مبدعات من الشرق (1) نازك الملائكة .. النسوية والشعر الحر
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
منذ كنت صغيرة وأنا أقع في حب أي امرأة متمردة تضرب بالقيود المجتمعية عرض الحائط، ورغم كثرتهن في مجتمعاتنا العربية إلا أن الكثيرات منهن لا يتساوين في حجم الشهرة، ولكن الشاعرة نازك الملائكة رغم شهرتها إلا أنها كانت مثال حي لامرأة متمردة تصارع وسط أصحاب الفكر الذكوري من أبناء مجتمعنا حتى وصل الأمر إلى نسب إنجازها لرجال.
كانت نازك طفلة فريدة من نوعها، فحتى اختيار والديها اسمها كان تيمنًا بالثائرة السورية (نازك العابد) التي حاربت جيش الاحتلال الفرنسي وأصبحت رمز في عام 1923 وهي نفس سنة ميلاد نازك الملائكة، منذ طفولتها أحبت القراءة والشعر كثيراً، وساعدها على ذلك وجودها في بيت يحيط به الشعر والأدب من كل اتجاه، حيث كان والدها شاعر وأيضًا والدتها كانت شاعرة نشر لها عدد من الأشعار تحت اسم مستعار اختارته لنفسها وهو ( أم نزار الملائكة) وكان في ذلك الوقت كتابة النساء تحت أسماء مستعارة هو الأمر السائد.
ولم يكن الأب والأم فقط شعراء، فخال نازك هو الشاعر الشيخ محمد مهدي كبة الذي اشتهر بترجمات رباعيات الخيام، مما جعل هذه الزهرة الصغيرة تتفتح أوراقها في عمر صغير، حيث كتبت نازك أول شعر كلاسيكي لها وهي في العاشرة من عمرها، وتوجت حبها للأدب بالدراسة، حيث تخرجت من كلية الآداب في جامعة بغداد في عام 1944، وأطلقت أول ديوان شعر لها في عام 1947 تحت عنوان (عشاق الليل)، ومع إصدار أول ديوان شعري لها اصطدمت نازك بالأصوات الذكورية، حيث قوبل شعرها بانتقادات تصفه بأنه يفتقد للإيقاع الذكوري المعاصر.
الكوليرا التي غيرت شكل الشعر
في نفس العام التي أطلقت فيه نازك ديوانها كان اجتاح مصر وباء الكوليرا، وكان عدد الوفيات يتزايد بشكل جنوني، وبسبب حب نازك لمصر قررت أن تكتب قصيدة، وبالفعل في خلال ساعة واحدة من الزمن انتهت نازك من القصيدة، ورغم الانتقادات التي وجهت لنازك حول القصيدة، إلا أنها قالت لوالدها رغم انتقاده لها “إنني واثقة من أن شعري سوف يغير خارطة الشعر العربي” وبالفعل كانت الكوليرا أول قصيدة إبداعية يعرفها الشعر العربي.
اقرأ أيضًا
“تاريخ الكوليرا في مصر” إحصاء المواقع غير صحيح وهذه حكاية كل وباء
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ
ورغم تمجيد المجتمع الأدبي لجرأة نازك في كتابة الشعر الحر فيما بعد، إلا أنها عندما أطلقت قصيدتها لاقت هجوم شرط من المجتمع الأدبي المحافظ الذي يخاف من التجديد ويقدس كلاسيكية الكتابة ويرى أن التجديد هو كفر بإرث الأدباء الأوائل، وبعد سنوات دارت معارك شرسة بين شاعرتنا والشاعر بدر شاكر السياب حول من له الريادة في كتابة الشعر الحر، حيث نشرت قصيدة لشاكر تحت عنوان (هل كان حبًا) في عام 1946 كتبها بطريقة الشعر الحر أي قبل صدور قصيدة نازك بعام تقريبًا، إلا أن قصيدة (الكوليرا) لم تكن أول تجارب الملائكة في الشعر الحر وصرحت أنه كان لها تجربة سابقة في عام 1932، ورغم مرور أكثر من سبعون عام على هذه الحرب، إلا أن المجتمع الأدبي مازال منقسم حول نشأة الشعر الحر وهل رائدته هي نازك الملائكة، أم بدر شاكر السايب.، ورغم حياتها الأدبية المليئة بالإنجازات، إلا أنه بعد وفاة والدتها عاشت نازك حالة من الحزن سيطرت على أشعارها.
نازك والفكر النسوي
تعرف نازك الملائكة من بين اهم رائدات الحركة النسوية في العراق، حيث انه في عام 1968 وبعد مرور اقل من عام على النكسة كانت الموضوعات النسوية بدأت في طوافها على سطع المشكلات التي تعيشها المجتمعات العربية، كمحاولة لمراجعة الأفكار والمسببات للحالة المزرية التي وصلت غليها مجتمعاتنا العربية، وفي ذلك الوقت كانت الثورة الفكرية النسوية تتعالى أصواتها في مختلف البلاد العربية، وقادت نازك هذه الثورة الفكرية في العراق حين دعيت لإلقاء محاضرة في جامعة البصرة التي كان يرأسها في ذلك الوقت زوجها الدكتور عبد الهادي محبوب، وفاجئة الحضور بعنوان محاضراتها التي لم تتحدث فيها عن الادب أو الشعر كما هو متوقع، ولكن اخترت لها عنوان (مآخذ اجتماعية عن حياة المرأة العربية) واستهلت كلماتها بجملة أصبحت فيما بعد شعار للحركة النسوية في العراق “ليست هذه المحاضرة دراسة في فلسفة الحياة الاجتماعية، وإنما هي بحث في المدلولات الفكرية لحياة المرأة العربية، حاولتُ فيه أن أحلِّل الأزياء إلى مضمونها الروحي، وأربطه بذهن المرأة وحياتها الاجتماعية والقومية”.
وخلال محاضرتها وجهت الملائكة انتقادًا لاذعًا لتصوير المرأة في الأدب الذي توارثه الأجيال الذي يقدم المرأة كجارية قائلة “تركت الشخصيات النسوية في كتاب ”ألف ليلة وليلة” نموذجاً سيئاً للمرأة العربية، ذلك هو نموذج ”الجارية” التي لا يهمُّها إلا لباسها، ولا ترى في نفسها أكثر من متعة للرجل، تعيش بغرائزها، وعليها أن تكون جميلة، وأن تسلِّي الرجل، وتطهو له الطعام السائغ.
وهذا النموذج ما زال المتحكِّم في حياة المرأة العربية، لم يغيره خروجها إلى الحياة العامّة قطعاً، وكل ما تغير فيها أقوالها؛ فقد بتنا نسمعها تتحدَّث عن دور اجتماعي عظيم تقوم به، وخوض لمختلف مجالات العمل والبناء، وتحرُّر من عبودية القرون المظلمة”.
نازك الملائكة ومصر
في عام 1990 وعلى خلفية حرب الخليج انتقلت نازك للعيش في القاهرة، واختلفت حياتها بشكل كبير حيث أصبحت اقرب للعزلة رغم استمرارها في الكتابة ولكنها اهتمت اكثر بالكتابات السياسية، ورغم عزلتها النفسية إلا ان دار الاوبرا المصرية أقامت لها حفل تكريم في عام 1999 بمناسبة مرور نصف قرن على تأسيسها للشعر الحر، ولكنها لم تستطيع حضور الحفل واستلم الجائزة نيابة عنها زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة.
ورحلت نازك الملائكة في مصر عام 2007 عن عمر ناهز 83 عام.
أعمال نازك الملائكة
(الدواوين الشعرية)
1-عاشقة الليل 1947.
2-شظايا ورماد 1949.
3-قرارة الموجة 1957.
4-شجرة القمر 1968.
5-ويغير ألوانه البحر 1970
6-مأساة الحياة واغنية للإنسان 1977.
7-الصلاة والثورة 1978
(مؤلفات نازك الملائكة)
1-قضايا الشعر الحديث، 1962.
2-التجزيئية في المجتمع العربي، 1974.
3-سيكولوجية الشعر، 1992.
4-الصومعة والشرفة الحمراء.
5-“الشمس التي وراء القمة” عام 1997.
الكاتب
-
نيرفانا سامي
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال