هيدي كرم في مواجهة الذئاب .. عن أزمة جيل مواقع الأفلام الجنسية الذي فقد عفويته
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
هنا يجب أن تصمت قليلًا وتضع يديك على رأسك خوفًا من القادم .. هنا يجب ألا تتفائل ولا تتحدث عن التقدم الفكري في المجتمع .. هنا يجب عليك أن تلطم على خديك إن استطعت ، أو تنظر في عين المقربين إليك وتقول : حقًا إنها أيام لا تستحق العيش … ربما أكون قد أفرطت في التشاؤم ، لكن الحقيقة أكثر إفراطًا .. وكل هذه المقدمة القاتمة اللون لا تكفي لوصف تفاصيل ما حدث في الأيام القليلة الماضية بعد أن نشرت الفنانة هيدي كرم فيديو قصير على حسابها الشخصي على موقع “انستجرام” ، يجمعها بإبنها أثناء ممارسة الرياضة .
ما إن نشرت هيدي كرم الفيديو إلا وواجهت طوفانًا من التعليقات التي إذا حاولنا وصفها فإن أقل ما نقوله أنها مرعبة ، لا تنطلي إلا على كارثة كل ما يفصلنا عنها هو التوقيت والطريقة ، وإنما هي مححقة محققة لا مناص . اتهم البعض الفنانة هيدي بالفجور والفسق ونشر الفاحشة، بينما تطرق البعض للكشف عن علاقة غير شرعية تجمعها مع إبنها ، ما اضطرها للظهور في فيديو جديد تدافع فيه عن نفسها في مشهد مأسوي .
عندما تقرر أن تفكر في مثل هكذا موضوع ، لابد أن تسأل نفسك السؤال الكبير .. كيف وصل هؤلاء لتلك المرحلة الفجة من الإفصاح عن كل هذا العفن في التفكير ؟ ، ما الطريق الذي مشاه هؤلاء ليصلوا في النهاية لاتهام أم في علاقة غير شرعية مع ابنها لمجرد أنها قررت أن (تهزر) مع ابنها؟ ، وعندما تقرر أن تفحص حسابات هؤلاء تجد أن أغلبهم من شباب الميم ، الكول ، الذي لم يتجاوز عمره الثلاثون.. كيف تربى هذا الجيل وعلى يد من نشأ ؟
كانت ثورة المواقع الجنسية –بلا شك- هي ثورة هذا الجيل ، ولنكون واقعيين بشكل أكبر فإن المواد الإباحية متوفرة من قديم الأزل ، لكن السهولة في التداول ، والابتكار ، والتطور في صناعة الأفلام ، مع بدء قطار الموبايل ودخوله مصر ، ومن ثم الأندرويد ، جعل من الأفلام الإباحية ركنًا أساسيًا في نشئة هذا الجيل ، وبالتالي اكتسب كل خيالاته وتصوراته وثقافته المجتمعة من هذا الركن الأساسي ، وليس بغريب ما سأحكيه لك .. إذا قررت أن تأخذ جولة في إحدى الجامعات ، وحدث أن سقطت إحدى البنات على الأرض فصرخت ، سيسمعها أغلب الشباب صرخة جنسية لا صرخة استغاثة !
وبحسب موقع researchgate للمقالات الأكاديمية عن علاقة الشباب بالمواد الإباحية ، فإن آخر دراسة قام بها متخصصون للإجابة عن سؤال دار برأسهم كثيرًا : هل يفقد الإنسان عفويته تجاه الجنس الآخر بسبب المواد الإباحية ؟ .. قامت الدراسة بفحص شرائح من الجنسين ، فوجدوا أن أغلب الرجال يتأثرون بشكل كبير في حياتهم العادية – خارج أوقات ممارسة الجنس – بسبب مشاهدة المواد الإباحية بغزارة ، فيفقد شعوره الإنساني أحيانًا بأمه وأخته وجارته ، ويتساوي عنده صنف النساء بسبب شعوره الجنسي فقط بهم ! ، وبشكل تفصيلي أكبر فإن كل ما سيصدر من المرأة من تعبيرات الوجه ، أو الكلمات العفوية ، أو الضحكات ، فسيعتبرها هذا النوع من الرجال موافقة على ممارسة الجنس ، أو طريقة للإغواء .. هكذا يصبح كل ذكر عبارة عن ذئب لم يأتي أوان افتراسه لأي ضحية ستأتي أمامه ! .. ربما يدفعه هذا لارتكاب الجرائم تمهيدًا لفعلته .
ضِف إلى ذلك أن لنسبة كبيرة من الشباب المصري مخزونًا ليس بالقليل من التدين الظاهري والاستشياخ ، يمكنه من وصف المخالف له بالعهر والفساد والفسق دون أن يتحرك قلبه أو يراجع نفسه قيد أنمله ، فأصبحت أنت هنا أمام طلسم ، دماغ تشبه الصخر بسبب شعوره بالتعالي والتفوق في التدين ، ومخزون من التربية على مواقع المواد الإباحية ، وأيضًا إهدار شرف الفنانين بكل سهولة بسبب التربية التي أفضت لأن الفن وأهله من أهل النار حتى لو طافوا وحجوا وصلوا .. إذًا أنت أمام ذئب لديه بطاقة قومية خادعة تقول أنه إنسان من بني البشر لا أكثر !
ماذا نحن فاعلون ؟
لا نرى حلًا لتلك الأزمة الخانقة إلا الصراحة الكاشفة الواضحة ، وإخراج الخفافيش من الكهف ، ومناقشة القبح في شمس الظهيرة .. وكل هذاسيتم عن طريق طرح المسألة في المدارس والجامعات عن طريق مواد دراسية تناقش بكل وضوح هذه الظواهر ، وصدمة الكلام المباشر لهؤلاء الذين يظنون أن ما يدور في رأسهم لا يدور في رأس أحد ! .. قنبلة موقوتة علينا أن نلقيها بأيدينا في الماء لتنفجر بعيدًا عن المجتمع .. نفجرها في إطار آمن للجميع .. قبل أن تدمرنا جميعًا !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال