همتك نعدل الكفة
648   مشاهدة  

يرويها زكوة ..الحلقة السادسة

فؤاد معوض


 تنقلت في تلك الفترة إلى غرف عديدة فوق أسطح العمارات بمناطق مختفلة من القاهرة الكبرى ، كان وجود عربة فول بالقرب من مكان السكن المرشح هو ما يجعلني أختار غرفتي الجديدة دون أن أبحث عن تفاصيل أخرى ، كان تناولي وجبة إفطار سريعة تعينني على تحمل مشقة يومي الطويل هو مطلبي الوحيد.

 

وقفت منحنياً أمام طبق فول مغموس في تحبيشة مميزة مستمتعاً بمزاقه المحبب الممزوج في فمي مع قطعة بازنجان في تتبيلته الحريفة ، أزعجتني نظرات رجل يقف في مقابلتي يوجهها إلي و هو متوقف تماماً عن فعل أي شيئ آخر رغم  لقمة الخبز التي يرفعها في وضع ثابت لا يحركها إلى الطبق الموضوع على الرف المُثبت في العربة أمامه أو يرفعها إلى فمه ، تجاهلته برهة لكنه ظل على حالته فتعجبت لأن هيئته لا توحي بإنه يعاني من  ثمة خلل كما زنني لا أرى في منظري ما يجذب انتباهه

 

كنت ستقتل أياً كان ؟ ( سألني )

اعتدلت في وقفتي .  

نعم ( أجبت

حتى لو كان هذا الشخص إمرأة أو طفل ؟ ( سأل ثانية )

زاد تحفزي و بإصرار أشد نطقت بنفس الكلمة :  

نعم               

إنتبه من حوله على ما يدور بيننا من حوار 

كنت ستقتل كل من تراه ؟

توقف بائع الفول عن الحركة و تغيرت ملاحي و إرتفع صوتي و أنا أغير نبرة صوتي للرد بالكلمة ذاتها :   

نعم 

كان كل من يتجمع حول العربة لا يفعل شيئاً إلا مراقبتنا ، غير مدركين لما يحدث

 

ضحك و ضحكت كذلك فزادت علامات الدهشة على وجوه الجميع ، صافحني و أخبرني بإسمه و صفته ( سامي السلاموني ناقد سينمائي ) ، بالتأكيد كنت قد عرفت منذ تكلم أنه رآني في العرض المسرحي ( النار و الزيتون ) ، كان دوري في الرواية يقتصر على دقائق أظهر فيها أمام الجمهور في دور ضابط إسرائيلي يخضع للتحقيق على تورطه في إرتكاب مجزرة بحق المدنيين وقت إندلاع حرب ٤٨ ، قاومت خجلي و أنا أسمعه يشيد بموهبتي التي لمسها من قدرتي على تقديم دوري بإيقاع متصاعد غير مألوف إستطعت فيه تنويع تعبيرات وجههي و إدارة نبرات صوتي رغم أن حواري لم يزد إلا على نطق كلمة واحدة هي ( نعم ) لأرد بها على أربعة عشر سؤالاً من زميلي الذي أدى دور المحقق في العرض .   

 

إقرأ أيضا
فيلم غزل البنات

إقرأ أيضًا…
العسل والبصل مع الخيار “لماذا أصر قدماء المصريين على استخدامهم في التحنيط”

 

تعرفت على شلته التي كان في رفقتهم ، فؤاد معوض ( فرفور ) الكاتب الساخر و جمعة فرحات و رؤوف عياد رساما الكاريكاتير ، كنت أعرف أسمائهم من إنتظامي في قراءة مجلة روزاليوسف ، دعوني إلى مصاحبتهم فسرنا معاً إلى شارع سليمان باشا حتى وصلنا إلى مقهى لابس ، جلسنا حول طاولة نتحدث عن السينما و المسرح و عن الحرب التي ننتظرها للثأر من العدو المحتل للضفة الشرقية لقناة السويس ، إقترب الجارسون فطلبوا جميعاً مشروباً لم أسمع عنه من قبل ( كابتشينو ) ، عجزت عن نطقه .

 

فؤاد معوض
فؤاد معوض

هاتلي زيهم ( قلت

ما تخافش مش هانشرب خمرة عالصبح ( قال  فؤاد معوض

ضحكنا جميعاً ، أخبروني إن طقسهم اليومي يبدأ من أمام عربة الفول تلك ثم يترجلون إلى مقهى لابس و بعدها ينطلقون إلي مقر روزاليوسف في شارع القصر العيني ، شعرت للمرة الأولى بالونس في المدينة التي لم تمنحني الألفة إلا داخل جدران أكاديمية الفنون.      

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان