“هنري كوريل” ما هي حيثيات النيابة لمحاكمة اليهودي الشيوعي المصري ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
طوى يوم 4 مايو 1978م قصة هنري كوريل الناشط اليساري الشهير والمؤسس التنظيمي للحركة الشيوعية واليسارية في مصر خلال أربعينيات القرن الماضي.
لم يُعْرَف من الذي قتل هنري كوريل أمام أسانسير منزله، ومثلما كان موته يكتظ بالتفاصيل الصاخبة فإن حياته أيضًا كانت صاخبة.
هنري كوريل ونشأته
هنري كوريل من جذور مصرية إذ ولد في 13 سبتمبر عام 1914م لعائلة فرنكوفونية يهودية من أصول إيطالية استقرت في مصر التي كانت حينها تعتبر قبلة للمهاجرين والطامحين خاصة من دول الجوار الأوروبي المتوسطية.[1]
اقرأ أيضًا
قضية اغتيال اللورد موين “رد بالوثائق على اتهامات إسرائيل لمصر جيشًا وشعبًا”
تعلم هنري كورييل في القاهرة تعليمًا فرنسيًا وتأثر بكتابات أندريه مالرو وبول نيزان وأندريه جيد، ثم تأثر بالأفكار الشيوعية وترجم ذلك بتأسيس حركة حمتو وهو اختصار لاسم الحركة المصرية للتحرر الوطني سنة 1943م وساهم في تكوين حركة حدتو والتي ساهمت في إحداث اضرابات عمالية وطلابية في مصر خلال منتصف أربعينيات القرن الماضي.
المواجهة مع كوريل
كانت حكومتيّ محمود فهمي النقراشي وإسماعيل صدقي تواجه الحركات الشيوعية بشكل في غاية العنف إزاء تكرار الاضرابات العمالية والمواجهة مع الشرطة المصرية ولعل أبرزها مظاهرة 2 إبريل 1947م عندما نظم أعضاء حدتو مظاهرة عمالية سلمية في المحلة الكبرى وانتهت المظاهرة بمقتل 4 عمال وإصابة 270 آخرين والقبض على 60 آخرين.[2]
لكن جرس الإنذار الأخطر كان عندما اكتشف القلم السياسي اختراق لصفوف البوليس والقوات المسلحة وألقي القبض على 18 ضابط مصري من حركة حدتو داخل البوليس والجيش، وكان جرس الإنذار هنا أن حركة حدتو استطاعت كسب المؤيدين بين صفوف البوليس والجيش ولاقت النشرات التي تلمس المتاعب المادية بالخدمة صدي واسعا بين رجال القوات المسلحة وكان جهاز الأمن السياسي يعتقد أن هذه النشرات تصدر عن ” اتحاد مترجمي الصحافة” وقد قبض خلال عام 1947 على بعض الكونستلابلات بالبوليس وهم يوزعون نشرات حدتو وتم قمع إضراب بين الكونستابلات في ذلك الوقت على وجه السرعة – كذلك فقد نجحت حدتو في نشر السخط بين الرتب الأخرى في الجيش الصف ضباط وقد بلغ تأثيرحدتو في الجيش إلى حد قيام بعض الضباط بمؤامرة خلال الأشهر الأخيرة من عام 1947 تم إحباطها وضبط أعضاءها بسرعة.[3]
إزاء كل ذلك قررت الحكومة المصرية البحث عن هنري كورييل آخر عام 1947م والقبض عليه وقامت النيابة بالتحقيق معه وأوصت بإحالته للجنايات.
ضمت قضية هنري كورييل 19 رجلاً آخرين بينهم محامين وصحفيين ووجهت لهم اتهامات مفادها أنهم خلال سنتين روجوا إلى مذاهب ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور والنظم الأساسية للهيئة الاجتماعية بالمملكة المصرية بالقوة والإرهاب وذلك عن طريق تأليف كتب بعضها يحوي على مجموعة أزجال فيها تمجيد للثورة الشيوعية وإشادة بنتائجها وتحبيذ لمنهاجها الثوري واستعراض لأعمال القوة والعنف ودعوة الشعوب للسير على طرقها.
جريدة أخبار اليوم ذكرت أن تقرير النيابة أعده محمد إسماعيل عوض رئيس نيابة الصحافة والنشر وعرضه على محمود منصور النائب العام لتقديم هنري كورييل للمحاكمة الجنائية وأقصى عقوبة لتلك الاتهامات لا تزيد عن 5 سنوات.[4]
بقي هنري كوريل في السجن حتى 25 يوليو 1950م عندما تقرر طرده خارج مصر لكونه أجنبيًا يشكل خطرًا على الأمن العام، وساهم إسقاط الجنسية المصرية عنه، فضلاً عن كونه يهودي في ازدياد الضغط عليه لتقرر وزارة الداخلية نقله إلى بورسعيد في 24 أغسطس 1950م وأجبر على مغادرة مصر من خلال السفينة الإيطالية سوريانتو ومكث في إيطاليا وتنقل بين بلدان عديدة حتى قُتِل عام 1978م.
[1] محرر، هنري كورييل: الشيوعي اليهودي المصري خَصْم الجميع، موقع مونت كارلو الدولية، 3 مايو 2018م
[2] يوسف محمد عيدان، الموقف الحكومي من التنظيمات اليسارية في مصر 1922م – 1952م، مجلة جامعة كركوك للدراسات الإنسانية، مجلد: 13، عدد: 2، سنة 2018م، ص161.
[3] عبدالوهاب بكر، أضواء على النشاط الشيوعي في مصر 1921م – 1950م، ط/1، دار المعارف، 1983م، ص63.
[4] محرر، النيابة العمومية تطلب إحالة هنري كورييل و19 معه إلى محكمة الجنايات، جريدة أخبار اليوم، عدد 11 يناير 1947م، ص9.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال