وتحسبهم مقربون
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد
عزيزتي جيجي
شيء ما يتحرك في صدري، أمر أشبه بالفأر الذي كنا نتحدث عنه فى إشارة إلى قلق وعدم راحة، إنني أُفكر طيلة الوقت أطرح الأسئلة ولا أُفكر في إجابات، ماذا فعلنا حتى تقسو علينا الحياة؟.
الحياة قاسية وليست عادلة وأنا أمسك شريط حياتي أُشاهد الأوقات الجميلة، كيف كان الأبطال يتصدرون المشهد، أقرأ الرسائل تصير لحنًا للسعادة أسمعه بمحبة مفرطة، فكيف إذًا ينقلب الرفقة؟.
أقول لك يا عزيزتي إنها المصلحة
هكذا بكل بساطة تنخلع قلوبنا، ننكسر أمام طموحاتنا بحياة نُكملها سويًا، الصور المشفوعة بابتسامات، المعلنة بوضوح قرب وتفاهم، ها نحن الآن نقف نسّود الطرف الآخر فى الصورة.
اقرأ أيضًا
هل يفسد الحب ؟
عزيزتي جيجي
إنني لا أتحدث عن علاقة عاطفية، لكنني أتحدث عن الأصدقاء، عن رفقة الوقت والحلم، ربما أتفهم انتهاء العلاقات العاطفية، أحيانًا أجد مبررات للطرفين، وبقليل من الاحترام يمكن أن تستمر الذكرى حلوة برغم مرارة النهايات، لكن لماذا يقتلنا أصدقاءنا؟
في الحب نبتكر الأحاديث وصلاً مع من نحب؟ تتفرع الحكايات لمجرد استمرار صوته على الجانب الآخر، الرسائل في موضوعات لا تستهويني لكنها تضمن الاستمرار في سماع صوت كلماته حين تصل الإشعارات.
الحب حالة مُدهشة حين تدخلنا أو ندخلها لا نعرفنا، نُصبح أشخاص آخرين ثرثارين في حين كان الاختصار أساسيًا، مستحوذين فيما لا نملك!.
في الصداقة الأمر مختلف، لا نرتدي شخصيات أخري، نكون نحن نعترف وندعم ونساند، الأيام التي انقضت فى الشوارع، مناقشة وحكي، فرجة على المحال، السندويتشات منخفضة السعر، فلماذا إن صعد أحدهم درجة في سلمه للترقي تخلى عن ماضيه؟
ما هي الوصفة التي تجعل أحدهم يمحو أيام وأحلام من عمره، الفأر الذي يتقافز فى روحي تحليلاً لتغيير نبرة الصوت في مكالمة، لردود جافة برسالة، ولصور تخلو من وجودي، أنشغل بصياغة مبررات، نحن لا نملك الآخرين.
عزيزتي جيجي
في حوارنا الأخير دافعتي عن أنانية الحب، ذلك أنه قائم على الامتلاك، حالة استحواذ، كل طرف يرغب فى ابتلاع الطرف الآخر فلا ينكشف للعالمين، لكنها يا عزيزتي حالات مؤقتة، في الحب كلما مرّ الوقت بهتت العلاقة، ودُفن الشغف، دبت الخلافات واستحوذت علي مساحتها من الوقت، لكن في الصداقة كلما مر الوقت امتدت الأواصر بنينا صناديق أسرار، وهبنا العلاقة من أنفاسنا، الصداقة كالشجرة كلما مر الوقت كبرت واستوثقت جذورها، فلماذا يغدر صديق؟
أي مال أو مكانة تجعل صديق يكسر صناديق الأسرار ويبعثرها فى ريح الغدر؟
نبدو كأشخاص جالسين فى حجرة المونتاج نُشاهد المادة المصورة؟ هل كانت محض خيالات؟
التاريخ معبأ بقصص الغدر من المقربين، فلماذا كلما اقترب أحد منا ظننا أن لنا حظ أفضل؟.
مع كل صديق أستعد بخرائط الوقت، أنشغل ببناء طموحات عِدة عن شيخوخة تملأها الذكريات، أُجهز ألبومات الصور، لكن لحظة القطيعة مؤلمة يا جيجي، حين يقرر الآخر أن يكسرك، يشوهك لتكون عالة علي تقدمه، يبدو الآخر مظلومًا، وأنا فى مقعد الجاني، كان علي من نُسميه صديق(ة) أن يهرب وينجو من فخ الود، الأسباب مكررة والغاية واحدة هي الألم!
حين نبني صداقة لا يخطر ببالنا أنها في زوال، نتجاهل هواجس الخيانة، ننسى كل الحكايات والأمثلة، لا نُفكر إلا في القرب، في الأُلفة التي نشعر بها مع الأصدقاء.
هل تعرفين يا جيجي معني الستر؟
إنه صديق وفي في لحظة ضيق، صديق فى لحظة احتياج، وصديق يُداري نقائصك، حين نقع أسرى الحب تُعمينا قلوبنا، لا نرى ما يفعله ما نُسميه صديق(ة)، وهو/هي تعري ضعفك، وتكشف عن حاجتك، تدلل عن جمالها بنقصك، كيف لا نري العلامات؟
وكيف يُعمينا الحب حتى في علاقات الصداقة؟ إنه القرب المبالغ فيها حد الالتصاق، يا جيجي.. ذلك القرب الذي لا يسمح لنا بالرؤية، يُعمينا تمامًا فلا نعرف ولا نرى الأمور الواضحة، يا جيجي إن أحببتي لا تلتصقي.
في بلادنا تأسرنا العاطفة، هل تذكرين حجة الولد الصغير الذي يجلس ليذاكر فى الشارع وهو يبيع علب المناديل الورقية، ثم اكتشفنا بعد ذلك إنها إحدي الطرق المبتكرة فى عالم التسول.
يا جيجي
أقسى ما يوجع فى الغدر أنه ينزع عنا إنسانيتنا، يقف كعقاب علي حسن النوايا، يُهدر مشاعرنا التي أودعناها لديهم بأريحية، لكنني أقول لك، لا يعنيني الغدر، ولا تشغلني الانكسارات، ذلك أن هؤلاء الذين تخلو عنا ووزعوا أسرارنا على الملأ هم دليل على المحبة الحقيقية من آخرين لم نرهم، آخرين دعموا وأحبوا وصدقوا دون مغالاة، لم يطلبوا مقابل لما يفعلون ذلك لأنهم كانوا يحبونك محبة حقيقية، فلم تغيرهم مناصبهم ولا مالهم، و ظهور آخرين أشد جاذبية منك.
لكن حقيقة الوجع الذي لا يُمحى هم هؤلاء الذين إن خاصموا فجروا، فجرّفوا الذكرى من كل جميل يخصهم، وتركوا فى كل مكان مروا به أذي، شوهوا وأساءوا، ولم تشفع لنا الأوقات الحلوة معهم، هؤلاء هم سرطان العلاقات، الفأر الذي لا يهدأ عند بداية كل صداقة.
فمحبة لهؤلاء الذين أن رحلوا لم يجرحوا أو يقسوا، أما من يغدر ويكسر ويمحو فهم القبح الذي يكشف جمال آخر لم نكن نعرفه.
الكاتب
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد