ويجز ورفاقه.. الجيل الذي لا يهاب أحد
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عندما استضاف الإعلامي “عمرو أديب” المطرب “علي الحجار” في برنامج “الحكاية” وجه له سؤالًا مباشرًا عن مطرب الراب “ويجز”؛ حيث رد “الحجار” بإجابة شبه دبلوماسية «صوته لايق طبعا على شغله، وهو عالمي وبيعمل ملايين المشاهدات، وهتلاقي إبنك أو بنتك حافظين كلامه. صوته لايق على اللي بيقوله.. لكن إديله أغنية عارفة مثلا، أو أي أغنية فيها لحن عادي متعودين عليه للموجي أو عبدالحليم، هنا المحك»
هذا السؤال عن مشهد “الراب” و”التراب” في مصر أصبح مفروضًا على كافة المطربين من كل الأطياف في البرامج الحوارية؛ بعد أن تحول “الراب والتراب” من ظاهرة مؤقتة إلى واقع فعلي لا يمكن تجاوزه، بالتالي لا بد من أخذ اّراء المطربين من خارج هذا المشهد، أغلب تلك الأسئلة يكون مغزاها الحقيقي هو إثارة الجدل حول تلك التجارب دون تقييمها بشكل موضوعي.
يقع البعض في فخ تلك الأسئلة ويورط نفسه في إجابات هجومية مثلما فعل مؤخرًا “رامي صبري” أو يفضل مسك العصا من منتصفها بمغازلة جمهور “الراب والتراب” والثناء على مجهودات مطربيها مثلما فعل “على الحجار”؛ الذي لم يورط نفسه في التحقير من تلك التجارب أو تضخيمها مثلما يفعل البعض.
ردود أفعال
تصريح علي الحجار شاركته وكالة Middle East Underground، المتخصصة بتسويق ودعم الموسيقى المستقلة في مصر، على صفحتها الخاصة على موقع الفيس بوك؛ والتي يتابعها أكثر من مليون شخص.
لو مررنا على التعليقات سنجد انقسام واضح ما بين مؤيد ومعارض لرأي علي الحجار، لكن ما يستفزك أكثر هو التعليقات التي تعارض الرأي حيث حملت بعض التطرف والهجوم على “الحجار” ووصفه البعض بأنه “مغني تترات” مسلسلات فقط.
وأن المقارنة التي وضعها لا تجوز؛ فمثلما “ويجز” لا يستطيع غناء أي أغنية لـ “الحجار” أو أي مطرب غيره؛ فعلي الحجار “أحد أهم الأصوات في تاريخ مصر” لا يمكنه غناء أغنيات “ويجز” مثل (البخت، كيفي كده).
وبرغم اتساع صدر على الحجار وهدؤه أثناء الإجابة إلا أن التعليقات عليه جاءت صادمة جدًا.. ولا تدرك قيمة “الحجار”؛ حيث رآه البعض مطربًا تجاوزه الزمن ولا زال قابع في الثمانينات والتسعينات.. في حين أن المشهد تغير في ظل الموجة الجديدة التي لم يستطع جيله استيعابها.
لا مجال للنقاش
في نفس السياق لو ذهبنا إلى الحلقة التي جمعت المطرب والموسيقي “حسام حسني” مع مغني الراب “ويجز”؛ في برنامج “ريد بول مزيكا صالونات” ومررنا على التعليقات على موقع اليوتيوب.. سنجدها أكثر فجاجة، حيث هاجم جمهور “ويجز” المطرب “حسام حسني” مع اتهامه بالتعالي وعدم استيعاب تجربة “ويجز”؛ بعدما طرح عليه (بشكل أكاديمي) عدة استفسارات حول صناعة “الراب” في مصر؛ وبهذه التعليقات العدائية انتفى الغرض الأساسي من الحلقة ومن فكرة البرنامج ككل، والتي تقوم في أساسها على تقريب الأجيال الفنية ببعضها والوصول إلى صيغة وسط للتعايش بينهم.
تكشف هاتان الواقعتان بجانب عدة وقائع أخرى، أحدثها خلاف “ويجز” مع “رامي صبري” أننا أمام جيل يجهل تاريخنا الموسيقي بشكل كبير، ولا يتخذ منه أي مرجعية تذكر سواء فيما يمارسه من فنون بشكل احترافي أو حتى على مستوى الاستماع.
جيل يصعُب إرضاؤه ويظهر تمرده نحو أي هجوم أو انتقاد يوجه إليه؛ حتى لو كان مبنيًا على أسس موضوعية، باختصار نحن أمام جيل لا يهاب أحد على الإطلاق.. وهي ميزة؛ لكنه لا يعترف بأي جذور له.. وهنا تكمن الأزمة والخطورة، فبهذا يصبح تحت رحمة أهواء الريح.. كأي نَبّْت لا جذور له.
نبت بلا جذور
بعد ثورة يناير تغير المشهد الموسيقي المصري بشكل كبير، تقلص دور أغنية البوب الرسمية، لأسباب إنتاجية في المقام الأول.. ثم عدم اتساع المشهد لها نظرًا للأحداث السياسية المتعاقبة التي شهدتها البلاد.
فكان الطريق ممهدًا لخروج تجارب موسيقية مختلفة لمتن المشهد؛ بعد أن كانت على الهامش، مثل فرق “الأندرجراوند”. حتى ظهور أغاني المهرجانات التي حلت محل أغنية البوب التقليدية، ثم الموجة الجديدة من “الراب والتراب والموسيقى الإلكترونية”؛ والتي ساهمت في صعود أسماء مثل “ويجز” “مروان موسى” و”مروان بابلو”، والتي حققت شهرة كاسحة في فترة وجيزة، و استقطبت جمهورًا من الأجيال السابقة بجانب جيل الألفية الجديدة.
توقف العالم عن اختراع قوالب موسيقية جديدة وبطبيعة الحال لا يولد أي نمط موسيقي من العدم؛ وأي نمط جديد لا بد أن يكون له مرجعية من أي نمط سبقه.
لو نظرنا إلى موسيقى المهرجانات على سبيل المثال سنجد لها مرجعية سبقتها في مشهد البوب المصري، بداية من ظهور ما يعرف بالمولد الشعبي أوائل الألفية ثم التطوير الذي طرأ عليه في بداية ظهور المهرجانات؛ على يد “عمرو حاحا” و”أوكا” و”أورتيجا” و”إسلام شيبسي”.
إذًا نحن أمام قالب تم تطويره من قوالب سبقته وأن بدا طفيليًا بشكل كبير، حيث يقتات على اقتباس وسرقة الألحان من أغنيات البوب التقليدية.
أما بالنسبة للراب فهو موجود في مشهد الموسيقى المصرية منذ التسعينات، حيث كانت هناك تجارب عديدة مثل المطرب “عمرو شمس” وبعض التجارب التي صنعها الموسيقار “فتحي سلامة”؛ وإن كانت تظهر على استحياء داخل بعض الأغنيات المصرية مثل “الدنيا تروق” سيمون، “ويلي” حميد الشاعري، “سيه سيه” لمحمد منير، حتى ظهور فرقة MTM بداية الألفية الجديدة مع فرقة Y-Crew.
ثم تلى ذلك تجارب أحمد مكي، الذي يتمسك بمقولة “الراب أصله عربي”، حتى “ثورة يناير” وظهور تجارب أخرى مثل “فرقة أسفلت” و”زاب ثروت” و”الجوكر” و”علي طالباب”.. حتى ظهور الموجة الجديدة “New School” التي تعتبر التجارب السابقة “Old School”.
الراب وفن المعارك الوهمية
إن كان “الراب” في الأساس يعتبر “فن شارع”.. يعبر عنه وعن همومه، إلا أن المدرسة الجديدة اتخذت من “الراب” وسيلة للتعبير عن هموم الجيل الجديد الذاتية بشكل أكبر من التعبير عن الهموم العامة.
وبدأ تلك الموجة تأخذ حيزًا أكبر بعد ظهور ما يعرف بالـ”دِسّْ”؛ المختصرة من كلمة “Disrespect” أو عدم احترام الآخر. حاول البعض إيجاد مرجعية “للدِس” بإنها تشبه الهِجاء عند الشعراء القدامى، وانحصر أغلب الإنتاج إما في حروب “الدِسات” بين “الرابرز” أو التركيز على أغنيات التفاخر وتضخيم الذات واختراع أعداء وهميين يطاردهم “المؤدي” في كلمات أغانيه.
تجمعت الظروف سياسية أو اجتماعية والتقنية لانطلاق تلك الأنماط الموسيقية وانتشارها بشكل كبير؛ مع استقلالهم فنيًا عن أي سياسات إنتاجية تتحكم فيهم نتيجة لسهولة تسجيل وبث ونشر موسيقاهم عبر منصات الموسيقى المجانية التي احتضنت تجاربهم.
الشاهد أن تلك التجارب لم تستند على مرجعية موسيقية محلية؛ في ظل أنها تعتبر التجارب السابقة “مدارس قديمة” عفى عليها الزمن؛ فلم تتأثر بها بشكل واضح.
لذا لن تجد لتلك الموجات الجديدة “كبير” في الصناعة أو جيل استلم الراية من جيل آخر؛ وهي المسألة التي توضح أن هذا الجيل لا يهتم بتطوير نفسه ولا يلتفت إلى أي انتقادات موضوعية توجه إليه، مع استدعاء المظلومية عند الحاجة لها.. بأن الهجوم نابع من الغيرة و”النفسنة” الفنية أو التعالي عليهم، ما جعل بعض الأقلام تنبري للدفاع عنهم لنفي تلك الشبهة عن نفسها أو مكايدة في سلطة الغناء الرسمي المتمثلة في نقابة المهن الموسيقية.
موهبة أم ادعاء الموهبة
تفحش تجارب “الراب والتِراب” ومعهما “المهرجانات” في مشهد الموسيقى المصرية جعلها هدفًا لنقابة المهن الموسيقية التي صوبت نيرانها نحوها، حيث بدأت في مطاردتهم ومنع إقامة حفلات دون تراخيص مسبقة.
ثم جرى دمجهم داخل النقابة تحت شعبة “أداء صوتي” وفرضت عليهم الظهور مع فرقة موسيقية؛ وإلا سوف يتم التعامل معهم كأجانب ويتم تحصيل منهم ضريبة أكبر من الأعضاء العاملين والمنتسبين، بعدما كان أغلبهم يغني على المسرح معتمدًا على طريقة “البلاي باك” أو “الماينس وان” من خلال فلاشات الكمبيوتر.
تلك القيود هاجمها البعض بحِجة أن النقابة لا يجوز لها التدخل للرقابة على العملية الإبداعية، لكنها فضحت زيف بعض التجارب الموسيقية.. حيث لم يستطع “مروان بابلو” الغناء بصحبة فرقة موسيقية في احدى حفلاته، وظهر أيضًا مغني المهرجانات “عِنبة” وهو يؤدي بنشاز واضح خلف فرقة موسيقية.
هذا الجيل لم يتوقف ولو للحظة واحدة كي ينمي موهبته، بفرض وجودها، أو صقلها بالدراسة والتدريب المستمر، حيث يرى أنه ليس في احتياج لذلك لأنه وصل إلى الهدف المنشود من نجومية وشهرة دون بذل مجهود يتناسب معها.
ولنا في تجربة مؤدي مثل “توو ليت” عِبرة الذي استطاع أن يصنع من لا شئ تجربة تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الفيديوهات، ودون أن يظهر للجمهور بوجهه الحقيقي وهو ما كشف أن المسألة تركز على تسويق المنتج الفني أهم حتى لو كان هذا المنتج فارغًا خاليًا من أي مضمون.
ما جعل “شركات العلاقات العامة” و”شركات التسويق الرقمي” هي المتحكم الأول في تجاربهم، التي تم تسليعها بعد أن تخلت عن استقلاليتها (أسرع من تجربة “الأندر جراوند” بمراحل) وأصبحوا وجوه دعائية تروج للسلع الاستهلاكية أكثر من التركيز على مشاريعهم الفنية.
ختامًا
أن هذا الجيل لا يتسع صدره لأي انتقاد.. ويقف بضراوة ضده؛ مثلما حدث في الأزمة الأخيرة بين “رامي صبري” و”ويجز”، بالتالي فالاحتفاء المُبالغ فيه بتجاربهم الضعيفة والتي لا تقف على أرضية صلبة هو بداية النهاية؛ مثلما حدث مع تيار “المهرجانات” الذي انهار فجأة ولم يعد مثلما كان في السابق.
فأن النقد “الموضوعي” يُشكل جزء من نجاح أي تجارب غنائية، فالموهوب الحقيقي يرد على الانتقاد بصقل موهبته وتطوير مشروعه الفني؛ لا عن طريق فيديوهات لـ”قصف جبهة” المُنتقد كي “يعلي الريتش” على صفحته، ويظهر بمظهر “الشبح” الذي لا يهاب أحد؛ أمم جمهور ينتظر الفيديو لينتشي بانتصاره الزائف على من ينتقد ذائقته.. الشيء الوحيد الذي “يعتقد” إنه اختياره ويستطيع الدفاع عنه.
محمد رحيم ولد نجمًا ورحل وهو على القمة
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال