وكنا نأمله عيد ولكن
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد
صباح الخير يا جيجي
كنت أتمني أن أهنئك بالـ “عيد ” وأهنئ الجميع لولا الحزن الذي يخيم علي القلوب، يبدو ملاك الموت واقفًا فى الممرات يحصد الأرواح، تتعدد الأسباب والموت فراق قاس يوجع المقربون، أما من هم خارج دائرة الأهل والرفقة يبدو طيف ثقيل سرعان ما يمر، يُصبح مثل فقرة إعلانية قصيرة تنتهي بعد ثواني.
لماذا خرجت المقارنات في يوم عيد بقلوب موجوعة بين إصابة فنانة معروفة شفاها الله، وبين الطبيب الشاب الذي توفاه الله؟
يا جيجي
إن الحياة قاسية والعدل بعيد عنا، إن ماعت التي تُزين قاعات المحاكم ليست أكثر من أسطورة قديمة، وشعار لا يعرفه الكثيرون، فالعدالة عمياء تحتاج نور لتري، وكثيرون يريدونها عمياء حتي تليق بحيواتهم التي أرادوها.
الناس غاضبة يا عزيزتي رغم أنه عيد ، وليس الغضب يخص الفنانة التي لها في قلوبنا محبة، ولكن الغضب من اجتماع النقيضين فى ذات اللحظة، إنه القدر الذي يكشف فسادنا وفساد منظومتنا، يُعري الحقائق، ويؤكد أن الحياة لمن يملك وليست لمن يريد، أو من يستحق.
هل تعرفين يا جيجي أن لو أن الموقف نفسه حدث بفارق زمني كان سيمر كعشرات الأمور والأرواح التي مرت دون الالتفات، سقط أطباء من قبل، ولم يستغرق الأمر أكثر من ثوان للترحم عليهم، وبينما سكن الحزن ضيفًا دائما في قلوب ذوويهم، كان الأمر بالنسبة لنا ليس أكثر من خبر عابر.
فجأة يا جيجي صرنا جميعا الطبيب المتوفي (رحمه الله وأعان أهله ورفقته)، تعامل الجهات المسئولة مع مرض الفنانة كان بمثابة الصدمة التي وضعتنا أمام حقيقتنا، أننا جميعًا (أطباء – مهندسين – عمالة – …) لا نملك، نحن أيضًا محض أرقام، سنسقط دون أن يشعر بنا سوي أهلنا وأصدقاءنا.
إننا الآن نقف أمام الموت ضعفاء بلا سند، وكلما ازداد العجز تضاعف الغضب.
العدالة عمياء يا عزيزتي، وهم يريدونها كذلك
فى كل دول العالم هناك تمييز لمن يملك، لكن فى دولنا كل شيء لمن يملك، كل شيء بلا مقابل، منذ سنوات ودع صديقي طفله الذي توفي رضيعًا لاهمال وقت الولادة، ولولا عشرات ساندوه ما وجد سريرًا فى مستشفي الأطفال، 54 يومًا من العذاب عانه صديقي وكتب عنهم فيما بعد تحت عنوان “رحلة يوسف” ولولا هذا الكتاب ما عرفنا الوجع الذي طاله.
الآن نقف أمام مرآة الكشف، الشهرة والسلطة قادرة أن تفعل لك كل شيء، في فيلم حتي لا يطير الدخان سعي البطل أن يلتحق بعضوية مجلس الشعب، كان يعرف أن هذه المكانة ستوفر له أكثر مما أنفق.
ونحن نُشاهد الأفلام ونري أنفسنا مجرد متفرجين، وأن هذه قصص بعيدة عنا، لكن الآن والكرونا عدو زئبقي يقترب منا يغزو بيوتنا، صرنا أبطال الحكايات.
أيام نقرأ استغاثات الأطباء، نمرّر المنشورات علي مواقع التواصل الاجتماعي أحيانا دون ان نستكمل قراءتها، تُصبح صرخاتهم ثقيلة علينا ونحن نبحث عن مصدر للضحك والسعادة، نهرب من أصواتهم، حتي فاجأتنا الظروف.
فهؤلاء الأطباء الذين يصرخون طلبًا للمساعدة، وعشرات الفيديوهات من الطواقم الطبية، باتت كلها حاضرة في عيوننا، فى لحظات تم توفير كل شيء وبلا مقابل حين كان المريض شخصًا مشهورًا بل الموجع للعامة أن كل شيء بات سهلًا يسيرًا، والأمر لا يتعلق بالفنانة المعروفة عفاها الله، لكن أي شخص آخر فى نفس مكانها وحدث له ذلك كنا سنشعر هذا الوجع.
صدقيني يا جيجي
لا أحد يكمن فى صدره شيء ضدها أو غيرها، المشكلة أنه بالصدفة صارت هي نموذج للاهتمام في حين استشهد ثلاثة أطباء فى ذات اليوم لأنه لم يتوفر لهم أي شيء.
يا جيجي
هل تعرفين كيف تنبت الأحقاد والكراهية، إنه من مثل تلك التصرفات، التفرقة فى المعاملة، الكيل بمكيالين، التمييز غير المبرر لعامتنا، لماذا حياة هؤلاء ثمينة، ونحن بلا ثمن.
الوجع ينخر فى الروح، فهناك قاتل وفق أدلة صحيحة حصل علي عفو رئاسي وخرج لعائلته يقضي أيام العيد، وآلاف داخل محبسهم دون حكم، معاملة شديدة الخصوصية والاهتمام لفنانة أُصيبت، وتوفير كل شيء لها وبلا مقابل مادي، في ذات الوقت إهمال لعشرات ومئات سواء من الطواقم الطبية أو من العامة الذين ننتمي لها.
إنها الظروف التي شخصت الفنانة لتكون نموذج لكيف ترعي الدولة مشاهيرها وأغنياءها، فصارت شاخص نرمي عليه أوجعانا وشعورنا بالإهمال وإنعدام القيمة.
أي عيد الذي نتحدث عنه وقد ادركنا ان حيواتنا لا تعني سوى أرقام فى التعداد السكاني، وأي رعاية نفكر بها، إنه الحزن الذي حطّ في قلوبنا فشاهدنا جميعا أن ماعت عمياء.
الكاتب
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد