يوسف شاهين التائه بين سارتر وعبد الناصر ” الابن الضال”
في الفترة الاخيرة ولربما بسبب انهماكي بكتابة رواية تاريخية او لربما بسبب الاوضاع التي تسود العالم العربي اعدت مشاهدة المقطع الاخير من فيلم “عودة الابن الضال” للمخرج يوسف شاهين اكثر من مرة. لطالمت تساءلت شابًا مراهقًا اول ما شاهدت الفيلم عن السبب في هذه المجزرة العائلية التي تقع في نهاية الفيلم عندما يقدم الشقيقان اللدودان على اطلاق النار على بعضهما البعض. ركزت جيدًا في المشهد ان كان “علي” (يؤدي شخصيته الممثل الراحل القليل الظهور احمد محرز) قد تعمد تصويب النار على امه فاطمة ( هدى سلطان) وبالفعل فانه تعمد قتلها ولم تسقط في تبادل النار خطأ بينه وبين شقيقه “طلبة” ( شكري سرحان).
بالنسبة لي صغيرًا كان الامر مرعبًا. لاحقًا ونحن نعايش الحرب الاهلية في لبنان لم يكن الامر كذلك فالفيلم الذي صور مع اندلاع الحرب الاهلية في لبنان عام 1975 قرأ وليس تنبأ ان العائلة العربية تسير الى التقاتل والتذابح. وعزا الفيلم كل هذا التقاتل الى هزيمة العام 1967 ومن ثم رحيل جمال عبد الناصر وهو الابن الضال الذي اراد ان يحقق لهذه الامة الحلم فتاه وخدع ممن هم حوله بسبب الفساد. بحسب ما يرمز الفيلم
شخصية عبد الناصر تسكن يوسف شاهين بقوة في افلامه ولكأننا بهذا نستطيع ان نستخلص ثلال شخصيات رئيسية في افلام شاهين عبد الناصر وشاهين ذاته وجان بول سارتر الفليسوف الوجودي الفرنسي.
هكذا يفتتح شاهين التمجيد للدولة الناصرية في ” فجر يوم جديد” قبل ان ينقدها لاحقّا في ” العصفور” و “عودة الابن الضال” ويرمز لها في ” الاختيار” ويمجد الارض في فيلم “الارض” بعد خسارة الارض.
بعد ان انتهى شاهين من عبد الناصر انتقل الى سيرته الذاتية الرباعية من “اسكندريه ليه” الى ” حدوتة مصرية” المأخوذة فكرنه من قصة للكاتب يوسف ادريس و “اسكندرية كمان وكمان” وهي مأساته البكائية لفراق نجمه المدلل محسن محي الدين ثم اسخف سيره الذاتية من النواحي كافة ” اسكندريه نيويورك”.
وبين كل هذا كان شاهين يعود للتاريخ ليغرف منه ما يناسبه فيفتتح علاقته بعبد الناصر بفيلم ” صلاح الدين الايوبي” وينتقد الدين مع سطوته في ” المهاجر”. محاولًا كسب الجوائز ارضاء للعشق الممنوع في “الوداع يا بونابرت” ليكسبها عن كامل اعماله في ” المصير” قبل ان يهوى كليا مختتما مسيرته بالفيلم الهابط “سكوت حنصور”.
هكذا كان ينجح شاهين في الافلام التي يتواجد فيها عبد الناصر او شبحه قبل ان يغرق في سارترية قاسية وغير مفهومة في عالمنا الشرقي خصوصا اذا ما مزجت بشخصيته التي لقنها بل طعم واجبر شخصيات افلامه على التقيد بها.
تنفجر السارترية بدء من العجز الجنسي في “باب الحديد” الشبيهة الى حد ما في القصة الثالثة من كتاب الجدار لسارتر. الى العادة السرية الذكورية في ” العصفور” مع سيف عبد الرحمن ثم العادة السرية النسوية في ” عودة الابن الضال” مع سهير المرشدي والذي تحدث سارتر عنها باسهاب . فالمثلية شاغلة بال سارتر وشاهين والتي يطلقها حائرة في ” اسكندريه ليه” ليهذبها في ” حدوتة مصرية” ثم يؤطرها عشقًا محرمًا في ” الوداع يا بونابرت” قبل ان تتمظهر مرفوضة من قبل الاخر الذي يتمرد عليها في ” اسكندريه كمان كمان” ليصحح في ذكورية وهمية ردأ على هزائمنا تجاه اميركا في ” اسكندرية نيويورك”.
سكن الجنس ومثليته افلام يوسف شاهين الذاتية كما سكنه المضلل جمال عبد الناصر -الحلم الضائع- في “عودة الابن الضال” احب افلام شاهين الى قلبي.