ينظر إليهم بعين الهيبة والخشوع ويلقون في السجون! من أنقذ المجانين من ورطتهم؟
-
أحمد فكري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
المارستان كلمة تطلق على المكان الذي يعالج فيه المصابون بالامراض العقلية، وقد كانت المارستانات فيما مضى أشبه بالسجون منها المستشفيات، وكان الذين يحشرون فيها يعاملون بأشد ضروب القسوة والعذاب.
المارستانات وجدت منذ أكثر من سبعمائة سنة أى منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولم يكن قطر من أقطار العالم في العصور المتوسطة يخلو من مارستان أو موضع يحشر فيه المجانين، وكان الناس يعتقدون أن المجانين هم أشخاص حلت فيهم الأرواح الشريرة وتلسطلت عليم وصارت تسيرهم، ولذلك كان الأطباء يعالجون أولئك المساكين طبقًا لما يقتضيه هذا الاعتقاد، أي أنهم كانوا يعذبون المدجانين ويتفننون في القسوة عليهم بحجة طرد الشياطين والأرواح لاشريرة منهم، وكثيرًا ما كان المجانين يطرحون في غيابات السجون مكبلين بالسلاسل والاصفاد.
أما المصابون بضرب خفيف من الجنون فكانوا حتى أواسط القرن الثامن عشر يعاملون معاملة أدعى إلى الرأفة، فكان يعهد إلى الجماعات الدينية بهم والاهتمام بأمور معيشتهم، وفي بعض الاحوال كان أولئك المجانين يتركون مطلقي السراح يعيشون في القفار أو الغابات لا يخشى أحد أذاهم، بل كان الناس ينظرون إليهم بعين الهيبة والخشوع ويعتبرونهم من أولياء الله، أما الذين يخشى شرهم فكانوا يقديون ويزج بهم في السجون، ولذلك كانت السجون في تلك العصور ممتلئة بالمجرمين والمجانين معًا.
ولم يتم فصل الطائفتين عن الاخرى إلا بعد ذلك بزمن، فصار المجانين يرسلون إلى الأديرة التي كان الرهبان قد شرعوا في الخروج منها، ومن أقدمها “دير بدلام” (بيت لحم) بانجلترا الذي و أنشىء سنة 1247 ديرًا لرهبان “نجم بيت لحم” وراهبانه وقد أعيد بناء هذا الدير سنة 1676 وجعل مستشفى خاصًا بالمجانين.
وفي أواخر القرن الثامن عشر قام طبيب فرنسي يدعى “بينيل” نادى بالرفق بالمجانين في جميع أنحاء العالم وإلى وجوب معالجتهم على وجه يتفق بمقتضيات الإنسانية.
وكان قد زار المجانين في مارستان سالبتريير بباريس فرآهم يعانون الاضطهاد ومعظمهم راسفون بالاصفاد الحديدية كأنهم أشر أنواع المجرمين، ومع أن أوروبا كلها بوجه عام وفرنسا بوجه خاص تأثرت بدعوته واشمئزت من وصفه لما كان المجانين في ذلك العهد يعانونه، فإن حالة أولئك البائسين ظلت على ما هي عليه في جميع أنحاد أوروبا إلى أن كانت سنة 1838 إذ بدأت الحكومة الفرنسية تشعر بوجوب الإصلاح وإزالة الظلم الواقع على المجانين، ومنذ ذلك العهد بدأ نقل المجانين من السجون إلى ملاجىء ومستشفيات بنيت لهم خاصة وكان ذلك في الواقع بدء عهد جديد في معاملة المصابين بالأمراض العقلية، والفضل كله في ذلك عائد إلى فرنسا.
الكاتب
-
أحمد فكري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال