وحيد حامد وشريف عرفة الرباعية المقدسة (1) المنسي.. لعبة الحلم والقطر والعالم السفلي

عمرو شاهين

كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال

أنا بحب اسميهم الرباعية المقدسة، الرباعية اللي قدرت مش بس تحقق المعادلة الصعبة بين القيمة الفنية العالية والنجاح في شباك التذاكر، لكن كمان الرباعية اللى حولت اتنين من صناعها لنجوم رغم إن نجومية أهل ما وراء الكاميرا شيء صعب جدًا ونادرًا ما يبقى الجمهور العادي بيدخل فيلم علشان مخرج أو مؤلف، أنا هنا بتكلم عن وحيد حامد وشريف عرفة ورباعية “اللعب مع الكبار – الإرهاب والكباب – المنسي– طيور الظلام”

بس لأن الكلام عن الرباعية نفسها يطول وهيجيله وقته قريب، خلونا نتكلم عن المنسي، اللي في رأيي هو درة التاج في الرباعية دي، أجملهم في رأيي وأكثرهم نعومة ومتعة فنية بالنسبة ليا ومن حقك تختلف معايا، بس خلينا أقولك ليه المنسي بالذات.

من بدري كدة تعالي نبص على مكان إقامة يوسف المنسي، المكان ده شديد الواقعية حتى اختيار شريف عرفة للتصوير خارجي في أماكن طبيعية ويمكن داخلي كمان لان ديكور شقة المنسي واخته ده صعب جدا يكون لوكيشن معمول حقيقي لدرجة مذهله بتفاصيله البسيطة اللى بتبدأ من مجرد لون الحيطان لوجود العسالة جنب الانترية جنب التلفزيون، دليل على المساحة الضيقة جدا اللي عايش فيها المنسي ودي دلالة مهمة جدا هنحتاجها بعدين.

شريف عرفة بقى ما فوتش الفرصة واتعامل مع ضيق المساحة بشطارة عبقرية علشان يبرزها أكتر، وده من خلال اللعب بالإطارات وده واضح في مشهد المنسي وجوز اخته، بس عموما اللعب بالإطارات مهم في فيلم المنسي وبيتكرر بشكل عظيم في مشهد تاني هنجيله بالتفصيل قدام.

لكن الأهم في الواقعية اللي بيعيش فيها المنسي هي عبثية الأحداث اللي بتدور جوة هذا الإطار الواقعي أو للدقة كارتونيتها، يعني خد عندك مثال سيكوانس العروسة اللى رايحة تشوف العريس – ده مبدئيا- وبعدين بتترفض من العريس فبتقرر تاخد حقها ضرب وبإيديها، ده مشهد كارتوني جدا داخل إطار واقعي، طب غرض السيكوانس ده الضحك؟ الإجابة لاء

السيكوانس اللي بيعرفك ازمة البطل وواقعه وبيئته اللي ايش فيها، انت بتعرف حلم المنسي في الست اللى حابب تكون معاه حتى لو على مستوى الشكل ودي نقطه مهمة للشخصية، نقطة مهمة لدرجة إنها بتتكرر وتتقال بشكل مباشر من صاحبه على القهوة، الكارتونية اللى انت بتشوفها دي هي التمهيد لعدم معقولية الاحداث اللي جاية، واللي هي الحلم اللي هيعيشه المنسي في العالم بتاعه أه انت بتعرف البيئة اللى عايش فيها لكن لسه ما دخلتش العالم بتاع المنسي.

علشان تدخل عالم المنسي العالم اللي بيعيش فيه، لازم تمر برحلة طويلة والأهم إن في حد فاصل بين عالم المنسي داخل كشك السكة الحديد وبين العالم اللي برة، بين عالم الأحلام والعالم اللي بيضطر يرجعله، تفصيلة المركب هنا تفصيلة شديدة الأهمية للدلالة على الفصل الشديد بين العالمين.

وعلشان الدراما تكمل وتحلو بيحكي زميل المنسي له حكاية عفاريت العشاق اللي بتظهر في الكشك، الحكاية اللي بنشوف نسخة كاملة منها بنهاية مختلفة في علاقته بغادة اللي بتبدأ وممكن نقول بتنتهي في الكشك كانها حلم حقيقي بيعيشه في العالم بتاعه، حكاية بتمزج بين حكاية العشاق وعفاريتهم وبين أحلام المنسي اليومية.

عالم المنسي هو الكشك، لان العالم بتاع أي شخص هو المكان اللي يقدر يحلم فيه، المنسي متماهي تمامًا مع العالم بتاعة، التماهي دي ممكن تكشفه تفصيلة بسيطة زي لون اللبس اللى بدرجات الأزرق اللي متماهي مع الليل عالم الحلم اللي بيعيش فيه.

في عالم المنسي بنشوف الحلم لكن كمان بنشوف الخطر، لما بندخل عالم المنسي لازم نشوف أحلامه علشان كدة مشهد الحلم مع دينا مشهد مهم، مش بس لانه بيفتح الباب على عالم المنسي العادي لكنه كمان بيأسس لموتيفة هيتم استخدامها بشكل متكرر طوال باقي الفيلم موتيفة بتدل على الخطر وهو صوت القطر.

بنهاية مشهد الحلم بنتنقل للقصر بس المهم هنا هو شريف عرفة بينقلنا ازاى بصريا، عالم القصر هو عالم سري وخفي بالنسبة للمنسي علشان كدة شريف عرفة بينزل بالكاميرا لتحت من على كشك المنسي، وبعدين يظهر القصر وهو بيكمل نزول لتحت بالكاميرا علشان يكشف القصر، العالم السفلي الخفي عن المنسي، احنا بندخل جواه لأول مرة بالطريقة دي.

ومن كل مشاهد الفيلم في مشهد كتبه وحيد حامد بمعلمة شديدة لكن اللي عمله شريف عرفة فيه دي حاجة بتأكد غننا مش بس قدام مخرج شاطر وفاهم دراما الفيلم وشخصياته وأزمات أبطاله، لكنه مخرج عبقري بكل ما تحمله الكلمة من معاني، المشهد اللي بيجمع المنسي وغادة وهي بتتعرف عليه جوة الكشك، او المشهد المشهور بجملة ” انا لو زهقت اتسجن”

عبقرية المشهد مش بس في حواره لكن في تسلسله، وتعالوا نعمل تشريح بصري للمشهد ده ونشوف شريف عرفة عمل إيه،*

شريف عرفة بيفتح المشهد بلقطة من برة الكشك بيظهر فيها المنسي في شباك وغادة في شباك تاني وبينهم شباك مقفول خالق مساحة كبيرة بتفصلهم عن بعض، انت وانت بتتفرج هتعرف المسافة اللي بينهم وهتحسها من المشهد ده.

ولما بنيتقل لجوة الكشك هل منى كدة انهم بيقربوا الإجابة لا، لانه من جوة وفي مساحة ضيقة جدا بيقدر برضو يوضح قد ايه المسافة بين غادة ومنسي لسه موجودة لأن كل واحد في اقصى ركن في الغرفة بشكل بعيد عن التاني، وبيزود البعد ده انه بيخلينا نشوف الاتنين في كدر واحد وممثل من ضهره فبنشوف المسافة بينهم.

مع الحوار العظيم بيبدأ يحصل تقارب بين المنسي وغادة، التقارب ده بيحصل بصريا بالتدريج زي ما بيحصل في الحوار بالتدريج، الأول بنشوف كل واحد بيبص للتاني من عينه، هو هنا لسه مفيش حركة لكن في تقارب بيحصل، لقطة والتانية ويبدأ المنسي يقرب.

شريف عرفة بيحط الكاميرا ثابته على مسافة لقطة متوسطة في البداية والمنسي بيجيب الكرسي وبيقرب من غادة وغادة مبسوطة بالقرب ده وبتميل بجسمها لقدام، وكل جملة القرب بيزيد لحد ما يوصلوا لأقرب نقطة، يسكت شريف عرفة، لا طبعا بيزود القرب ده بأن الكاميرا بتقرب لدرجة إن الكادر بيكون عبارة عن وش المنسي وغادة فقط، طب المشهد خلص هنا؟ لاء طبعا.

المشهد اللي بدأ باتنين كل واحد فيه في إطار مختلف عن التاني بتفصلهم مسافة عن بعض “الشباكين” بينتهي بلقطة من برة الكشك برضو، بس الاتنين في إطار واحد، منسي وغادة بقوا في عالم واحد بقوا قريبين جدا من بعض، رغم ترد منسي ومحاولة بعده عنها لعدم معقولية إن غادة تحبه، لكن بيرجع يقرب تاني علشان نسمع نفس الموتيفة الصوتية ونحس إن في خطر جاي مع صوت القطر، والختام بجملة “الظاهرإن في قطر جاي”

ده مشهد محوري في الفيلم، ويمكن أهم مشهد في الفيلم، لأنه المشهد اللي بيحط المبرر للمنسي إنه يخرج من العالم بتاعة ويصطدم بالقطر أو بمعنى أدق يوقفه قبل ما يكتسح غادة، المشهد اللي بيبرر ليه المنسي بيحارب علشان غادة، غادة اللي هي برضو حلم بيعيشه المنسي في الكشك بتاعه بس ده أول حلم يعيشه من لحم ودم.

المنسي اللي بيهزم في البداية لكنه بيصر يسترجع حلمه، وبنكتشف عن حلمه نفسه اصبح متماهي مع العالم بتاعة، لما بتلبس غادة فستان أزرق غامق، بيقدر ينتصر، على عالم سفلي كامل ماكنش يعرف عنه حاجة وأول معرفته بيه صدام كامل صدام بينتهي بفوزه، وزي ما العفاريت بتهرب من نور النهار وتستخبى بينهزم أسعد ياقوت ورجالته من طلوع النهار.

لأن عالمهم السفلي الليلي مفهوش شهود، ممكن يرتكبوا فيه كل الخطايا لكن النهار له عينين وعينين النهار هنا هما أهله من ناس بسيطة بتشتغل، الناس اللي المنسي بيتحامى فيهم، مش لانهم اقويا أو عزوة، لكن لأنهم هيكونوا شهود على اللي هيحصل.

المنسي صاحب الحلم اللي صدق حلمه وعاشه ولو ليلة واحدة وقدر يدافع عنه ويحافظ على حلمه من إن القطر يدهسه، حلمه بينتهي مع القطر اللي بياخد غادة ويمشي مع احتمالية تكرار الحلم مرة تانية، لكن النهاية كانت في سؤال مهم وهو هما طلعلوك يا منسي؟ رغم إن زميله كان بيقصد العفاريت لكن الحقيقة إن المنسي اصطدم بعالم سفلي فعلا وانتصر عليه.

في نقاط تشابه كتيرة بين المنسي وبين الأفلام التلاتة التانين في الرباعية المقدسة هنتكلم عن كل فيلم على حدا وبعدين هنتكلم عن التجربة دي بشكل كامل فلو تحب خليك معانا.