يوميات القلق .. عن توفيق الحكيم الذي عانى من القلق ووصفه بالسجن
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
توفيق الحكيم من هؤلاء الذين كتبوا عن سيرتهم الذاتية بصراحة مطلقة وتصالح مع النفس يبهر القارىء، من هؤلاء الذين من عليهم الله بفهم الآخرين وطبائع الناس وفهم أسباب هذه الطباع بشكل لا يتمتع به سوى طبيب نفسي متمرس أو رجل صالح منحه الله حسن البصيرة والتأمل بعد كل تجربة مر بها.
علاقة توفيق الحكيم بيوميات القلق
إن كنت مارًا من هنا مرور الكرام الزائرين يومياتي لأول مرة، فيوميات القلق ما هي إلا مساحة للفضفضة لشابة تعاني من اضطراب القلق العام؛ مرض العصر الذي يعاني منه الكثير من جيل التسعينات والثمانينات مع الأحداث السريعة التي شهدناها، احتل القلق وجدان معظمنا.
وفور معرفتي أنه بدأ في التمكن مني، فقد قررت محاربته بوسائل عدة من بينها هذه المساحة التي أتيحت لي بالميزان كي أكتب عن طرقي الخاصة في مواجهته، وعرض طرق أخرى من المختصين الذي يساهمون معنا أحيانًا بالرد على أسئلة عن مواجهة القلق للصغار والكبار.
ومن لحظات تحكمي فيه أكتب، ولحظات تمكنه مني وإحباطي أكتب، وفور الوصول لطرق واستراتيجيات جديدة للتعامل معه أكتب، وبعد خوفي من فقدان الشم والتذوق إلى الأبد بعد معاناتي مع الكورونا كتبت أيضًا، والآن قررت أشارك القارىء معلومات عن مشاهير عانوا من القلق، منهم من أفصح عن معاناته معه بشجاعة كي نشعر نحن من يعانون مع القلق بوجه عام بأننا لسنا وحدنا.
وقد كتب توفيق الحكيم فقرات عن حيرته مع طباع بعينها لم تريحه بشخصيته كما تصور الناس، كطبعه في الانعزال وعدم السؤال عن أصدقائه من الكتاب، وندم على تصرفاته هذه التي اعتقد أنها أضاعت منه فرصًا كثيرة في الوسط الأدبي.
فالانخراط بالوسط الأدبي وبذل المجهود في تكوين علاقات اجتماعية يساعد بالتأكيد على توسيع مجالات الفرص. وبفقرة كاملة من كتابه “سجن العمر” كتب عن معاناته مع القلق، ولعل القلق هذا هو ما منعه وسجنه في طباع العزلة.
فهناك نوع معروف من القلق يندرج تحت القلق من التواجد وسط الناس، وهو القلق الاجتماعي. وقد كتب توفيق الحكيم بالفعل بنفس الكتاب عن عدم ارتياحه للتواجد بحفلات أو لقائات تضم مجموعة كبيرة من الكتاب، وخاصة عندما كانت تتم دعوته لإلقاء كلمة بإحدى الندوات.
يوميات القلق الكمامة لا تزال على وجهي
وشرح كيف كان يكره هذه الدقائق المعدودة التي يقف فيها أمام الناس لإلقاء كلمة يفتتح بها اللقاء، وكأنه يشخص ما كان يعاني منه من قلق اجتماعي بلا مختص. وبالتأكيد لسنا نحاول لعب دور المختصين في تشخيص حالة إنسان بقدره وبعد وفاته، ولكن الكلمات تكشف أيضًا الكثير، فيقول توفيق الحكيم عن القلق:
“داء آخر بدأ ينمو عندي بنمو العقل؛ إنه القلق لم أستطع منه فكاكًا طول عمري، إني في حالة قلق دائم طول عمري، إني في حالة قلق دائم طول حياتي حتى عندما لا أجد مبررًا لأي قلق، سرعان ما ينبع فجأة من تلقاء نفسه. هذا القلق الروحي والفكري لا ينتهي عندي أبدًا ولا يهدأ، إني سجينه سجن الأبد ولا أدري له تعليلًا”
كما وصف توفيق الحكيم في سيرته الذاتية سجن العمر بعض طباعه بالسجن، فقد وصف أيضًا القلق بسجن الأبد!..وأنه يقلق بلا مبرر وبلا موقف يستدعي القلق، وهذه ضمن أعراض اضطراب القلق العام الذي يهاجم صاحبه بلا مبرر وبلا داعٍ يستدعي هذا القلق.
يصف القلق بأنه يظهر من تلقاء نفسه، وكأن هذا القلق شبح يلازم الإنسان في ظلام أفكاره، ويلازم أكثر هؤلاء من تمتعوا بحب الكتابة، أو ربما كانت الكتابة الهبة التي ميزهم بها الله كي يترجموا هذه الأفكار القلقة للغير.
هذا النوع من القلق الذي يلازم صاحبه طوال الوقت ويحاول بكل الطرق مهاجمته، ولكن يبدو أن توفيق الحكيم لم يكن من هؤلاء الذين يتحدثون عن معاناتهم سوى مع القلم والكلمات، وربما لو كان بيننا الآن لانضم ليوميات القلق وسجل لحظاته مع مهاجمته وأفادنا بطرقه الخاصة لطرده من روحه.
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال