هنا حي باب سويقة معقل “ترجي الدولة” .. حيث الدم والدموع والابتسامات
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
أظن أن فريق الترجي التونسي لم يعد تونسيًا فحسب ، بقدر ما أصبح كتابًا مفتوحًا لنا – المصريين- بسبب كثرة تردد اسمه ، وارتباط اسمه باسم قطبي الكرة المصرية : الأهلي ، والزمالك . الأمر لم يعد منافسة كروية بقدر ما أصبح ارتباطًا نفسيًا بين المشجع المصري ، والمنافس الدائم على الجانب التونسي ، حتى إن أسماء لاعبي الترجي أصبحت – بالنسبة لنا- دارجة بشكل كبير ، وألقاب نادي الترجي أصبحت بالنسبة لنا أيضًا في نفس نسق وقع السمع للعديد من أسماء لاعبي فريقهم .. “ترجي الدولة” ، “الجمعية العريقة” ، “أبناء باب سويقة” . بصوت المعلقين الرياضيين : عصام الشوالي ، ورؤوف خليف . وإذا كنّا بصدد التحدث عن حي باب سويقة أو “السويقة” كما يسمى ، فإننا بالفعل نتحدث عن ملح الأرض التونسي ، يقول عبد الرحمن الأبنودي أن أفضل تعبير سمعه عنه كشاعر أن مصر كانت تطهي الخبز في الفرن ثم أخرجت آخر رغيف بطعمه المكثف وهذا هو الأبنودي ! ، بالضبط وكأننا نتحدث عن حي باب سويقة .. طعم تونس ورائحتها المكثفة في حي أو “باب” ، حسيننا أو تحريرنا أو وسط بلدنا .. قلب تونس النابضة .
عن باب سويقة الإسم والصفة
تعددت الأقاويل في أصل اسم “باب سويقة” ، أولًا “باب” لأن الحي محاطًا بثلاثة من الأبواب ، كان باب “سويقة” يغلق على السكان ومن خلفهم جنود الاحتلال ، و”سويقة” هناك رأيين هما على الأرجح أقرب للصواب ، و “باب السويقة ” اسم باللهجة العثمانية ، وهو مصغر “ساقية” ، “السويقة” ، للدلالة على إن سكان الحى ، والأحياء المجاورة كانوا يستعملون ساقية لشرب المياة بجوار هذا الباب بالتحديد ، والاحتمال الآخر أن هناك مقبرة لبنتين من مقاومين الاحتلال الإسباني حملت هذا الاسم .. لكن الرأي الأول هو الأرجح لتعدد المصادر التي تؤيده .
عن باب سويقة النضال
يعد الباب نبض تونس ، والحي التي كانت تنسج فيه الخطط للتخلص من الاحتلال ، والمكان المعتاد لمقابلة أبناء الحركة الوطنية ، والحي الأبرز الذي أخرج رجال استطاعوا انتزاع حرية تونس من المحتلين .. فبجوار صيدلية بن حمودة كان مكتب الحبيب بورقيبة ، وعلى بعد أمتار كان مكتب أحد أبرز زعماء الحركة الوطنية التونسية ، صالح بن يوسف ، وكان مكتبة يقع بالتحديد في مدخل سوق سيدي محرز ، وهو السوق الأبرز تقريبًا، ومن سكان الحي عدة شخصيات وطنية مثل : المنجي سليم ، والطيب السحباني .. ومن باب سويقة خرجت المظاهرات المنددة بالاحتلال والتجنيس ، والاحتجاجات الشعبية بمختلف مطالبها .. فقد كان باب سويقة ولازال يحمل عبق النضال التونسي للتخلص من الأطماع المختلفة في تونس .
عن باب سويقة الفن والأدب
كان الباب هو صوت تونس ، وموسيقى تونس ، وأشعار تونس ، وعين تونس المبدعة ، فـ عن ثقل الفن ، وأهل الفن الذين لا تنقطع أقدامهم عن الحي فحدث ولا حرج ، أسماء فنية ذات قيمة عالية أيضًا سكنوا الباب ، وكانت مكاتبهم ومقراتهم الأصلية في الباب العتيق ، وأبرزهم : الموسيقار المنصف السويسي ، وعلي الدعاجي ، وأحمد خير الدين ، والموسيقيين : صيحة ، شلبية راشد ، رضا القلعي . والفنانين الشعبيين : جرمانة ، وحبوبة ، وعبد الحميد قياس . وأما عن الأدباء والمفكرين ، فقد سكن الحي وبالتحديد كانوا يتقابلون في مقهى تحت السور ، والمؤرخ أحمد ابن أبي الضياف ، والوافي . وكانت تلك المقهى قبلة الأدباء والمفكرين ، مثل العقربي وكاربكا ، والحكيم بين ميلاد مؤسس الحزب الشيوعي ، ومحمد علي الحامي مؤسس أول نقابة عمالية في الوطن العربي رفقة بلقاسم القناوي . فقد كان باب سويقة ولازال متنفس التوانسة الأدبي والفني .
عن باب سويقة وترجي الدولة
هناك رابط مقدس بين النادي والباب، حيث أن الحي جزء من تكوين النادي والعكس ، فهم حقًا أبناء الحي دون مبالغة ، فقد كان مقر النادي الذي أسسه محمد الزاواوي في بداية القرن العشرين على بعد أمتار من مكتب بورقيبة ، وكان الحبيب بورقيبة رئيسًا شرفيًا للنادي بعد أن انضم له أثناء النضال ضد الحركات الاستعمارية ، ووقع اختيار اسم “الترجي” نسبة لمقهى الترجي الذي كان يجلس فيه الزواوي والقلال خلال التخطيط لإنشاء نادي تونسي ينافس على الألقاب الرياضية .. وأول من أطلق عليه ” الدولة” هو الحبيب بورقيبة نفسه ، وهو اللقب الذي ارتبط به مشجعي الترجي حتى الآن .
المصادر :
- موقع العرب
- جريدة الصحافة التونسية
- موقع الحصري
- موقع القدس
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال