يشغلنا بالجنون، وهذه المرة عنوان من كلمة واحدة يذكرنا مرة أخرى بمنطقة اللا وعي التي يقع فيها الإنسان أحيانًا، ويستخدم محفوظ تشبيهات جديدة وسرد ممتع بشرح تفاصيل ترسم صورة مختلفة، فيقول على سبيل المثال:

أوشك الفجر أن يطلع  وتصايحت الديكة إيذانًا بطلائع النور، فأخلدت الحجرة إلى السكون والصمت كأنما أسلمها أنين المرض الموجع وتأوه الإشفاق الأليم إلى الهمود.

ألقى عليها نظرة جامدة، جرى فيها بريق القسوة جريان البرق في السحاب الداكن.

ويصف زوجة البطل فيقول:

وكأن صاحب هذا الاسم يعيش في الظلام.

ويصف الحيرة التي وقع فيها بسبب الشك فيقول:

استشعر اليأس من الدنيا جميعًا وألقى بنفسه في اليم خلاصا من عذابه وآلامه محافظًا بأسراره لقلبه ولبطون الأسماك.

اقرأ أيضًا…الكاتبات والوحدة بين الرغبة في التلاشي وترك بصمة ما

ويدخلنا محفوظ في هموم إنسانية مشتركة بين زمن البشاوات وزمننا الحالي، من سعي الإنسان لتكوين أسرة وجريه وراء الزواج ، وكذلك في المشاعر الإنسانية التي تسبب الحيرة والارتباك وتجعل الإنسان على حافة الجنون أيضا، مثل وقوع الزوج في الشك في سلوك زوجته.

الهذيان لم يكن فقط في هذيان الزوجة التي غلبها المرض فهذت بكلام قلب موزون علاقة زوجها بها، ولكن الهذيان في الفرضيات التي افترضها الزوج وسببت له ضربا من الجنون، أوليس الشك يدفع للجنون؟

يصف أيضا محفوظ المشاعر الإنسانية نفسها بشكل مختلف، فيقول عن الشك:

الشك مميت  حزنه أصعب من حزن الفقد

كما تنتهي القصة نهاية تعكس حال الحياة بأحكام الناس على شكل القصة من الخارج دون معرفة الحقيقية الباطنة.

إقرأ أيضا

حضري رولات الباذنجان بالدجاج الطازج بطريقة بسيطة

هذا القرن

يمهد محفوظ للدخول في قصة في للية واحدة فيقول:

انتصف الليل، وخيم السكون، وشمل الصمت الدور والطرقات، وانتشرت أنوار المصابيح الباهتة كأنها تؤنس وحشة الأشجار المغروسة في الأفاريز

كما يسرد في التفاصيل فيقول:

كانت السيدة ملقية برأسها إلى الركن، وجسمها الضخم الهائل ممدودا، يبدو الفستان اللامع الملتصق به كفر البحر، وكان الباشا مسندا رأسه إلى كتفها يحسبه من رآه لضآلة جسمه ونحافته عيلا صغيرا لولا شاربه الغليظ.

واختار محفوظ اسم هذا القرن كي يعبر عما يحدث بهذا الزمن من القرن الماضي، وترف الباشوات وطبقيتهم وحياة بعضهم التي تدور بلا معنى، ويدهشنا بالتشبيهات فيقول:

اضطرب شاربه كأنه جناحا نسر يخفقان.

المجموعة القصصية همس الجنون تستحق القراءة كعادة كتابات نجيب محفوظ